منوعات

هكذا خدعت الدولة مواطنيها لسنوات!

على وقع التدحرج نحو عمق الهاوية التي سنكتشف بعدا جديدا لها عند رفع الدعم قريبا، يستمر التجاذب العبثي بين القوى السياسية العاجزة حتى الآن عن تشكيل حكومة جديدة هي أضعف الإيمان في هذه المرحلة الاستثنائية، ما يؤشر الى استخفاف لا مثيل له بمصير اللبنانيين من قبل الجهات التي تقدم نفسها ناطقة باسمهم وضنينة على مصالحهم.
والغريب ان الخلافات لا تدور فقط حول الحلول المفترضة للخروج من النفق بل تشمل ايضا الأسباب التي قادتنا الى النفق، إذ لا يوجد اساسا تعريف واحد لماهيتها حتى يكون هناك توافق على علاج مشترك لها.
وضمن هذا الإطار، يعتبر وزير سابق ومتخصص في الشأن الاقتصادي والمالي ان الدولة اللبنانية تتصرف بوقاحة غير مسبوقة، “إذ هي لا تتوانى على سبيل المثال عن مهاجمة المصارف وتحميلها مسؤولية الانهيار المالي وإضاعة الودائع في حين ان هذه الدولة هي التي استدانت في وضح النهار من المصارف لتغطية نفقاتها وعجزها وبالتالي فرّطت بأموال المودعين التي صرفت أغلبها على تعويم نموذج اقتصادي هش ومعطوب.”
ولا ينكر الوزير السابق، الوثيق الصلة بالقطاع المصرفي، ان البنوك تتحمل جزءا من المسؤولية ولكن بنسبة أقل، معتبرا انه كان يتوجب عليها ان لا تكون متساهلة ومتجاوبة الى هذا الحد في إقراض الدولة، “بل كان يُفترض بها ان ترفض التسليم بكل ما يُطلب منها وان تجيد استخدام ال”لا” في التوقيت المناسب لأنها مؤتمنة على ودائع الناس وحقوقهم.”
ويعتبر ان التراتبية العادلة في توزيع تبعات الانهيار هي كالآتي: الدولة اولا ثم البنك المركزي فالمصارف، منبها الى ان الاكتفاء بالقاء اللوم على البنوك هو تحوير للحقيقة وتحريض على القطاع المصرفي الذي لا يجوز هدمه لانه يبقى عصب اي نهوض اقتصادي مرتقب، “انما من دون أن ينفي ذلك أن هناك حاجة ملحة إلى مراجعة تجربته وإعادة تأهيله لكي يستطيع اكتساب الصدقية مرة أخرى وترميم الثقة فيه مجددا.”
وانطلاقا من هذه المقاربة، يستغرب صاحب التجربة الوزارية خلال عهد الرئيس ميشال عون كيف أن الدولة تحاول أن تلقي العبء الأكبر لكلفة الإنقاذ على غيرها في سياق التنصل من واجباتها وتماديها في سياسة الهروب الى الامام، “بينما يجب أن تكون المعنية الاساسية بسد فجوة الخسائر والتعويض على المودعين كونها هي التي أنفقت أموالهم خلال عقود من الاقتصاد الريعي والسياسات المالية الخاطئة”، مشيرا الى ان من بين الخيارات التي ينبغي أن تدرسها الدولة استخدام أملاكها وأصولها في المعالجة من خلال توزيع اسهمها على المودعين لتعويضهم عن الخسائر التي تسبب بها نهج السلطة السياسية منذ 1992 وحتى الآن.
ويلفت الى ان الدولة باعت اللبنانيين رفاهية خادعة استندت الى قاعدة تثبيت سعر صرف الليرة عند حدود غير واقعية لا تعكس الحجم الموضوعي للاقتصاد اللبناني غير المنتج، والقيمة الحقيقية للعملة الوطنية، مؤكدا ان هذا التثبيت المصطنع والمكلف جرت المحافظة عليه عمليا عبر أموال المودعين التي تم استنزافها واستعمالها في شراء الوقت وتأجيل انفجار الازمة.
ويعتبر ان ليست هناك حاجة لإجراء تدقيق جنائي من اجل معرفة طريقة التصرف بالاموال، مشيرا الى ان الجزء الأساسي منها ذهب على تثبيت سعر الصرف بينما تم هدر جزء آخر في الفساد، “لكن المفارقة انه في معظمه فساد مقونن، اي لا يحمل بصمات واضحة تدين صاحبه وتثبت تورطه، وبالتالي فأنا أرجح ان المبالغ التي يمكن الإثبات بالدليل انها سُرقت قد لا تكون كبيرة بفعل تشاطر الفاسدين وقدرتهم على تطويع القوانين لخدمة مصالحهم.”
وأكثر ما يستفز الوزير السابق، والذي كان قريبا من احد المراجع الرسمية، هو ان أصحاب القرار لا يزالون يمعنون في توسيع الحفرة التي أوقعوا البلد فيها بدل ان يحاولوا إخراجه منها، وكأنهم لم يتعلموا شيئا من دروس الازمة، ما يعكس انكارا مخيفا للواقع ومكابرة في التعامل معه.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى