منوعات

دميانوس قطار… من مستشار في عهد لحود الى وزير مصاب بـ”الشلل”

لطالما عمل دميانوس قطّار الوزير “المستقيل” عشية إستقالة حكومة حسان دياب  على التسويق لنفسه كأحد الوجوه الاكاديمية البعيدة عن زواريب السياسة، متسلّحاً بالاطلالة الدمثة والكلام المنمّق وكاريزما مقنعة. كما أحاط نفسه بـهالة من “الترفّع” عن السجالات والولوج الى “الغموض البنّاء” في المواقف المفصلية كتلك المتعلّقة بسلاح “حزب الله”، مستعيضاً عن ذلك بمواقف إقتصادية في إطلالاته الاعلامية على قّلتها.

فقطّار ينتمي الى نادي “الوجوه المارونية” الشاخصة الى كرسي بعبدا – وهو أمر مشروع – التي تغلّف طموحها السياسي ببعد أكاديمي و”عطف” بطريركي ومواقف “ألا موقف” في الاحداث المفصلية أو المواقف الاستلحاقية كإستقالته بعد 5 أيام على إنفجار 4 آب وقبل ساعات من إستقالة الحكومة.

هذا “الغموض البناء” الذي يعتمده قطّار يظهر على سبيل المثال في السيرة الذاتية المقتضبة التي إعتمدها للتعريف عن نفسه كوزير البيئة ووزير دولة لشؤون التنمية الادارية في الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء وعلى مشغّل البحث google، فيكتفي بالتعريف عن ذاته: “أكاديمي وخبير اقتصادي، ومؤسس وعميد كلية ادارة الاعمال في “الجامعة الانطونية. شغل منصب وزير المالية والاقتصاد خلال الـ2005”.

كذلك، فإن مشوار قطّار عبر وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستاغرام” كان قصيراً إذ إمتدّ من ربيع 2014 الى صيف 2015. أضف الى أن إطلالاته الاعلامية كوزير في الحكومة الحالية – وعلى ندرتها-  ركّزت على الاقتصاد وسط شبه غياب لشؤون وشجون وزارتيه البيئة والتنمية الادارية. فهو في الأساس يفضّل الظهور عبر الندوات، فهي تعزّز الصورة التي يعمل على رسمها دوماً عن ذاته وتقيه نسبياً من المماحكات والاسئلة المحرجة.

هكذا تسلّل Dimy الى عالم السياسة

“السياسة لدي ليست بالوراثة بل بالارث لدى آل قطار”، قالها خلال مشاركته في برنامج “سيد القصر” مع الزميلة سمر ابو خليل عام 2014 معتبراً انه قد يكون أحد الحلول الاخرى للفراغ الرئاسي يومها اذا تعذّر اتفاق رؤساء الاحزاب. لكن كيف تسلل عملياً حامل الإرث الى عالم السياسة؟
مصدر مواكب لإنطلاقته السياسية أوضح لـ”أحوال”: “Dimy كما كنا نناديه خطى أولى خطواته العملية مع توزير صديقه المهندس جان لوي قرداحي في تشرين الأول 2000 في حكومة برئاسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فكان ضمن فريق عمله المصغّر مع  نديم حكيم وكوستا ديماني. قرداحي قدّمه لرئيس الجمهورية يومها إميل لحود الذي إستعان به كمستشار إقتصادي، إلا إن العلاقة دامت فقط 6 أشهر قبل أن يستغني عنه لحود جراء علامات إستفهام تكونت لديه بشأن دوره في أحد الملفات”.
يتابع المصدر: “كما أن قرداحي فتح الباب لـ Dimy للتعرف على البطريرك الراحل الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير وعلى سياسيين كثر منهم الوزيران يومها نجيب ميقاتي والياس المر. حين فتح قرداحي معركة قطاع الاتصالات ( وقد إدرجت من قبل بعضهم ضمن الصراع بين لحود والحريري) لاجراء مناقصة ووضع حد لتدخل السياسيين وفي طليعتهم آل ميقاتي وآل دلول في القطاع، ترك قطار قرداحي وإنتقل الى محور ميقاتي حيث عمل مستشاراً لديه. عندما كُلّف ميقاتي بتشكيل أولى حكوماته  في عهد الرئيس لحود – بعدما أسقطت ثورة الارز حكومة الرئيس عمر كرامي- سعى Dimy لدى ميقاتي لإدراج إسمه بين الموارنة المطروحين للتوزير وإتكل على الوزير اليالس المر لازالةveto   لحود ضده. كما زار ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في رسالة “حسن نية”. فكان له ما أراد وتمّ توزيره للمرة الاولى في 19/4/2005 فإستلم حقيبتي المال والاقتصاد في حكومة شكّلت بهدف إجراء الانتخابات النيابية وعاشت فقط 3 أشهر”.

دميانوس رجع… بهمّة دياب

بطبيعة الحال لا يُسأل قطار عن إنجازات في حكومة إنتخابات وعمرها قصير، ولكنه نجح بترسيخ صورة إفتراضية لدى الناس بأنه وزير “ديناميكي ورؤيوي ومنتج”. لكن ماذا عن إنجازاته في حكومة “صديقه” حسّان دياب؟

في الواقع، خاض دياب أشرس معركة لفرض توزير قطّار الذي كسر القاعدة التي إعتمدت ونصت على عدم توزير أي وزير سابق، فيما تمّ الإيحاء من قبل بعضهم أن إسمه مطلوب من بكركي. صحيح أنه كان يطمح لحقيبة سيادية هي الخارجية لكن الأمر رسا على وزارتي البيئة والدولة لشؤون التنمية الادارية. إلا أن هاتين الوزارتين تتمتعان بأهمية كبرى خصوصاً في ظل الإنهيار الذي يعيشه لبنان. فالتنمية الإدارية المعنية بمشاريع عدة منها: مكننة المحاكم، تدريب موظفي القطاع العام، إنشاء المواقع الالكترونية لعدد من الوزارات، مشروع التحول الرقمي أو ما يعرف بـ”الحكومة الالكترونية” (الذي يشكل ركيزة في الاصلاحات المطلوبة وثمة تمويل له من البنك الدولي لكنه لم يعره اي إهتمام جدي) و”مكافحة الفسادة”. كذلك “البيئة” معنية بملفات ساخنة من تلوث الليطاني الى مرج بسري.
مصدر مطلع على العمل في وزارة التنمية اشار عبر “أحوال” الى خصوصية الوزارة حيث كانت تعتمد بشكل أساسي على المتعاقدين مع الـ undp لإدارة المشاريع الموجودة وقلقة من الموظفين كالسكرتيرات والحجّاب يعملون وفق عقود مع الدولة اللبنانية، مضيفاً: “مع إنهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وبالتالي تدني قيمة الرواتب، إنتهى التعاقد مع الـundp لأنه وفق المعايير الوظيفية لديها هناك سقف للرواتب لا يمكن النزول تحته حفاظاً على مردودية المتعاقدين. منذ أيلول 2020، تحوّلت عقود المتعاقدين من الـundp الى الدولة اللبنانية تحت إسم “عقد خدمات إستثنائية” – رغم قانون منع التوظيف الصادر عام 2017- واليوم هذه الكوادر عددها نحو 45 بدأت تهجر الوزارة. ما يعني أن الحل الذي تم التوصل اليه في مرحلة قطّار يفرغ الوزارة تدريجياً وربما يتسبب بإقفالها”.

يتابع المصدر: “صحيح أن الوزير يحضر الى مكتبه في الوزارة ولكن يعيش في “برجه العاجي” ولا يتواصل بشكل سلسل مع الموظفين رغم أن بعضهم يطلب لقاءه لأسباب ملحة. كما أن البريد يتراكم منذ شهور ويتردّد بالتوقيع عليه بشكل قد يتسبب بالضرر على بعض المشاريع. يتحجّج بأنه بحاجة لمدير مالي للتدقيق بها قبل توقيعها ولكن الأمر طال والتوقيع على بعضها بديهي ولا يتحاج الى ذلك. يا ليت لديه الحماسة للتوقيع على البريد كحماسته بمتابعة جدول مناوبة الموظفين. انه “يفلي الاملة” ولكن بأمور تافهة وغير جوهرية مما يعيق العمل!!!”.
يختم المصدر: “على خلاف أسلافه الوزراء، يتميّز قطار بـالـ  Soloإذ يحضر معظم الاجتماعات منفرداً ولا يستعين بمدراء المشاريع او الملمين بالملفات. كما لم يطلق أي مشروع في عهده فيما المشاريع القائمة هي بحكم الاستمرارية وهو يكاد يعرقلها. قطّار أتى بذهنية وزير تصريف اعمال منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة”.

“شلل” وزاري جراء الطموح الرئاسي

ربما تصفّح الموقع الالكتروني لوزارة “التنمية” كما لوزارة “البيئة” يعكس صورة عن مدى ديناميكية قطّار وانتاجيته وإنجازاته في الوزارتين. فآخر خبر منشور عنه على موقع “التنمية” www.omsar.gov.lb/Media/News في 15 تموز 2020 بعنوان “قطار يعقد إجتماعاً تمهيدياً مع الشركاء الدوليين بشأن تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد” وعلى موقع “البيئة” www.moe.gov.lb في 17 تموز.

مصدر مطلع على الحركة في وزارة البيئة، أشار الى أن “قطّار يعتمد بشكل أساسي على مدير عام الوزارة ولا يقوم بأي شيء يذكر الى حد يمكن السؤال: ما جدوى وجود وزير ولما نتكلف أعباء راتبه؟”. كما تبين من المصدر أن “ممارسات قطار في البيئة لا تختلف عن “التنمية” من حيث البطء الشديد في توقيع البريد مقابل إهتمامه بجدول الدوامات. كذلك في معظم الاحيان لا يحضر المسؤولون عن الملفات في اجتماعاته مع الاطراف المعنية بها وإن اضطر الى متابعة احداث بيئية طارئة يفضل عدم ذكرها ربما لعدم تفتيح العيون عليه ومسآلته أكان في الاعلام أو من قبل الشعب”.

شكّلت إستقالة قطّار في 9/8/2020 حين أعلن “نفسي حزينة حتى الموت” فقّاعة في الهواء، فهو خسر صداقة دياب الذي إعتبر أن من قاتل في سبيل توزيره تركه وحيداَ من جهة ولم يقنع الشارع الغاضب الذي لم يأخذ إستقالته على محمل الجد من جهة أخرى كونها أتت بعد 5 أيام على انفجار المرفأ.

طموح قطّار الرئاسي ربما أصابه بشلل وزاري وتجربته بدّدت إنطباع الناس الايجابي إذ إهتزّت صورته التي عوّل عليها لبنانيون كثر. فهو لم يكتف بعدم ترك أي بصمة إيجابية في تجربته الوزارية بل ظهر منذ اليوم الاول للتشكيل أنه أقل من وزير تصريف أعمال، يخاف أن يعمل كي لا يخطئ أو أن يأخذ موقفاً كي لا يزعّل أحداً. وها هو قطّار لا يجد من يرفع الـveto عنه هذه المرة لإستلام وزارة الخارجية بعد تخلي الوزير شربل وهبي عن مهامه. كثر ممن إلتقاهم قطّار فور إستلامه الوزارتين، يستذكرون قوله “إن مضى أكثر من ثلاثة أشهر ولم أستطع ان أحدث تغييراً سأرحل”. فربما لو صدق لأنقذ صورته وطموحه.

 

 

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى