مجتمع

أرقام مرعبة… لبنان إلى مزيد من التأزم

قد يظنّ البعض أنّ المخاض الذي يعيشه لبنان قارب على الولادة، ويعتقد هؤلاء أنّ البلاد في طريق عودتها من الأزمة التي عاشتها لمدّة عام ونصف وهي اليوم تستعد لاستعادة عافيتها، إلّا أنّ هذه النظرية هي ضرب من التفاؤل المضخّم والأمل في غير موقعه، إذ تشير التقديرات البحثية والتحليلات الاقتصادية – الاجتماعية إلى أن وضع لبنان يتجه إلى مزيد من التأزم في النصف المتبقي من العام 2021 وما بعده.

البحث الذي أجراه مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو مبادرة بحثية تهدف إلى دراسة الأزمات في لبنان ورصد تداعياتها واقتراح طرق لمقاربتها، يلخص تاريخ الأزمة في البلاد باعتباره أن “هذه الأزمة لم تكن وليدة صدفة، بل نتاج سياسات اتُبعت على مدار عقود، وراكمت حجماً هائلاً من الخسائر المالية على شكل ودائع مصرفية، وخسائر اقتصادية تمثّلت بضحالة القاعدة الإنتاجية وعدم وجود تراكم رأسمالي حقيقي، والأهمّ خسائر بشرية يُعبّر عنها بهجرة بنحو 850 ألف شابٍ وشابّة منذ نهاية الحرب. وترافق ذلك مع اهتراء الدولة وتفكّكها بما حال دون قيامها بوظائفها المُفترضة في تأمين رفاهية المجتمع واستقراره خدمة لمصالح راسخة تعزّزت منافعها وساهمت بنقل الثروة من الأكثرية إلى قلّة”.

ويحدد المرصد عدّة تداعيات كبيرة متوقعة على لبنان ستمثل تحديات شائكة وستعمق من الانهيارات التي تشهدها البلاد على كافة أصعدتها:

 

ارتفاع كبير في معدلي البطالة والفقر

يتوقع البحث أن يؤدّي التدهور الاقتصادي مصحوباً بالتضخّم إلى إغلاق المزيد من المؤسّسات وتوقّف العديد من القطاعات، وهو ما يعني فقدان العديد من فرص العمل، القليلة بالأساس، وارتفاع معدّل البطالة وتدني القوّة الشرائية وارتفاع معدّل الفقر.

وذلك بناء على توقعات البنك الدولي للبنان بأن يرتفع معدّل الفقر فيه ليطال أكثر من نصف السكّان خلال العام 2021، وهو ما يتوافق مع توقّعات منظمة الإسكوا التي أشارت إلى ارتفاع معدّل الفقر من 28% إلى 55% بين العامين 2019 و2020، وبلوغ العدد الإجمالي للفقراء بحسب خطّ الفقر الأعلى نحو 2.7 مليون نسمة.

إلى ذلك، تشير استطلاعات Inforpo إلى تخطّي معدّل البطالة نسبة 30% في العام 2020، بعد أن أغلقت 18% من الشركات خلال النصف الأول من العام 2020، وفقدان نحو 350 ألف شخص يعملون في القطاع الخاص وظائفهم بسبب الركود الاقتصادي والاحتجاجات ووباء كورونا.

فيما أشارت إحصاءات أعدّتها “الدولية للمعلومات” إلى لجوء المؤسّسات التي استمرّت بعملها إلى تخفيض رواتب موظّفيها بنسبة تراوح بين 20 و80%، وهؤلاء يقدّر عددهم بـ 212 ألف شخص، ومن المرجّح أن يفقد كثير منهم عملهم خلال هذا العام.

 

الهجرة وأزمة القطاع الصحي

ويتطرق البحث إلى قضية الهجرة بكونها سمة بارزة في الاقتصاد اللبناني إذ ساهمت باستنزاف القوى العاملة على مرّ عقود، وهو ما يتوقّع استمراره نتيجة الأزمة الراهنة.

إلّا أن المرصد يلفت لتأثر بعض القطاعات أكثر من غيرها بمخاطر تفريغها من قواها العاملة، ولا سيّما القطاع الطبّي، بما يُهدّد بفشل احتواء جائحة كورونا، وتراجع الخدمات الطبية، وخسارة لبنان دوره الرائد كـ”مستشفى الشرق الأوسط”.

ويحذر البحث من أن “الموت أمام أبواب المستشفيات قد يتحول إلى سمة يومية بسبب هجرة العاملين الصحّيين ذوي الخبرة وبالتالي تدني نوعيّة الخدمات المقدّمة، فضلاً عن تراجع القدرة على استيراد المعدّات الطبّية والأدوية لتأمين العلاجات بسبب شحّ العملات الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع البطالة وانخفاض قيمة الأجور بما يصعّب إمكانية دفع تكاليف الرعاية الصحّية في ظلّ غياب الطبابة المجّانية”.

وكانت نقابة الأطباء اللبنانية قد صرحت عن هجرة نحو 400 طبيب في العام 2020 وارتفاع العدد إلى 600 طبيب بحلول شباط 2021، فيما أشارت نقابة الممرّضات والممرّضين إلى هجرة جماعية يشهدها القطاع التمريضي حيث أصبح هنالك ممرّض/ة لكلّ 20 مريض. يأتي ذلك نتيجة التراجع الهائل في قيمة الرواتب التي خسرت 80% من قيمتها عدا عن التأخّر في دفعها، بالإضافة الى تراجع قدرة المستشفيات على التوظيف وصرف أكثر من 40% من الطواقم التمريضية وخفض رواتب من بقي منهم، فضلاً عن عدم حصولها على ديونها المستحقّة من الحكومة اللبنانية ومؤسّساتها وتزيد عن 2500 مليار ليرة لبنانية.

 

تدهور مستوى التعليم

ينتقل البحث في رصده للتداعيات إلى الشق التعليمي، مذكراً بأن التعليم الجيد في لبنان انحصر على مدى عقود بالمدارس والجامعات الخاصّة، في مقابل إهمال التعليم الرسمي وإفراغه من أي أهداف اقتصادية أو سياسية، لتأتي الأزمة الراهنة وتهدم هذا النظام أيضاً، نتيجة تراجع قدرة العائلات على تعليم أبنائها في المدارس والجامعات الخاصّة، ونضوب الموارد المالية المُتاحة للاستدانة ودعم الطلب على هذا التعليم، فضلاً عن تفريغ هذه المؤسّسات الخاصّة من كوادرها وتراجع مستوياتها نتيجة تراجع الأجور وتدحرج الانهيار.

ويستعرض البحث زوايا عدة لتأثير الأزمة الاقتصادية على القطاع التعليمي، من ناحية يواجه الأطفال الأكثر هشاشة، بمن فيهم أطفال الأسر الفقيرة واللاجئين، خطر التسرّب من المدرسة وارتفاع عمالة الأطفال وفقاً لمنظّمة “أنقذوا الأطفال”، التي قدرّت خروج أكثر من 1.2 مليون طفل من المدارس في عام واحد.

ومن ناحية أخرى يشهد التعليم نزوحاً من المدارس الخاصّة إلى الرسمية، فوفقاً لدراسة صادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، ارتفع المعدّل السنوي للمُسجّلين الجدد في التعليم الرسمي بنحو 8051 تلميذاً بين العامين الدراسيين 2016-2017 و2019-2020، في مقابل تراجع المعدّل السنوي للمسجّلين في التعليم الخاص بنحو 2228 تلميذاً خلال الفترة نفسها.

أيضاً لم يكن التعليم الجامعي بمنأى عن التدهور، إذ عجز العديد من الطلاب عن التسجيل في الجامعات الخاصّة لعدم تمكّنهم من دفع أقساطهم، بعد أن عمدت هذه الأخيرة إلى إصدار قرارات بوجوب دفع الأقساط بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية على سعر صرف أعلى من السعر الرسمي، وترافق ذلك مع عدم إمكانية الجامعة اللبنانية على تحمّل نزوح الطلاب من الجامعات الخاصّة إليها، والأمر نفسه ينطبق على التعليم في الخارج بسبب إفلاس المصارف ومنع التحويلات المالية من لبنان.

 

زيادة العنف ومعدّلات الجريمة

يحذر المرصد من تزايد نشاط المافيات والعصابات والجريمة المنظمة كنتيجة لتنامي معدلات الفقر والبطالة، لكون “السيناريوهات تكاد تكون واحدة في معظم المجتمعات التي تشهد أزمات اقتصادية، وهو ما يرجّح حصوله في لبنان أيضاً”.

وتشتدّ الأوضاع الأمنية في لبنان سوءاً مع تفاقم الأزمة، فوفقاً للإحصائيات الصادرة عن المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي، ارتفعت نسبة السرقات بنحو 57% بين العامين 2019 و2020، وبنسبة 162% في الربع الأول من العام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. أمّا جرائم القتل فقد ارتفعت بنسبة 91% بين العامين 2019 و2020، ونحو 2.4% في الربع الأول من العام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2020.

إلى ذلك، سُجِّل ارتفاع في حالات العنف ضدّ النساء والفتيات. وأشار مسح أجرته مجموعة العمل المُشترك بين الوكالات المعنية بالعنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي التابعة للأمم المتّحدة الى أن 54% من النساء والفتيات اللواتي شاركن في المسح لاحظن زيادة في العنف ضدّ نساء وفتيات أخريات ضمن أسرهن أو مجتمعاتهن المحلّية، فيما شهد الربع الأول من العام 2020، أي قبل إعلان التعبئة العامّة للحدّ من تفشّي جائحة كوفيد-19، ارتفاعاً مُقلقاً في حالات العنف الأسري التي وصلت الى 69% وفق نظام الرصد الدولي للعنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

 

موقع الحرّة

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى