رياضة

الهومنتمن: تاريخٌ من “العراقة والمجد”.. ومستقبلٌ قاتم

الفكرة بدأت في مخيّلة شباب الأرمن ثمّ طبقت شهرته الآفاق

يُعتبر “الهومنتمن” أحد أقدم وأعرق النوادي اللبنانية لكرة القدم؛ هو صاحب إنجازات تاريخية على مستوى الألقاب، وكان سبّاقا في تمثيل الوطن في المحافل الآسيوية الرسمية، لكنّه تقهقر في السنوات الماضية وهبط إلى مصاف الدرجة الثانية ثم الثالثة. وعلى الرغم من ذلك، يبقى حاضرًا في الأذهان، وهو اليوم يتذيّل ترتيب دوري الدرجة الثالثة، وقد يهبط إلى الدرجة الرابعة وهو أمر محزن للغاية في ظلّ غياب الدعم الكافي والأوضاع الاقتصادية العامّة الصعبة التي تشهدها البلاد.

التأسيس

فكرة تأسيس النادي بدأت عند شاب يُدعى “شاورش كريستيان” مع مجموعة من رفاقه في اسطنبول عام 1913، حيث قرّروا أن يؤسّسوا جمعية رياضية كشفية، لكن الحرب العالمية الأولى التي اندلعت في العام التالي أودت بحياة كريستيان الذي سقط دفاعًا عن القضية الأرمنية؛ وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، عقد رفاق شاورش العزم على إكمال المسيرة، فكان التأسيس على أيدي “كريكور هاغوبيان” و”هايك جازماجيان” و”ليفون هاغوبيان” الذين أطلقوا “نادي الهومنتمن للرياضة البدنية والكشفية”، ومن ثمّ فروعًا لفريق كرة القدم في البلدان المجاورة، حتى أتى الدور على لبنان فكان إنشاء فريق الهومنتمن عام 1924 الذي انطلق بسرعة الصاروخ وحقّق لقب بطولة الدوري في موسم 1943-1944، ومن ثمّ نجح في انتزاع اللقب 6 مرات إضافية، فظلّ يحمل الرقم القياسي بعددها (7 مرات) حتى منتصف التسعينات حين كسر “الأنصار” رقمه ودخل موسوعة “غينيس”.

الجدير ذكره أن جمعية الهومنتمن عُنيَت بألعاب عدّة إلى جانب كرة القدم، وهي كرة السلّة وكرة الطاولة والدراجات والفرق الكشفية، ولها 91 فرعًا حول العالم، و8 فروع في لبنان.

صور المؤسسين الثلاثة الأوائل تتصدر حائط النادي

وإلى جانب إحرازه اللقب 7 مرات خلال أعوام 1943 و1946 و1948 و1951 و1955 و1963 و1969، حلّ الهومنتمن وصيفًا 7 مرات أيضًا، كما أحرز كأس لبنان 3 مرات وحلّ وصيفًا 3 مرات وخاض أول نهائي له في النسخة الثانية من المسابقة أمام “حلمي سبور” في 25 حزيران/يونيو 1939 على ملعب بيروت البلدي بقيادة الحكم “سافاك ارتينيان”، فخسر بنتيجة 1-2 وانتظر حتى عام 1943 ليحرز الكأس الأولى بعد فوزه على النهضة 3-2 يوم 6 حزيران/يونيو على ملعب السكة الحديد بقيادة الحكم الإنكليزي “فريزيير”.

يُذكر أن مقر نادي الهومنتمن كان بداية في منطقة زقاق البلاط، وكان له ملعبًا لكرة القدم في منطقة “كركول الدروز”، ثم اعتمد ملعب بلدية برج حمود وانتقل مقرّه إلى شارع “أراكس”؛ وفي عام 1993، احتفل النادي باليوبيل الماسي في قاعة “دير ملكونيان” في برج حمود، برعاية رئيس الجمهورية حينها الياس الهرواي.

وإلى جانب إحرازه العديد من الألقاب الرسمية، كان فريق الهومنتمن مجليًا في الدورات الودية المحلية، فأحرز كأس البلدية عام 1940 وكأس حبيب أبي شهلا 6 مرات (1962 و1964 و1965 بالاشتراك مع “النجمة” و1966 و1967 و1970)، وبسبب ظروف الحرب الأهلية غاب الهومنتمن عن العديد من الدورات، أبرزها كأس الأضحى و16 آذار اللتين دأب على تنظيمهما نادي “الصفاء” على ملعبه في وطى المصيطبة.

الكؤوس والدروع تزين خزائن مقر النادي

أول مباراة خارجية

خاض فريق الهومنتمن – بيروت المباراة الخارجية الأولى له في حلب عام 1927، ففاز على هومنتمن – حلب بنتيجة 1-0، وكان الفريق اللبناني مؤلفًا يومها من الحارس “كربيس مردينيان” واللاعبين “هايك بوداكيان” و”هاروت اوغلاكيان” و”ارسين كريكوريان” و”اسطفان اوسكانيان” و”هاغوب عجميان” و”بوغوص شاهينيان” و”اونيك بيليكيان” و”اوهانس متشيكيان” و”يبرام اليزيان” و”اوهانس شاهينيان”، كما ترأس البعثة يومها “هاروتيون اوغلاكسيان”.

