هل يراعي الأميركيون تل ابيب في تسويات الإقليم؟
يبدي الاسرائيليون مخاوفهم من التخلي الأميركي حاليًا ومستقبلًا عن تل أبيب. يستعيد بعضهم محطات عهدي الرئيسين الأميركيين الأسبقين دوايت إيزنهاور وريتشارد نيكسون، حيث تعرضت العلاقات الإسرائيلية-الأميركية لنكسات، سرعان ما جرى استيعابها في واشنطن وتل ابيب.
فهل تدخل تلك العلاقات بين حليفين في دوامة الأزمات، بدءًا من عهد الإدارة الأميركية الحالية التي يرأسها جو بايدن؟ يمكن تصنيف السياسات الأميركية الحادة تجاه تل ابيب أنّها تأتي في إطار التأديب، خصوصًا لرؤساء حكومات اسرائيلية، كحال بنيامين نتنياهو، الذي عمل على مشاكسة بايدن منذ ترشحه للرئاسة الأميركية. لم يسبق أن تخطى التوتر مساحات التأديب.
وإذا كانت واشنطن سعت لفرض رؤيتها الشرق أوسطية بالتناغم مع تل أبيب، فإنّها كانت تنفّذ سياساتها في كلّ المراحل، من دون موافقة الإسرائيليين أحيانًا: الرئيس جيمي كارتر لم يمنع تل أبيب من اجتياح لبنان عام 1978، عندما نفّذ الاسرائيليون عملية عسكرية ضد لبنان تحت اسم الليطاني، لكنّه هو الذي أجبر الاسرائيليين على التراجع في جنوب لبنان إلى حدود شريط سعد حداد.
الرئيس رونالد ريغان لم يصغ للإسرائيليين ولم يستجب لضغوطهم من أجل وقف صفقة بيع طائرات أواكس للسعودية، فجرت الصفقة عام 1981.
الرئيس جورج بوش الآب، منع تحويلات مالية للإسرائيليين عام 1991 بقيمة عشرة بليون دولار، من أجل تخفيف الاستيطان اليهودي في الضفة الفلسطينية، رغم محاولة اللّوبي الاسرائيلي إقناع الكونغرس الأميركي بأهمية التسهيلات المالية الائتمانية لاسرائيل.
الرئيس بيل كلينتون أجبر تل ابيب على إلغاء عقود تسليحية نوعية للصين، رغم الإندفاعة الاسرائيلية لإتمام تلك الصفقة.
وكان الرئيس جيمي كارتر حاول بعد عام 1967 الوصول إلى تسوية شاملة ومقبولة للفلسطينيين، بشراكته مع السوفيات، لكنّه انسحب من المشروع التسووي نتيجة ضغوط مجمّع الأمن القومي.
لذا، يمكن الجزم أنّ بايدن سيمضي بأيّ مشروع تسووي في الإقليم، سواء أرادت تل ابيب أو رفضت، وهي لن تكون سابقة، لكنّ الأميركيين والاسرائيليين سيسعون للتكيف مع قرار الإدارة في واشنطن، خصوصًا أنّ هناك متغيّرات داخل الولايات المتحدة الأميركية أظهرها التبنّي الشعبي اللّافت لحقوق الفلسطينيين.
فماذا ستفعل تل ابيب؟ هل ترضخ، أم تشاكس؟ في الحالتين لن يترك الاسرائيليون مسار الإقليم يتجه نحو تسويات من دون محاولة فرض مصالحهم ضمنها. هم يرصدون حاليًا مفاوضات فيينا، وانتخابات إيران، والاندفاعة الأميركية، والتوجس الخليجي. بعدها تتضح الصورة في المشهد الإقليمي.
عباس ضاهر