الخروج الأميركي: عندما قالت الصين سيتمّ تعليق مشنقة أميركا في أفغانستان
اكتسحت حركة طالبان مدن ومقاطعات أفغانستان خلال أيام وصولًا إلى العاصمة كابول دون مواجهة جدّية في المدن، أو من أي من قادة الحرب السابقين في البلاد، فضلًا عن انهيار سريع للفرق التسعة التي تشكّل منها الجيش الأفغاني الذي بنته أميركا خلال عشرين عامًا من الإحتلال.
طالبان التي أدارت الحرب طيلة عشرون عامًا بذكاءٍ كبير، نفذت معركة السيطرة على أفغانستان بحنكة دقيقة، واستطاعت خوض مفاوضات مشرّفة طيلة عقدين، ويظهر من عمليات التسلم والتسليم الأخيرة قد تمت في مدن قوية مناهضة لها، بيّنت أن هناك اتفاقات مسبقة حصلت وأنتجت ما حصل، خصوصًا اذا ما شاهدنا المناطق القوية المناهضة تاريخيًا لطالبان تسلم دون حصول معارك جدّية.
تحتل أفغانستان موقع جيو استراتيجي مهم جدًا في قلب آسيا، وهي تتوسط كل من الصين وباكستان وإيران ومجموعة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ما أعطى موقعها المهم إهتمام القوى الكبرى تاريخيًا، فكل جيوش الدول العظمى خرجت منها مهزومة عسكريًا، من احتلال بريطانيا لها في عام 1838إلى الغزو السوفياتي عام 1981 إلى الاحتلال الأميركي الذي دام عقدين منذ العام 2001 إلى العام 2021، يكفي أن نقرأ الخريطة لنعرف هذه الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها وجعلها محل هذا الصراع الدامي الطويل.
في العام ٢٠٠١ بعد الاحتلال الأميركي بشهر حصل اجتماع في الصين، ضم كل من روسيا الصين إيران، وفي الاجتماع قال وزير الخارجية الصيني يومها “سوف نعلق مشنقة أميركا في أفغانستان” وبعدما تناقلت الكلام المسرب وكالات الأنباء ورغم مسارعة الصين إلى تكذيب الكلام، لكن هدف الاجتماع ظهر بهذا التسريب، وكان الهدف الواضح محاربة الوجود الأميركي في أفغانستان وبالتالي مواجهة الهيمنة الأحادية في العالم.
اتت أميركا إلى أفغانستان مدشّنةً عصر الهيمنة الأحادية على العالم، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الأولى، وكان هدف الغزو استكمال حصار إيران والتواجد على مقربة من الصين وروسيا ودول الاتحاد االسوفياتي السابق والإسلامية منها بالتحديد.
من حيث المبدأ يشكل هذا الانسحاب تحقيقًا للكلام الصيني بنصب مشنقة أميركا في أفغانستان، ويصب استراتيجيًا في مصلحة الدول الأربعة ( إيران، روسيا، الصين، باكستان)، وتعتبر الدولة الأخيرة محرك حركة طالبان التي منها انطلقت وبذات الوقت يأتي هذا الانسحاب الأميركي بشكل سريع ومتعمد السرعة سعيًا لحصول نوع من الفوضى، وهذا ما يشكل هاجسًا للدول التي ذكرت. وبالتالي من مصلحة هذه الدول أن تتعاون لتحجيم هذا الهاجس ولحسن الحظ، وخدمةً من الأقدار، فإن العلاقات البينية لهذه الدول الأربعة جيدة حاليًا، وبذلك يمكن القول إنها سوف تتمكن من عبور مرحلة طالبان الحاكمة في كابول، والتي شكلت سابقًا مصدر قلاقل لهذه الدول خصوصًا.
العلاقة بين طهران واسلام اباد جيدة والعلاقة بين الصين وباكستان جيدة والعلاقة بين الصين وإيران جيدة، وعلاقتهم جميعًا مع روسيا أيضًا جيدة، من هنا يمكن البناء على هذه العلاقات لوقف اي من الأهداف الأميركية بخلق بؤر توتر مع هذه البلدان انطلاقا من أفغانستان والتي بدورها شكلت أحد أهم أسباب الانسحاب الأميركي من بلاد الأفغان .
اذًا، وواقعًا، تعتبر هذه الدول أن الانسحاب الأميركي هزيمة كبيرة لواشنطن التي أرادت أن تكون أفغانستان رأس حربة في تحجيم الصين وخنق روسيا والتوجه غربًا نحو إيران لوقف سياستها الداعمة للمقاومات العربية ومواجهتها من دول الخليج، لكن هذا كله قد فشل، ما يفتح الأبواب أمام معادلات جديدة منها ما يهم العرب والمسلمين، وأهمها العلاقة بين إيران وحركة طالبان الحاكمة الآن في كابول وكل أفغانستان، وبالتحديد أكثر العلاقة بين الشيعة والسنّة وهذا ما سوف نتناوله في جزء لاحق من هذا النص.
إلا أن الواجب يقتضي، والاخلاق الإنسانية تقول بدعم وتأييد كل مقاومة لمحتل وخاصةً للمحتل الأميركي، ولو كانت من قبل فئة مثل حركة طالبان، ويبقى أن العمل الأنبل هو مقاومة المحتل ومباركة للشعب الأفغاني بالخروج من النير الاستعماري، ولا بد أن ذلك سينعكس على وضع دول وشعوب المنطقة من العراق إلى سوريا إلى فلسطين وهزيمة الأميركي تبدو أمرًا واقعًا وحرية الشعوب قدرٌ محتوم.
نضال حمادة