مريم البسام والحريري… الحوار عام. والسلوك بلطجي والخلاصة فشل
“ضاقت بحندوقة عينك يا زلمة” واحدة من العبارات الفظة التي وجهتها مريم البسام لضيفها الرئيس سعد الحريري في حوار تلفزيوني انتظره الملايين، وعلى هذا النسق أدارت الحوار صاحبة القلم الذي يشهد له الجميع بأنه أفضل من صاغ مقدمة نشرة أخبار ببلاغته وتلميحه.
البسام التي تعرف كيف تشد براغي الكلام في عزقة السياق. لم تكن أسئلتها مجبولة بحنكة الخبرة ولا السياق كان متناغماً. فقد رمت أسئلتها خبط عشواء كمن يحاور جاره على فنجان قهوة بكثير من العتاب والتَهكم وكسر المحظورات.
الإطلالة التي كان ينتظرها اللبنانيون على أحر من الجمر في هذا الوقت الصعب، يعيشون معلقين بين الأرض وما تحتها. يريدون من ينبش لهم خفايا الأمور ومن يعري الحقيقة ويضعها أمامهم، ومن أفضل من البسام خبرة وذكاءً لتستقصي عما يدور في كواليس السياسة؟ لكن اللقاء لم يكن على قدر الأمنيات.
الموهبة الكبيرة التي تتحلى بها البسام في نشرة أخبار “الجديد” لم تظهر كمحاورة تلفزيونية، علماً بأن الطلة في الشكل كانت ممتازة، لكن الحوار شيء أخر، كان فعلاً دون تكليف، وبدا دون تحضير ودون تناغم ودون المستوى المطلوب كحدث وكضيف وكمكانة لصاحبة رأي، تريد أن تصوَب وتشرح للرأي العام.
كانت البسام تحاور الرئيس سعد الحريري كصياد يلهث خلف طريدته، وعندما يوقع به ينتف ريشه. أجادت النتف وتصويب بنادقها وسل سكاكينها، لكن هذه الشراسة لم تخدمها في حوار تلفزيوني ظهر أشبه بحوار رجال قرية عندما يلتقون في دكان الحي. الاعلامية الفذة لا تقفز من موضوع إلى أخر ولا تستل تعابير الاستفزاز ولا تقاطع ضيفها، ليصل به الامر أن يقول لها الحوار لك أم لي؟
أكثر ما تسلحت به البسام هو استفزازها غير المهني فقد كانت نبرتها قاسية كمن يريد أن يشن حرباً أو يفتح شجاراُ..
ثقتها العالية بالنفس حالت دون استعانتها بورقة تعود إليها لترصف افكارها، ولم تمكنها من استخدام لغة تكون بمستوى اعلامية مخضرمة تجيد نسج السؤال. لكنها أجادت في توزيع مصايد من هنا وهناك بهدف أن يقع الرأس في المصيدة. وهنا كانت سقطتها التي لا تغتفر. فقد كان واضحاً بأنها تريد أن تعري الرجل وتقحمه في الاحراج، لكنها لم تصل إلى مبتغاها لأن الاسلوب هو الرجل وهي لم تنجح في أسلوبها .
كان الضيف متفوقاً على المحاورة التي لم تستخدم ذكاءها هذه المرة لتبرهن بأنها سيدة الحوار ، بل كان أسلوبها أقرب إلى الردح والاستفزاز والاستهزاء وهذا قد يطيب خاطر المناهضين للحريري لكن يفقد المحاورة قيمتها كإعلامية محترفة.
أتى اللقاء أقل بكثير من الحدث ومخاوفه والمرحلة الخطيرة التي يمر بها البلد. فكان من المفترض أن يبوح الحريري بأكثر مما قال ولكن سوء الحوار قضى بما قضى من هبوط عام. فاللغة كانت عامية بتلاميحها والسلوك بلطجياً والخلاصة فشل.
نبرة البسام الحادة وملامحها الساخطة وعيونها السارحة نحو الأسفل، كيف تشيح بنظراتها وتمد يدها على صفحة صدرها وتتركها هناك لوقت طويل كأنها جالسة على شوك، كأن بها تريد أن تقفز عن الكرسي، كأن هناك سوط ما تحت الطاولة ستسله بعد لحظة. الكلام المسنن وحده لم يسعفها وطرقها بالقلم على الطاولة كقاض مستاء لم يسعفها. فظهرت متجهمة منفرة بما لم يسعف لقاءها الذي خرج منه الجميع وأولهم المشاهدون غير راضيين .
البسام مشرقة في مقدمات نشرة الاخبار على “الجديد” لكنها لم تكن كذلك بالأمس. فأسلوبها يشبه اسلوب تمام بليق، النبرة نفسها واحتشاد الضغينة الصوتية نفسها والاستعلاء نفسه..
غلطة الشاطر بألف. ولمريم نقول “خليكي ع الورق، الطلة التلفزيونية لها أربابها وأنت سقطت في الامتحان”.