سياسة

رئاسة المجلس ونائبه بين ثلاثة احتمالات: المواجهة.. المقايضة أم حرية التصويت؟

فوز بري محسوم والمعركة بين الأكثرية الموصوفة أم النسبية؟

تفتح المعركة السياسية أبوابها على جملة استحقاقات، أولها استحقاق انتخاب رئيس للمجلس النيابي ونائب الرئيس والمطبخ التشريعي بداية الأسبوع الطالع، في ظل أجواء ساخنة مع إحياء خطوط الجبهات وحملة سجالات نارية بين مكونات المجلس الجديد، لا سيما على خط “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”.

الشعور بـ”نشوة” الانتصار لدى “التيار” و”فائض قوة” لدى “القوات اللبنانية”، ومثلهما “متعة” قوى “المجتمع المدني” بإنجاز اختراق “ساحة التشريع”، دفع بالجميع للصعود الى الشجرة والتموضع خلف مواقف تصعيدية استعداداً للحظة التفاوض على جملة الاستحقاقات المقبلة، بهدف صرف الأحجام النيابية في سوق المكاسب في المواقع والمناصب.

فعلى الرغم من غياب مرشح شيعي لرئاسة المجلس غير الرئيس نبيه بري، إلا أن القوى النيابية فتحت “بازار” التفاوض على مصراعيه للمقايضة مع الرئيس بري و”الثنائي” عموماً على مكتسبات عدة، تبدأ بنائب رئيس المجلس والمطبخ التشريعي واستحقاقَي التكليف والتأليف وصولاً الى رئيس للجمهورية.

يخضع استحقاق رئاسة المجلس وملحقاته الى لعبة التحالفات بين الكتل النيابية التي أصابها التشظي بين المجلس القديم والجديد؛ وإذا ما احتسبنا أصوات كتلة “اللقاء الديمقراطي” الثمانية في كفة الرئيس بري كما تؤكد مصادر نيابية في الاشتراكي لـ”أحوال”، فإن على ثنائي “أمل” و”حزب الله” التفاوض مع كتلة من هذه الكتل الثلاث لتأمين حاصل نيابي وازن لانتخاب بري: تكتل “لبنان القوي”، و”الجمهورية القوية” وقوى المجتمع المدني ومن ينضم اليها من “المستقلين”.

وإن كانت الكتل النيابية ملزمة بتأمين نصاب التئام جلسة الانتخاب لكي لا تُتّهم بالتعطيل المبكر لعجلة المؤسسات، وإن كان بري سيعود رئيسا للمجلس في نهاية المطاف ولو في الدورة الثانية وبعدد أصوات أقل من المراحل السابقة، فالمعركة وفق مصادر “الثنائي”، تتركز على فوزه بالدورة الأولى بأكثرية مطلقة وموصوفة أي 65 نائباً وما فوق، أو في الدورة الثانية بأكثرية نسبية.

لذلك فالمشهد لايزال ضبابياً ويتأرجح بين ثلاثة احتمالات:

*اتفاق يضمن أصوات كتل “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” و”الاشتراكي” ونواب قوى 8 آذار وبعض المستقلين، وكتلة من هذه الكتل: “التيار”، “القوات”، “المجتمع المدني”، لفوز بري بأكثرية وازنة تصل الى حوالي 70 نائباً.

*فشل الاتفاق مع أي من الكتل الثلاث واكتفاء بري بأكثرية نسبية قد لا تتجاوز الـ 45 صوتاً، من كتلتَي “الثنائي” و8 آذار و”الاشتراكي” وبعض قوى “المجتمع المدني”، وقد يزيد عدد الأصوات إن حصل “تفاهما منفردا” و”سرّيا” مع نائب “الحراك” ملحم خلف الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع “عين التينة”. وتشير معلومات في هذا الاطار الى أن “القوات” قد تصوت لخلف “نكاية” بـ”التيار” الذي يُرشح الياس بوصعب.

*ترك اللعبة الديمقراطية لتأخذ مجراها ليكون “الصندوق” هو الحكم وفق المقولة التي يرددها بري دائماً: “المجلس سيد نفسه”.

لكن بيدر الأرقام قد لا تتوافق وحقل الحسابات السياسية، فكل كتلة ستسعى لفتح بازارا للمساومة مع رئيس المجلس للفوز بنائب الرئيس، وأكبر عدد من مناصب “الطاقم التشريعي” لامتلاك قدرة على التأثير في جدول أعمال وآليات وعمل ولجان وقرارات المجلس النيابي.

لكن باستثناء كتلتَي “الثنائي الشيعي”، فإن مختلف الكتل الأخرى توجه مأزقاً وإحراجاً حقيقياً، وتبحث عن آلية للنزول عن الشجرة وتخفيض سقفها السياسي بعدما رفعته بإعلانها رفض انتخاب بري رئيساً، وبالتالي أي تراجع في موقفها عبر فتح جسرٍ مع عين التينة للمساومة على “السلة المجلسية” ستسقط في امتحان الثقة أمام ناخبيها.

لجهة “معراب”، فقد فتحت باب معركة رئاسة المجلس باكراً حتى قبل الانتخابات النيابية، برفض قاطع لانتخاب بري، لكنها تُرشح أحد أعضاء كتلتها النائب غسان حاصباني لنيابة رئاسة المجلس، وتتردد بالحديث مع بري لمقايضة أصواتها في الرئاسة بأصوات “الثنائي” أو على الأقل أصوات “التنمية والتحرير” بنيابة الرئاسة، مخافة اتهامها بالتنازل والمساومة مع “قوى السلطة”.

أما التيار الوطني الحر، فسد أبواب الحوار والمقايضة مع “عين التينة” بعد حملة رئيسه جبران باسيل على بري والتي استدعت سجالات بالجملة على خط “التيار” – “أمل”، ما يجعل التفاهم وعقد اتفاق بين الطرفين صعب المنال، بعدما حدد “التيار” مواصفات لرئيس البرلمان لا تنطبق على بري، ليرد النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر على “التيار” بإغلاق باب المقايضة إلى أجل غير مسمى، مع فتح باب ملفات الفساد القديمة على مصراعيه، لتُفتح مرحلة جديدة مبكرة من المواجهة بين الطرفين، بعد هدنة انتخابية قسرية، إذ ثمة من يقول إن باسيل يرفع السقف مع “أمل” لفتح طريق المساومة مع حزب الله، على قاعدة “عم بحكيكي يا كنة تتسمعي يا جارة”.

يدرك “حليف مار مخايل” دعم حزب الله المطلق للتجديد لرئيس حركة أمل في سدة الرئاسة الثانية، لأسباب تتعلق بتوازنات الساحة الشيعية والاستقرار على الساحة الوطنية، لذلك يدفع باسيل للتفاوض مع “الثنائي” على سلة تفاهم تشمل استحقاقات رئاسة المجلس ونائبه وملحقاته، والاستحقاق الحكومي تكليفاً وتأليفاً مع اتفاق مسبق على عناوين المرحلة المقبلة، على رأسها مصير حاكمية مصرف لبنان والسياسات المالية والتدقيق الجنائي وأموال المودعين، وصولاً الى رئاسة الجمهورية.

أما قوى “المجتمع المدني” التي لا تُجيد فنون “اللعبة النيابية” بعد، فتقف حائرة إزاء التعامل مع الواقع الجديد، ولم تنجح اللقاءات التي حصلت بين النواب التغيريين للتأطر ضمن تكتل نيابي، ولم تحسم موقفها من الاستحقاقات المقبلة باستثناء تصريحات متقطعة فردية ترفض انتخاب بري.

وتعاني هذه القوى ايضاً مأزقاً، فهي شقت طريقها الى البرلمان على “ظهر” شعارات شعبوية كمواجهة سلطة الأمر الواقع واسقاط النظام الطائفي ومكافحة الفساد والفاسدين ورفض التجديد للطبقة السياسية الحاكمة، فكيف تصوت للرئيس بري التي تعتبره شريكاً أساسياً في هذه السلطة؟

ويبدو أن هذه القوى إن توحدت، ستتجه الى مواجهة مع أحزاب السلطة أكان في المجلس أو في الحكومة إن شاركت فيها، أو في الشارع.. وقد تعرض أحد نواب “حراك 17 تشرين” ملحم خلف لحملة انتقاد شعواء على الهواء من زملائه وناشطين في صفوف “الحراك”، بسبب زيارته عين التينة لبحث احتمال “المقايضة” بين الرئاسة والنيابة.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى