المسّ بالاحتياطي الإلزامي هو الاستحقاق الآتي في معارك النقد والمال، بعد أن شارفت احتياطات المصرف المركزي من العملات الاجنبية على النفاذ، والقرار بإلغاء الدعم خلال أيام مع انتهاء شهر أيّار 2021 الحالي ما سيقلب المشهد على تداعيات لا يمكن التنبؤ بها. فهل يبدأ تجاوز النظام المصرفي الخطوط الحمر وبدء قضم الاحتياطي الإلزامي؟.
في إطلالته الأخيرة بدا حاكم مصرف لبنان سورياليًا بما قدّمه من معلومات وإجراءات ينوي اتخاذها للتخفيف من الأزمة المالية، بحسب زعمه. اجتراح معجزة النجاة من الانهيار الكامل عبر تحرير بعض الدولارات، على حساب المودعين وأموالهم والمصارف أيضًا.
وبعد إطلاق المنصة الوهمية لتثبيت سعر الدولار على سعر 12 ألف ليرة لبنانية، وصعود الدولار في السوق السوداء الموازية إلى ما يزيد عن 13 ألف ليرة، تنسحب المخاوف على دخول مصرف لبنان سوق الصيرفة من خلال ضخ أموال للمنصة لتأمين ملاءتها مع العلم أن دولارات المنصة المزعومة لا تملكها المصارف ولا الصرافين.
الأسعار الاصطناعية لصرف الدولار، تأتي على حساب الاحتياطي وما تبقى من أموال المودعين، التي طمأن سلامة على وجودها، وتهدف إلى دعم مقنّع أو تجنيب خسائر فيما السعر الطبيعي هو الذي يحدّده العرض والطلب ما يؤدي إلى استمرار في هدر الاحتياط بلا نتيجة.
لا يملك اللّبنانيون وثائق تبيّن بدقة كم هو الاحتياطي الالزامي، فيما يتخوفون أن يستخدم سلامة في طروحاته أموال الاحتياطي وتُهدر كما أهدرت قبل الآن 65 مليار دولار أميركي من الودائع تحت عنوان مشاريع الدعم، الذي استفاد منه ليس المواطنون من خلال تشييد شبكة أمان اجتماعي صحي وتعليمي، بل كان سوقًا مفتوحة للتجار والمستوردين والمحتكرين المتحكمين بالغذاء والدواء.
ومع العمل على إقرار البطاقة التمويلية بعد أن وقع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم الرقم 7797 بتاريخ 26 أيار القاضي بإحالة مشروع قانون معجل الى مجلس النواب يرمي الى إقرارها وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها، يتخوف اللبنانيون من أن يُصار إلى تموينها من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وبالتالي من أموال المودعين التي ما تزال محتجزة في المصارف ويمنع عليهم سحبها بالدولار الأميركي، بل وفق سعر صرف المنصة التي تبلغ 3900 ليرة لبنانية. علماً أنّ مصرف لبنان طرح أخيرًا سعر صرف جديداً يبلغ 12 ألفًا، في وقت يستمرّ سعر الصرف في السوق السوداء بالارتفاع.
بالنظر إلى ميزانيّة مصرف لبنان يُلحظ إنخفاضًا في موجوداته الخارجيّة بمبلغ قدره 205.75 ملايين دولار، خلال النصف الأوّل من شهر أيّار 2021 إلى 21.44 مليار دولار، من 21.64 مليار دولار في منتصفه.
وإذا ما تمَّ استثناء محفظة اليوروبوند اللبنانيّة، التي يحملها مصرف لبنان، والبالغة قيمتها 5.03 مليارات دولار، تصبح قيمة إحتياطاته بالعملة الأجنبيّة 16.41 مليار دولار في منتصف الشهر الخامس من العام الحالي.
أما احتياطي الذهب فتبين ميزانيّة مصرف لبنان إرتفاعًا بنسبة 3.24% (530.93 مليون د.أ.) إلى 16.91 مليار دولار، في ظلّ إرتفاع سعر الذهب.
وباحتساب سنوي، تراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنسبة 37.37% 12.79 مليار دولار مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في منتصف شهر أيّار 2020، والبالغ حينها 34.22 مليار دولار من جهة أخرى، إرتفعت قيمة إحتياطات الذهب لدى مصرف لبنان بنسبة 7.78% (1.22 مليار د.أ.) عند مقارنتها بالمستوى المسَجَّل في الفترة نفسها من العام الماضي، والبالغ حينها 15.69 مليار دولار، يشكّل إجمالي الإحتياطات (الموجودات الخارجيّة وإحتياطات الذهب) حوالى 34.41% من الدين العامّ الإجمالي و38.42% من صافي الدين العامّ، وهو يغطّي حوالى 202 شهر من خدمة الدين.
ميزانيّة مصرف لبنان زادت 1.37 مليار دولار خلال النصف الأوّل من شهر أيّار إلى 156.08 مليار دولار إثر إرتفاع الموجودات الأخرى، والتي تمثّل رسملة خسائر التدخّل في السوق لتثبيت سعر الصرف بنسبة 1.67% 1.03 مليار دولار إلى 62.47 مليار دولار. وترافق ذلك مع التحسّن في قيمة إحتياطي الذهب بنسبة 3.24 % إلى 16.91 مليار دولار وزيادة قيمة محفظة الأوراق الماليّة بنسبة %0.15 إلى 40.96 مليار دولار، ما طغى على إنخفاض قيمة الموجودات الخارجيّة بنسبة 0.95 % إلى 21.44 مليار.
حصّة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان تراجعت بدورها، إلى 13.73% من مجموع ميزانيّة هذا الأخير، كما في منتصف شهر أيار 2021، مقابل 13.99% في نهاية شهر نيسان، فيما إرتفعت حصّة إحتياطيّ الذهب إلى 10.83% من 10.59% قبل فترة أسبوعين.
“الهدف الأساسي اليوم هو الحفاظ على أموال المودعين وذلك عبر الحفاظ على المصارف وعدم إفلاسها” يقول سلامة في إطلالته الأخيرة، معتبراً أن بقاء النظام المصرفي يعني أن الاموال موجودة، وهذا ما يقرأ فيه خبير مصرفي أن ما تبقى من أموال هي أموال الناس، الأمانة التي أودعوها في المصارف، ما يعني عملياً أن أي تمويل لمشاريع الحل فسيكون من جيوب المودعين. أي أن التعافي المزعوم من عجز وفشل السلطة المالية والسياسية سيموله اللبنانيون وبالتالي المزيد من صرف مدخراتهم.
في المقابل تجد بعض وجهات النظر المالية أنه مع البدء برفع الدعم نهائياً أنه بين الصرف من الاحتياطي وفلتان الأسعار مع رفع الدعم سيكون الخيار الأنسب هو استخدام الأموال المتبقية”، وإلّا لن يستغرق الأمر طويلاً لنفاد الـ16 مليار دولار المتبقية ويصبح الجميع على على الأرض”. لا بل ترى هذا الخيار أكثر صوابية من اللجوء إلى احتياطي الذهب أي الخراب.
رغم وجهات النظر هذه، يبقى المَسّ بالاحتياطي الإلزامي تحت أي سبب هو “جرم إساءة الأمانة”، وفق ما يقوله خبير مصرفي إذ أن الاحتياطي الإلزامي جزء من ودائع الناس الذين ارتضوا ووثقوا بالنظام المصرفي ككل. ومجرّد التفكير في المَس بهذه الودائع، جرم جزائي بحق المودِعين ولبنان”، ولائحة الجرائم بحقهم طويلة.
رانيا برو