مجتمع

 عيد العمل بلا عمّال

بعض الأمل في برنامج "خبرات"

للسّنة الثّانية على التّوالي يمرّ عيد العمّال على اللّبنانيين بظروف ماليّة واقتصاديّة غير مسبوقة. ظروف يتعرّض فيها العمّال للصّرف التّعسفيّ والاستغلال والمعاناة. فحقوقهم سُلبت، رواتبهم خُفّضت وتآكلت قدرتها الشّرائيّة في ظلّ استحالة تصحيح الأجور، فيما تقف الدّولة مكتوفة الأيدي، عاجزة عن إيجاد الحلول.

أصبح الدخل الشهري للعامل اللّبناني بين الأدنى في العالم؛ والقطاع الخاصّ على شفير الانهيار والإفلاس، وآلاف المؤسسات والشركات تقفل أبوابها، ومعدّل البطالة إلى ارتفاع.

رغم كلّ هذه التّحديات يبقى التّحدي الأخطر  في مصير تعويضات نهاية الخدمة، في الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي، والبالغة نحو ١٢ ألف مليار ليرة، أي ما كان يعادل ٨ مليارات دولار سابقاً، فيما يعادل ٩٥٠ مليون دولاراليوم، ما ينذر بأنّ تعويضات المتقاعدين أصبحت بلا ضمانة. فبأي حال عدت يا عيد؟

يوم النّكبة

الباحث في الدّولية للمعلومات محمد شمس الدين يقول لـ “أحوال”، لم يعد الأول من أيّار عيداً للعمّال، بل أصبح نكبة على اللّبنانيين في ظلّ تفاقم التّحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة، وتآكل المداخيل وانخفاض القدرة الشّرائيّة؛ مع انهيار سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، حيث خسرت رواتب العاملين اللّبنانيين أكثر من 80% من قيمتها، خصوصاً وأن 95% من العمّال تقريباً، يتقاضون رواتبهم باللّيرة اللّبنانية.

عمّال مهدّدون بلقمة عيشهم

وبحسب الهيئات الاقتصاديّة، وهو تجمّع تنضوي ضمنه مؤسسات القطاع الخاص والمصارف، فإنّ آلاف المؤسسات مهدّدة بالإقفال وعشرات آلاف الموظفين والعمّال مهددون بفقدان وظائفهم في الأيام المقبلة، فيما تؤكد المعلومات هجرة القطاعات الإنتاجية إلى خارج البلاد بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتكبدها مزيداً من الخسائر، ما ينذر بضرب ما تبقى من الاقتصاد.

الأمل سيّد الموقف: برنامج خبرات

رغم كلّ الظّروف المأساويّة والتّحديات التي تمرّ على لبنان، يبقى الأمل والتفاؤل سلاح في مواجهة الواقع الصّعب، ويتجلى ذلك من خلال “برنامج خُبرُات” الذي اطُلق أوائل عام 2018، وھو أحد أھم برامج جمعیّة اتحّاد رجال الأعمال للدّعم والتّطویر- إرادة، والتي هدفها خدمة المجتمع مھنیّاً، صحيّاً واجتماعیّاً، فيما مؤسّسات الدّولة غائبة.

تقول مسؤولة الموارد البشريّة في جمعية إرادة ومديرة “برنامج خُبُرات” شيرين البابا، هدفنا التّشبیك بین طالبي العمل وأرباب العمل (لدینا النّشرة الدوریةّ التي نضع فیھا الوظائف المتوفّرة لدینا شھرياً، بالإضافة إلى بعض الوظائف المختارة من LinkedIn، وظائف للعمل عن بعُدُ، وفرص تدریب عملي Internship، والتي ننشرھا على جمیع مواقع التّواصل الإجتماعي التّابعة لبرنامج خُبرُات، بالإضافة إلى موقع خُبرُات الإلكتروني الذي یحتوي على العدید من فرص العمل من مختلف المستویات المھنیّة داخل وخارج لبنان.

وتتابع، كما نساھم بتعزیز مھارات العمل لأفراد المجتمع، إمّا لمساعدتھم على إیجاد فرص عمل أفضل، أو للبقاء والتطّور بالوظیفة التي یعملون بھا.

وتشدّد البابا على أن خدماتهم محترفة ولكن مجانیّة للطرفین (ربّ العمل وطالب العمل) .

وتتابع، الفئة المستهدفة من برمانج خبرات هي كل شخص یبحث عن عمل على مختلف المستویات المھنیّة والعمریّة والجنسیّات، كما لدینا الكثیر من الحالات الاجتماعیّة التي تمر معنا ونستطیع مساعدتھم مثل الأرامل، المطلقّات من هن بحاجة، وأرباب  أسُر خسروا عملھم، وغیر ذلك من الحالات الإجتماعیّة الصّعبة.

تأمين العمل لـ 30 شخص شهريّاً

وتتابع البابا، لدينا أكثر من 25,000 سیرة ذاتیّة، وحتى اليوم وظفنا 480 طالب عمل، وتمّ تدریب حوالي 1,810 شخص، لذا إنّ مساھمة البرنامج بالإقتصاد المحلّي ھي أكثر من 7 بلیون لیرة لبنانیّة سنویّاً.

كما أن معدلّ التوظیف الشًھري لدينا يتراوح ما بين بین 20 و 30 شخصاُ من مختلف المستویات المھنیّة. كل هذه الخدمات مجانية ودون مقابل.

أجور متآكلة

وفي سؤال عن الأجور الحاليّة مقارنة مع تدهور القدرة الشرائيّة للمواطن اللّبناني، تقول البابا، “معدلّات الأجور تختلف من شركة لأخرى ومن قطاع لآخر. ھناك بعض الشّركات التي تعطي محفّزات شھریّة بالدوّلار، ولكن بالإجمال معدلّات الأجور منخفضة مع تدھور القدرة الشرائیّة للمواطن اللّبناني. ”

أما فيما يتعلّق بواقع حال اللّبناني، ومعرفة لو كان يرضى بأي فرصة عمل تعرض عليه، تجيب البابا،  لا یمكن إطلاق حكم عامّ. فبعض اللّبنانیين مستعدون للقیام بأي عمل لتأمین مدخول شھري مستدام، وآخرون لیس لدیھم ھذه القناعة، ویفضّلون البقاء دون عمل حتىّ وإن  كانوا أرباب أسر، على أن یلتحقوا بوظیفة ذات مستوى أقلّ من كفاءتھم أو خبرتھم.

تسريح آلاف الموظفين

مع تسريح 80 ألف موظف من أعمالهم، وإقفال 12 ألف مؤسسة، معظمها من القطاعات السّياحيّة من فنادق ومطاعم ومؤسسات تجارية صغيرة، منذ العام 2020 ولغاية الآن، بسبب تقافم الأزمة الاقتصاديّة وعجز الدولة عن تقديم الحلول، ارتفعت نسبة البطالة في لبنان إلى معدلات قياسية حيث اتجهت نسبتها لتلامس 35% من حجم القوى العاملة في لبنان والبالغة نحو  1350000 عامل.

على طريق الإقفال

وفيما تشير الاحصاءات إلى أنّ 90% من المؤسسات والشركات التي كانت أساساً تواجه صعوبة في الصمود، وتتكّل على مبيعاتها للحصول على السّيولة المفقودة في المصارف، أصبحت اليوم مهدّدة بالإفلاس أو الإقفال. ويؤكد شمس الدين أنّ العديد من الشّركات والمؤسسات على طريق الإقفال في حال بقي الجمود على ما هو عليه.

ويختم، أي خطة إنقاذيّة تُتّخذ في هذه المرحلة، ستكون ناقصة إن لم يكن أساس هدفها تحسين مستوى المعيشة، وتأمين العيش الكريم لعمال لبنان الذين يشكلون عصب الاقتصاد الوطني.

نداء رسمي

من جهتها، تقول المديرة العامة لوزارة العمل مارلين عطا الله إنّ آلاف الأجراء المسجلين في الوزارة فقدوا عملهم، فيما تم اقتطاع نسب من أجورالبعض الآخر، في حين تشهد قيمة العملة الوطنيّة تدهوراً حاداً مصحوباً بتراجع القدرة الشرائيّة.

وتشدّد على أنّ المرحلة الراهنة تتطلب من أصحاب العمل والعمال التّكاتف والتّعاضد، كل من موقعه، من أجل الحفاظ على السلم الاجتماعي واجتياز الأزمة الحاليّة بتعاون، للعبور بلبنان إلى مرحلة الاستقرار.

وتلفت إلى أن وزارة العمل تلعب دوراً محورياً في سبيل الحفاظ على ديمومة العمل من جهة، والحفاظ على مكتسبات الموظفين والعمال من جهة ثانية، من خلال تقديم المساعدات والمشورات وفق الإمكانات المتاحة.

وتأمل عطاالله على الشّركات والمؤسسات مساندة العمال في هذه المحنة، ريثما يتم اجتياز المرحلة الصّعبة، من خلال دفع رواتبهم رغم الظّروف السّوداويّة التي تمرّ على لبنان.

ناديا الحلاق

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى