غياب النقل العام يحرم الطلاب من التعليم: الحل بالموتوسيكلات؟
لم يخطر في بال زينب سلامي (بنت جبيل)، يوماً أن “بعد الجامعة عن بلدتها وعدم امكانية دفع بدلات النقل، سيكون سبباً لتوقف مسيرتها التعليمية”.
زينب التي حازت على درجة جيد جداً، كانت “تحلم في الدخول الى كلية الطب، في الجامعة اللبنانية، أو في أي جامعة أخرى حسب قدراتها المالية، لكن حلمها توقف اليوم، مثل مئات الطلاّب اللبنانيين. بحرقة ودمعة تقول زينب أن “14 سنة من الدراسة المتواصلة، كي أحقق حلم والدي، لم تنفعني اليوم، طالما أن وسائل النقل الرخيصة غير متوفرة، وطالما أن استئجار منزل في بيروت أو غيرها من المدن بات من سابع المستحيلات، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، الذي جعل من أجر والدي لا يزيد على 100 دولار اميركي”.
يتحدث أحمد سلامي (والد زينب) عن كلفة تعليم ابنته المنتظرة، فيقول “أحتاج سنوياً لتعليم ابنتي المتفوقة في الجامعة الى ما يزيد على 10 ملايين ليرة، لذلك اتخذنا قرارنا بالامتناع عن التسجيل، الى حين تغيّر الظروف، أو قيام الدولة بواجباتها”.
في القرى والبلدات البعيدة عن المدن والجامعات، يعيش آلاف الطلاب المتفوقين والراغبين في الدخول الى الجامعات، ولم تبذل الدولة يوماً أي جهد لتأمين وسائل النقل العام، فعلى سبيل المثال لا أثر لوسائل النقل العام في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون والنبطية.
يؤكد الطالب أحمد عواضة، ابن بلدة الخيام (مرجعيون)، على أن “تأمين وسائل النقل العام قد يكون حلاًّ مثالياً ولازماً لتحقيق حلم عشرات الشباب الطامحين للدخول الى الجامعات”، ويلفت الى أن “معظم أصحاب الفانات والسيارات العمومية، باتوا يرفضون نقل الطلاب الى الجامعات والمدارس، بسبب عدم امكانية توفير المازوت والبنزين، ناهيك عن أن بدل الذهاب والاياب من مرجعيون الى كلية الآداب في صيدا يزيد على 40 ألف ليرة يومياً، ما يعني أن الطالب الجامعي يحتاج الى حوالي المليون ليرة شهرياً كبدل نقل فقط، أما المصاريف الأخرى هي أكثر من ذلك بكثير”.
مريم رمّال، ابنة بلدة العديسة، اضطرّت الى ترك الجامعة التي كانت قد تسجّلت فيها العام الماضي، بعد فوزها في امتحانات الشهادة الثانوية العامة، والبقاء في المنزل “بانتظار نصيبها” كما تقول والدتها، التي بيّنت أن “عدم وجود وسائل للنقل العام، وحتى سيارات الأجرة الخاصة، جعلنا نمتنع عن ارسال ابنتنا الى الجامعة، لأن ذلك يعرّضها للسير مئات الأمتار يومياً، ما قد يعرّضها للمخاطر، أما استئجار السيارات الخاصة فهو أمر مكلف جداً”.
وتبيّن الطالبة زينب حجازي (خربة سلم) أن “الكثير من الطالبات الجامعيات اضطررن الى ترك جامعاتهنّ، لعدم وجود وسائل نقل تقلّهم في أوقات دوام الجامعات المختلفة، فالطالبات هنّ أكثر المتضرّرات، لأن تقاليدنا الاجتماعية تمنع علينا التنقّل في الشوارع، خاصة في الأوقات المتقدّمة والمتأخرة”.
ويحيل محمد فواز (تبنين) هذه المشكلة الى “تقاعس الدولة عن تأمين الخدمات العامة الى الأهالي في هذه المناطق، فهناك الكثير من المناطق النائية في لبنان تصل اليها وسائل النقل العام باستمرار، فالذهاب من بيروت الى بعلبك أمر سهل جداً على الجميع لأن النقل العام مؤمن، فالأمر ليس متعلّقاً بالكثافة السكانية، فمعظم القرى المكتظّة بالسكان في منطقتنا، مثل شقرا وتبنين وعيترون، يعاني أبناءها من التسكّع على الطرقات لعدم وجود وسائل النقل العام، فليس كلّ الأهالي هنا يملكون السيارات الخاصة، ومن يصاب بأزمة صحية عليه أن يؤمن سيارة تاكسي للوصول الى صيدا أو بيروت أو حتى صور وبنت جبيل، وهذا أمر مكلف جداً على المقيمين هنا، فأجرة التاكسي تصل أحياناً الى 100 دولار أميركي”.
والمشكلة لا تختلف كثيراً بالنسبة للتنقل بين قرية وأخرى، اذ عمدت احدى طالبات الصف الأول الثانوي في قضاء مرجعيون الى قيادة دراجة نارية لتنتقل مع شقيقتها الى مدرستها في بلدة مجاورة “بسبب كلفة النقل، وعدم وجود وسائل للنقل العام وهذا أمر غير مألوف في مجتمعنا، لكن لا بديل عنه، رغم خطورته على الطالبتين”.
داني الأمين