وائل كفوري في “البنت القوية”… غابت المرأة في موسم تصنعه وحضر كل الرجال
الكثير من الدبق مرشوش بالأجواء. والدبق مصيدة لكل من لا يعرف حيل الصيادين للإيقاع بطيور الحياة التي تنشد الحرية والفرح. ووائل كفوري فرش أغصانه الدبقة في كل اتجاه هذا الصيف: حنجرته الصافية، وسامته، نغمه الخفيف المخلوط بماء الفاكهة وجمعة شباب ارتدوا الشورت جميعاً وسكروا على إيقاع “البنت القوية”.
سليم عساف كاتب وملحن أغنية “البنت القوية” يدرك كيف يبني مداميك شعبيته في اللحن ولم تخذله قريحته يوماً، فهو يعرف كيف يضع الطوبة الأهم في مسيرة الكثير من الفنانين مثل كارول سماحة في “غالي عليّي” و”بدي عيش” ورويدا عطية في “سهل الحكي” وغيرهم كثر. وعندما جاء دور وائل كفوري نقله الى شطآنٍ جديدة وأعطاه نفحة متفردة أخرجت وائل من كأبته ووضعته في خانة من لا هم عنده happy go lucky.
هذه الأغنية التي شكلت تسونامي شعبي في عز الصيف، وارتطمت بذهن المتلقي كأنه الفرادة، ليست أفضل ولا أعمق ولا أهم ما غنى كفوري وما لحنه وكتبه عساف لكن أصداءها أتت عالية جداً من جهة وخافتة عند الذين يعشقون المغزى دون القشور وعند من يفضلون الشجن على الخفة.
نجح كفوري في “البنت القوية” التي لم نر لها أثراً في الكليب وليست موجودة حتى بمواصفاتها بل بقيت أمنية يناجيها، تفعل فعلها دون أن نعرف السبب تخرب بيتاً في رحيلها. فتاة حبّها سكر على مربى استحقت كل هذه الاحتفالية. شباب يرقصون يرفعون كؤوسهم يقطعون البطيخ بسكين مفجوع موحدين لباسهم المتفلت من كل رسمية، لا يريدون احتشاماً بل يريدون جواً وهذا الجو بات عدوى يصيب كثر ممن انهكهم الحجر والضيق وفقر الحال والحب.
وكفوري ينجح مهما غنى، فوسامته عند الكثير من النساء شحم على فطير مغرٍ. فأقل ما نسمعه منهن يقبرني الأبيض بالإشارة إلى ملابسه البيضاء وشيبته. ودخيل شكله. فالانغماس في حب وائل تخطى منطق الفن ليصل الى أماكن يفهمها الشبق الذي يتخطى الغناء.
كل ما في هذه الأغنية يَعبر لكن حب السكر على مربى كيف نصنفه، أبعد أو أقرب من سكر محلي محطوط على كريمة أو أنهما من نفس الحَلة. أي سكر طعمه في الحلق أشد وأي حلاوة يسيل لها اللعاب أكثر وأي قطر مشدود ويصمد أكثر في وجه الايام؟ العالم العربي بالأمس كله رقص وتمايل وردد بأعلى صوته ولعق كل السكر على الكريمة. وأتى كفوري ليجدد الحلاوة نفسها ولم يجد سوى المربى معنى للحب والشغف وقيمة الفتاة التي لا يمكن الاستغناء وتسكن القلب حتى الممات “بكلمة منك بيعيش وكلمة بتنهي حياتو”.
غابت المرأة في موسم تصنعه وحضر كل الرجال وغنوا لها. فماذا لو حضرت بمشمشها وتوتها وتينها وعنبها وحنظلها وكل فصولها؟ هل ستقول له خذلتني عند كل شجرة وعدتني ولم تصدق؟ نهرتني في الخفاء قيدتني، تخليت عني أخذتني قطراً وبصقتني بعدها؟ من الذكاء أن المرأة لم تحضر في كليب كفوري حتى لا تبوح بما يثقل قلبها. من الافضل أحياناً أن تبقى علاقة الرجل والمرأة مجرد خيال في نغم أو شعر. هذا يحافظ على ماء الوجه ويترك للأمل مكانة ويعطي عزاءً في واقع الألم.
كفوري الذي خطا نحو التمايز حتى عن نفسه مؤخراً سواء بالفتاة القوية التي تشبه السكر على مربى بعيداً عن طقوس القوة المعهودة في التضحية والعناء والتحمل التي تعيشها كل امرأة. بالنهاية السكر مغرٍ للذوق ودعم للمنهكين ورافع للهمة. وتميز أيضاً بأغنية دويتو مع الفنانة أنغام “برضه بتوحشني” والتي أتت بعد 25 سنة على دويتو شهير جمعه مع الذهبية نوال الزغبي “مين حبيبي أنا” وما زال حتى اليوم طازجاً في الذائقة. هذه الأغنية بالرغم من جماليتها وروعة صوت أنغام المشهود له كوائل إلا أن موجها لم يرتفع ويطرق صخور المستمعين كما فعلت “البنت القوية”.
دوماً عند الجمهور ذائقة غريبة تحير حتى أبناء الاختصاص والمهنيين ولا يعرفون أسباب نجاح أغنية وخفوت أخرى. لكن مما لا شك فيه بأن الجمهور يميل كثيراً نحو الغرابة ولا سليقة واحدة له. فأحياناً الرعونة تجد مصفقين لها أكثر من الرصانة. والجنون قد يكون جذاباً اكثر من الرزانة.