أما عام 1970، فمثّل فريق “الهومنتمن” لبنان للمرة الأولى في بطولة النوادي الآسيوية في طهران، وحلّ في المركز الثالث لامتناعه عن اللعب أمام فريق “هابويل” الإسرائيلي بعد أن بلغ الدور نصف النهائي، واكتفى بالمركز الثالث بعد فوزه على “مدان” الإندونيسي بهدف نظيف؛ ويُذكر أن اللقب كان من نصيب فريق “تاج” الإيراني (الاستقلال حاليًا).

فريق الهومنتمن ممثلا لبنان في بطولة نوادي آسيا 1970

نجوم وأسماء

قدّم الهومنتمن العديد من النجوم إلى المنتخب الوطني على مدى عقود طويلة، أبرزهم “يغيشه مانوكيان” و”غارو ساهاكيان” و”ارتور اوهانيسيان” و”آبو كسابيان” و”ليفون التونيان” و”راغب شكر” واوهانس هوساميان “جوكي” ومانويل التونيان و”وراطان غازاريان” و”رافي جولفاجيان” و”ترو كيهيايان” و”هاغوب دونابيديان” وسواهم، دون أن ننسى المدرّب التاريخي “جوزيف نالبنديان”.

وارطان غازاريان الهداف والنجم التاريخي

من جهة أخرى، استقدم النادي العديد من النجوم الخارجيين، لا سيما في فترة التسعينيات التي شهدت عودة البطولات الرسمية إلى الملاعب اللبنانية، وكان الهومنتمن ندًا قويًا لكل الفرق وخصوصًا بقوّة جمهوره الذي كان “علامة فارقة” بالتشجيع وبثّ الحياة في الملاعب، فكان هذا الجمهور بحقّ “فاكهة” المدرجات من حيث كثافته وتشجيعه اللافت والمميّز وصرخاته التي تكاد تحدث زلزالًا في جنبات الملعب والأحياء المحيطة بملعب برج حمود.

فريق الهومنتمن منتصف التسعينات

ومن أبرز أجانب “البرتقالي” آنذاك، “خورين أوغانيسيان” الذي لعب لصفوف منتخب الاتحاد السوفياتي في مونديال إسبانيا 1982، وسجّل هدفًا في مرمى الحارس البلجيكي الشهير “جان ماري بفاف”، إضافة إلى “آشود برسخيان” و”ستيبان بغدساريان” والمالي “ديدييه تمبورا” والسوري “هشام خلف” والقائمة تطول…

“فاقة بعد عز”

يُذكر أن الهومنتمن هبط إلى مصاف نوادي الدرجة الثانية موسم 2001-2002، وأخذ يترنّح بين “الصعود والسقوط”، إلى أن وصل إلى الدرجة الثالثة مجددًا عام 2018، وهو اليوم في دائرة الخطر من الهبوط إلى الدرجة الرابعة.

بدوره، رئيس جمعية الهومنتمن حاليًا، رافي مومجوغوليان، والذي كان بطل لبنان السابق في لعبة كرة الطاولة وأحد اللاعبين الدوليين في المنتخب الوطني، يؤكد لـ”أحوال” أن “حزب الطاشناق” كان ولا يزال الداعم الأول لجمعية الهومنتمن، ولكن الظروف تبدلت خصوصًا بعد اندلاع الحرب في سوريا ولجوء عدد من الأرمن من مدينة حلب إلى المناطق اللبنانية، فكان الحزب يمدّ لهم يد المساعدة، ناهيك عن الحالات الاجتماعية المحلية التي نتجت من جراء الوضع الاقتصادي في لبنان فزادت أولوية الحزب بمساعدة المحتاجين، إلى أن وصلنا إلى تدهور قيمة العملة الوطنية فأصبح راتب اللاعب بالكاد يكفيه كبدل مواصلات وما شابه، لافتًا إلى أن هذا الوضع ينطبق على كافة شرائح المجتمع اللبناني، وحال العديد من الأندية والجمعيات الرياضية في كرة القدم وغيرها من الألعاب، فأصبحت ميزانية الفريق تبلغ قرابة 1500 دولار سنويًا بعدما كانت تصل إلى حدود 250 ألف دولار.

تشكيلة الموسم الحالي
تشكيلة الموسم الحالي

وعن الوضع الحالي للفريق، يرى مدرب الأكاديميات الحالي، سيبوه بابيكيان، في حديث لـ”أحوال” أن هناك أسباب عدة وراء هذا التراجع المخيف، أبرزها هجرة اللاعبين إلى خارج لبنان بحثًا عن لقمة العيش أو لمتابعة الدراسة الجامعية، “فكرة القدم لا تطعم خبزًا في لبنان وخصوصًا في السنوات الأخيرة، بسبب الضائقة الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان”، مشيرًا إلى أنه رغم الدعم المحدود في الوقت الحالي، فإن الفريق الأول يكمل مشواره من “اللحم الحي” لأن هناك أولويات اجتماعية وإنسانية لدى المسؤولين والداعمين، “وهذا أمر طبيعي في زماننا”، بحسب تعبيره.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى