منوعات

بري الهانئ بموقعه رئيسًا للمجلس النيابي للمرّة السابعة!

“بالوحدة سننقذ لبنان”، يتقدم رئيس مجلس النواب نبيه بري طلائع جنود معركته الانتخابية للعام 2022، مُسقِطاً ببلاغته الخطابية كل منافذ و”أبواب التعجيل والتأجيل والتسويف”، داعيًا مرشحيه إلى “أن يكون ردّكم على كل ما تعرضتم له من حملات بأن تثبتوا أنكم عظماء في ديمقراطيّتكم كما كنتم عظماء في المقاومة”… بهذا الكلام، يخطو رئيس حركة أمل إلى الاستحقاق الانتخابي براحة بال على حصته النيابية، وبكثير من الاطمئنان إلى موقعه في رئاسة المجلس النيابي الذي أُعطيَ له منذ العام 1992.

رئاسة المجلس النيابي في لبنان، وفق النص الدستوري، من حصة الطائفة الشيعية، المتمثلة بعدد 27 نائبًا من أصل 128، والحق بالترشح إلى منصب رئاسة المجلس هو حصري لأحد الـ27 نائبًا، وليس لبقية النواب الـ101 الباقين سوى التصويت للمرشح إلى رئاسة المجلس.

في الاستحقاقات السابقة خلال العقدين الماضيين، مكّن تحالف حزب الله قيادة أمينه العام السيّد حسن نصر الله و”حركة أمل” التي يرأسها الرئيس نبيه بري أي ما اصطلح على تسميته “الثنائي الشيعي” من حصد كل مقاعد المجلس النيابي المخصصة للشيعة، أي 27 مقعدًا، وأعلن هذا التحالف بصوت واحد “مرشحنا لرئاسة المجلس النيابي هو الرئيس نبيه بري”.

لا صوت يعلو فوق صوت الثنائي في الانتخابات السابقة وتلك التي يتحضر لبنان على مشارف خوضها. لا مجال للنقاش في ذلك بالنسبة للطرفين رغم الكثير من التباينات وعلى الرغم من تبدّل “المزاج اللبناني” منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين التي خفتت مع انكشاف “خداع” فصائل كبيرة منها لشعاراتها وبرامجها الهجينة.

بالنسبة للثنائي لا خوف ولا هلع على موقعهما ولا حضورهما في صُلب المعادلة اللبنانية ومستقبل البلاد السياسي. يثق الأَخَوان بما سيأتي، وبهذه الثقة ظهر رئيس مجلس النواب نبيه برّي في إطلالته “الانتخابية” وهو ضامنًا حفظ كتلته النيابية البالغة 17 نائبًأ في البرلمان المقبل.

لا يحتاج نائب الجنوب إلى محاكاة أي تغييرات في الأمزجة والخيارات بين أبناء طائفته، بل على العكس أعاد في ترشيحاته الاعتبار لنائبيه المتهمين بملفات كثيرة متعلقة بالفساد وبتفجير مرفأ بيروت، علي حسن خليل وغازي زعيتر، مقدّمًا لهما شهادة “حُسن سلوك”. وبتغيير طفيف قدم أسماءً جديدة مستبدلًا كلاًّ من علي بزي وياسين جابر ومحمد نصر الله، رغم اعتبارهم من “صقور” التنظيم الحديدي، الذي يهوى الحفاظ على رجالاته وفق معيار تراكم الخُبرات!!

بهذه التسميات، التي يتقدمها نبيه بري شخصيًّا، أوصد أبو مصطفى الأبواب أمام كل ما يُشاع عن تناحر داخل بيته التنظيمي، وحرص على استمرار أبرز “الحركيين” النائب أيوب حميّد الثابت منذ أول انتخابات بعد اتفاق الطائف. ويدخل بعتاده وعديده إلى المعركة الانتخابية بكونه حارس شبكة “الأمان” الوطنية انطلاقًا من حزبه وطائفته.

كان قائد حركة أمل” عُرضة للاستهداف باعتباره جزء من المنظومة الحاكمة السياسية والمالية والمصرفية التي أوصلت البلاد إلى ما وصل إليه من انهيار وتفكك، لكن “الهبة” ضدّه لم تُنتج ما يمكن التعويل عليه لاستمرارية الصراع مع السلطة الحاكمة. وأثبتت مرحلة ما بعد انطفاء ما سُمي بـ”ثورة 17 تشرين” أن أغلب محركيها ومجالس ظلّها من أحزاب كالقوات اللبنانية والكتائب لا يجرؤون على المضي قدمًا في معركة “تشويه” و”إزاحة” رئيس المجلس. وأدرك بعدها الجميع أنه لا يمكن “التخلّص” من كرسي “نبيه بري الأبدي” سوى بخوض الانتخابات والإتيان بوجوه جديدة من الطائفة الشيعية!

حتى اليوم وقبل انتهاء موعد تقديم طلبات الترشُّح للانتخابات النيابية لا يبدو أن هناك مرشحين “شيعة” قادرين على الوصول إلى المجلس وبناء تحالفات توصل أحد المرشحين إلى رئاسة المجلس. المهمّة شاقّة وتحتاج إلى زمن آخر.

عمليًا وبدون أوهام كبرى، انتهت معركة رئاسة المجلس النيابي قبل أن تبدأ، إذ ليس هناك أي نائب منافس من الطائفة الشيعية للرئيس نبيه بري، وبالتالي وكما لم يكن هناك معركة على المنصب في السابق، لن يكون في المرحلة المقبلة، تزكّيه الطائفة لكن الدستور لا يتيح الفوز بالتزكية، فلا بد من إجراءات تنفيذية حتى يكتمل المعنى الدستوري لانتخاب رئيس المجلس.

في العام 2018، انتخب نبيه بري رئيسًا للمجلس النيابي بأغلبية 98 صوتًا من أصل 128 نائبًا حضروا جميعًا الجلسة، فيما صوت 29 نائبًا بورقة بيضاء، وورقة واحدة باسم المخرجة والممثلة نادين لبكي رشحتها النائبة بولا يعقوبيان.

تصويت الكتل الأخرى للرئيس بري اعترافًا منها “بإدارته الجيدة للمجلس النيابي”، حيثُ يرى فيه كُثر “ضمانة للاستقرار” و”الحوار” و”التلاقي” بين اللبنانيين في السرّاء والضرّاء، فهو من يَعدُل الميزان حين تختل الموازين، وهو صانع المبادرات في أوقات الشدّة تنفيسًا الاحتقان الطائفي والسياسي. وهذا ما تُدركه كافة القوى حيث لا بديل عنه في الوسط الشيعي سوى حزب الله، والحزب مستهدف بالعقوبات الأميركية والقرارات الخليجية، واستهداف الحزب يكاد يكون البرنامج الرئيسي لجميع خصومه على الساحة اللبنانية من أحزاب وشخصيات وقوى تغييرية..

فلسفة “ضرورة” وجود برّي بالنسبة لخصوم حزب الله إيمانه بالكيان اللبناني وقدرته على ضمان الحقوق الدستورية للجميع، يؤمن بها كل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ويشترك معه فيها أقطاب أساسيون في تيار المستقبل وغيرهم من قيادات الطائفة السنيّة، وحتى في القيادات المسيحية.

يحاكي برّي في برنامجه الانتخابي كل هؤلاء، وهو الخبير بالأمزجة والتحوّلات، معلنًا “الالتزام بالدستور والعمل على تنفيذ ما لم ينفذ من اتفاق الطائف، التمسك بضرورة التخلص من القوانين الانتخابية التي لا تضمن شراكة الجميع والعمل على إقرار قانون انتخاب عصري، عدم المس بحقوق المودعين، عدم التفريط بأي كوب ماء أو متر مكعب من الثروات النفطية في البحر مع التأكيد أنّ اتفاق الإطار هو الوسيلة المتاحة لتحقيق الترسيم مع إسرائيل، إقرار قانون اللامركزية الموسعة، الضغط ديموقراطياً لتطبيق ما أنجز من قوانين إصلاحية، استكمال التحقيق بانفجار المرفأ ولا غطاء على أي مرتكب”.

يحضر الرجل الحديدي بثباته المتين في المعادلة اللبنانية إلى استحقاق الانتخابات النيابية، كونه لم يخذل بلده في القضايا الاستراتيجية، بحسب ما يردّد حلفاؤه وعلى رأسهم حزب الله. وهو الشخصية الأكثر سلاسة في النفاذ إلى محاورة المنظومة الدولية الغربية والعربية على حدّ سواء. يدير الأزمات مع الخارج بألعابها ومفرداتها بحنكة حيثُ لا يستطيع الآخرون.

 

برّي المطمئن لجميع هذه الأسباب، حاملًا في جعبته كل موجبات الزعامة، يدعو ناخبيه لتثبيت زعامته يقوله “فليكن صوتنا وصوتكم يشبه صوت التاريخ والمستقبل، ويكن صوت الاقتراع لصون ما تمثلون من قيم، لا أريد قلقًا في التصويت بل استفتاء على القرار”….

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى