الفساد في إدارة المياه يهدّد حياة الأهالي
الصيف عبئًا ثقيلًا إضافيًا على أبناء الجنوب اللّبناني، لتنضمّ أزمة توزيع المياه على الأزمات المتراكمة الأخرى. خلال العامين الفائتين، بذلَ مئات الأهالي جهودًا استثنائية لتأمين بعض ما يحتاجونه من الغذاء، من خلال العودة إلى الأراضي الزراعية وزراعة ما تيسّر من الحبوب والخضار، وغيره. لكنّ آبار المياه المنزلية جفّت باكرًا، أمّا “مياه الدولة فهي محجوبة عن معظم الأهالي، باستثناء المنتفعين منهم” يقول أحد أبناء بلدة مجدل سلم مرجعيون، مبينًا أنّ “أبناء البلدة عادوا إلى الزراعة، ولكنّ المياه لا تصل إلى البلدة منذ عدة سنوات”، ويذهب الأستاذ علي ياسين إلى أنّ “هذه الأزمة هي نتيجة التقصير والإهمال، الذين يطالات المئات من أبناء المنطقة بسبب سوء توزيع المياه والمفاضلة بين بلدة وأخرى”.
في مدينة بنت جبيل يشكو الأهالي باكرًا من انقطاع المياه المستمر، ويضطرّون كغيرهم إلى شراء المياه التي تُنقل إليهم بواسطة صهاريج المياه، التي باتت عبئًا ماليًا ثقيلًا عليهم بسبب ارتفاع الأسعار، فيقول أحمد بزي إنّ “كلفة شراء صهريج المياه الكبير تزيد على مئتي ألف ليرة، بسبب ارتفاع ثمن المازوت وقطع غيار السيارات”. وخلال الأيام الماضية اعتصم العشرات من أبناء بلدة حولا (مرجعيون) للمرّة الثانية على التوالي، أمام خزانات مياه بلدة مركبا المجاورة، التي تنقل إليها المياه من نهر اللّيطاني، تمهيدًا لتوزيعها على معظم قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون، مؤكدين على “مطالبتهم المستمرة بالحصول على حصتهم من المياه، التي لا تصل إليهم منذ عدّة سنوات”، علمًا أنّ معظم أبناء حولا يعملون في الزراعة، وتعتبر مياه الريّ حاجة ملحّة لتأمين قوتهم اليومي.
ويشكو أبناء المنطقة من عدم الرقابة على امدادات المياه، فيشير أحمد زين الدين أنّ “المياه تصل إليهم بشكل متدنّ نسبة إلى غيرهم نتيجة قيام البعض بسرقة المياه من خلال فتح عيارات الماء المعتمدة من مصلحة مياه جبل عامل، ويغضّ بعض موظفو المصلحة أبصارهم عن هذه المخالفات لأسباب باتت معروفة”.
يقول مصدر متابع إنّ “مشكلة الكهرباء ليست سببًا حقيقيًا لقطع المياه عن القرى والبلدات، ففي فصل الشتاء تصل المياه بشكل دائم إليها رغم أنّ الكهرباء شتاءً تنقطع باستمرار وهذا يعني، أنّ انقطاع المياه هو بعدم ضخّ ما هو لازم بسبب خدمة أصحاب البساتين وبعض المحسوبين والنافذين الذين يجبرون نقل المياه إلى بلداهم ومناطقهم”.
إحدى بلدات مرجعيون تصلها المياه من خزانات بلدة الطيبة ومن بئرين أرتوازيين حفرا لخدمة جميع أبناء المنطقة، فالمطلوب من أبناء القرى المحتاجة أن ترفع صوتها عاليًا للحصول على حقّها المصادر، وأحيانًا يتدخل المسؤولون بشكل مباشر لتغطية بعض المنتفعين. رغم هذه المعاناة فالأهالي في منطقة بنت جبيل مشتركون بأغلهم في خدمة المياه العامة ويدفعون اشتراكاتهم بشكل سنوي (275 ألف ليرة)، ورغم ذلك لا تصل المياه إلى هذه البلدات إلاّ نادرًا وتدفع الأسر أكثر من 200 ألف ليرة أسبوعيًا لشراء ما يلزمها من المياه.
ويبيّن أحد المعنيين بمتابعة ملف المياه في الجنوب أنّ “نسبة المشتركين في المياه في قضاء صور لا تزيد على 30% فقط، ما أدّى إلى الفوضى وعدم دفع الرسوم لمصلحة المياه”، ويتحدّث عن موظّف مسؤول عن تشغيل المولد الكهربائي لضخّ المياه من أحد الآبار الأرتوازية في إحدى القرى الحدودية، يقوم بمهمته هذه في الوقت الذي يروق له، دون حسيب أو رقيب. ويشير إلى أنّ “أبناء قرية بأكملها يحصلون على المياه بشكل جيّد، في الوقت الذي لم يشترك فيها أحد في مياه الدولة، رغم أنّ عشرات الأهالي من المشتركين من قرى وبلدات أخرى لا تصل المياه إليهم، وكلّ ذلك بسبب التدخلات السياسية”.
ويظهر علي زين الدين المأساة التي يتعرّض لها المقيمون في بلدة صفد البطيخ بسبب انقطاع المياه، فيقول “لقد تحوّلت البلدة إلى مدينة تجارية وسكنية يسكنها المئات من أبناء القرى والبلدات المجاورة إضافة إلى النازحين السوريين، فقد تمّ بناء الأبنية الكبيرة في البلدة التي تضمّ شققًا سكنية صغيرة يتم تأجيرها للفقراء بأسعار مقبولة، لكنّ أزمة المياه المستجدة هذه جعلت من هؤلاء الفقراء يدفعون الجزء الأكبر من مداخيلهم على شراء المياه، لعدم وجود الآبار الخاصة بتجميع المياه، أو لوجود آبار صغيرة لا تكفي المقيمين”، ويشير زين الدين إلى أنّ “العمال السوريين الذين يقيم المئات منهم في البلدة باتوا لا يستطيعون شراء المياه التي ارتفعت أسعارها، بل ساهم عددهم المتزايد برفع أسعار المياه بسبب زيادة الطلب عليها”.
داني الأمين