ميديا وفنون

بين شموخ فيروز وانكسار ماجدة الرومي في حضن ماكرون… حكاية صورتين تقولان الكثير

 

بين شموخ فيروز وهي تبتسم خفراً أمام الرئيس الفرنسي الذي حلّ ضيفاً على منزلها، وبين انكسار ماجدة الرومي في حضن الرّئيس نفسه وهي تزوره بين جموع الوافدين إلى قصر الصنوبر، مشهد فرض مقارنات لم تكن لتعقد بين فيروز التي نأت بنفسها عن كل شيء، وفنّانة أخرى حتى لو كانت ماجدة الرومي نفسها.

حازت فيروز على إجماع اللبنانيين الذين يجتمعون على حبّها، جاءت هذه الصّور لتزرع ابتسامة فوق وجوه متعبة، وأسئلة كثيرة… لماذا حرمتنا طوال هذه السّنوات من ابتسامة كان بإمكانها أن تهدينا إياها من زمن؟
لماذا لم تسمح لنا من قبل بالتلصّص على أيقوناتها المعلّقة فوق جدرانها؟ لماذا لم تسمح لنا باكتشاف كنبتها المعرّقة التي تشبه كنباتنا، واكتشاف تفاصيل غرفتها الدّافئة التي تشبه غرفنا، وتشبه خيالاتنا عن غرفتها؟ تفاصيل أدخلت البهجة إلى نفوسنا ونحن نبحث عن البهجة بالسراج والفتيل أضعنا السراج والفتيل والبهجة.

حسناً نسامحها بمفعول رجعي، أقلّه أنها طمأنتنا إلى صحّتها، وأنّه في زمن الوصاية والهرولة لتقبيل يدي المندوب السّامي الذي أعاد عقارب الزّمن مئة عام إلى الوراء، تجلس في منزلها، تُزار ولا تزور، يأتونها حاملين أوسمة، عائدين بلوحة هدية، على قاعدة الندّ للند… لا بل هي الملكة المتوّجة على عرش لا يورّث.

تتناقل صورها الصحف الفرنسيّة على أنّها الديفا التي زارها رئيس البلاد قبل أن يلتقي السياسيين في لبنان، وتتناقل صورها وسائل إعلام محليّة على أنّها سفيرتنا إلى النجوم التي كرّمها الرّئيس الضّيف بأرفع الأوسمة بعد أن هزّ العصا لكبار المسؤولين ووبّخهم… لتوبيخهم لدى اللبنانيين وقع مبهج يشبه أغاني فيروز عند الصّباح.

أما ماجدة الرومي، فلربّما انتظرت في منزلها زيارةً مماثلة، لكنّ ماكرون دعاها إلى قصر الصنوبر، هكذا قالت مصادرها، طلبها فلبّت الدعوة.

كانت الصورة الحدث التي التُقطت في جزء من الثانية تختصر الكثير. لم يلتقطها أحد المتربّصين وينشرها ويقول انظروا الفنانة الكبيرة في زمن الكورونا تتخلّى عن قناعها وترتمي في حضن المندوب السامي الجديد، بل كانت هي من وزّع الصّورة عبر صفحاتها الخاصّة على مواقع التّواصل الاجتماعي، ممهورة بتوقيعها مع ملاحظة “جميع الحقوق محفوظة”.

ماذا قصدت الفنانة الكبيرة بنشر الصورة؟ هل قصدت أن تقول إنّني مثلكم أعاني وإنّني مثل بعضكم أجد في ماكرون خشبة خلاص أتمسّك به خشية أن أغرق؟ بل إنّني مثلكم أغرق لا تشفع بي نجومية ولا شهرة ولا تاريخ حافل بالنجاح، فعندما يغرق الوطن نغرق جميعنا؟

انقسم اللبنانيون حول الصّورة… ففيروز وحدها تجمعنا أما ماجدة الرومي فموضوع آخر.

رأى البعض أنّها حضرت إلى قصر الصنوبر مع جموع السياسيين والضّيوف الذين لبّوا نداء الرّئيس الضيف المضيف، وأحضرت معها لزوم “الضّيافة” باقة ورد كبيرة على قاعدة أنّك “يا ضيفنا إن زرتنا لوجدتنا نحن الضّيوف وأنت ربّ المنزل”، وعندما شاهدته شعرت باليتم في وطنٍ ترك أبناءه على قارعة الطريق يموتون قهراً، ولمحت في عينيه نظرة تعاطفٍ، فشعرت بالشفقة على الذّات كسائر المواطنين الذين جلّ ما باتوا يتمنّونه نظرات تعاطف تشعرهم أنّ إنسانيتّهم تستحق أن تُحترم.

وهنا انهارت في حضنه في لحظة مؤثّرة التقطتها عدسة المصوّر، ثمّ أرادت أن يشاهد الجميع هذه اللحظة، التي يتعرّى فيها الفنان من نجوميته وهالته وكل الأضواء المحيطة به، ويصبح كائناً ضعيفاً في بلدٍ لا يحترم القامات والكفاءات وأصحاب العطاء، بلدٍ لا يحترم أحداً.

بينما رأى البعض الآخر أنّ عناق الرّومي لماكرون لا ينفصل عن كونها مطربة تغني للثورات وتلتصق بالأنظمة، هي التي غنّت في حضرة الرئيس جورج بوش الأب في قصر بعبدا في تسعينيات القرن الماضي “سيدي الرّئيس” يقول محبّوها إنّها وبّخت الرّئيس الضّيف بالأغنية، لكنّها وبّخته بالعربية ولم يفهم يومها سوى أنّها غنّت له. كما وصفت “ثوّار البحرين” بـ”قوى الظّلام” ثم تبرّأت من تصريحها مؤكّدة أن ثمّة من اجتزأه، وغنّت لمعظم الحكام العرب من حسني مبارك وزين العابدين بن علي والسيسي وقالت إنّها تصلّي له ليل نهار، فجاءت صورتها مع ماكرون لتتوّج صورتها كفنّانة تجيد العزف على وتر الحكّام، ثمّ تغنّي للثورة.

يدرك اللبنانيون أنّ حبّ فيروز يجمعهم، وأنّه صودف أنّ رئيساً فرنسياً عاد ليحكم لبنان عن بعد، زارها، وبعدها زاره كثيرون، فحصلت لقاءات والتُقطت صور، وحصل ما حصل، ما استدعى عقد مقارنات تعيدنا إلى النقطة الأساس أنّها فيروز… وأنّ فيروز لا تُقارن.

إيمان إبراهيم

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى