رياضة

جمال الخطيب لـ “أحوال”: ياسر عرفات أرغمني على البقاء مع “النجمة”

"قطر كادت تنسحب من أجلي"

لا يختلف اثنان على أن “جمال الخطيب” هو من اللاعبين التاريخيين الذين مرّوا في “نادي النجمة“، فأسلوبه “البرازيلي” الممتع وحرفنته العالية وأهدافه الغالية وسرعته مع الكرة والرشاقة التي كانت تميّزه، لطالما سرقت آهات حناجر الجماهير وبات معشوقهم الأوحد، حتى أطلقوا عليه لقب “الغزال”.

موقع “أحوال” فتح صفحات الماضي والزمن الجميل مع هذا اللاعب الاستثنائي، ليستذكر مع عشاق كرة القدم تاريخه؛ بداية الخطيب كانت على ملعب أرض جلول والتلال المحيطة به آنذاك في منطقة الطريق الجديدة، وكان له من العمر 12 عامًا حين لعب لنادي “الشعلة”، وبعدها اكتشفه أمين سر نادي “الأنصار” مصطفى عفيف البابا الذي طلب منه ومن بعض الأشبال أمثال عاطف الساحلي وراشد دوغان ومحمد الأسطة اللعب مع الفريق الذي كان مقره حينها مقابل تعاونية صبرا حاليًا، كما طلب منهم أن يحضروا كل يوم سبت وفي جعبتهم ربع ليرة لتسديد بدل الاشتراك وهكذا كان، فلعب الخطيب لموسم واحد مع الفريق الأول عام 1968، وفي العام التالي تم الاتفاق بين أندية “الصفاء” و”النجمة” و”الراسينغ” على حل باب التواقيع لمدّة يوم واحد فقط، فنجح “النجمة” في ضمّ جمال الخطيب إلى جانب محمد حاطوم والتكي من الراسينغ وسواهم.

ويذكر الخطيب في حديثه لموقعنا كيف أن المدرب الراحل سمير العدو “أبو علي” اصطحبه إلى منزل رئيس النادي عمر غندور في بدارو، وقال: “هذا هو جمال يا ريس”، فأجابه غندور بدهشة: “هل هذا منظر لاعب كرة قدم؟”، بينما كان جمال يسترق السمع في هذه اللحظات، وحين سأل غندور عن المبلغ المطلوب دفعه للخطيب، أجاب العدو: “1500 ليرة لبنانية”، فرفض غندور في بادىء الأمر قبل أن يتم الاتفاق على دفع 1400 ليرة فقط.

وبالفعل، بدأ جمال مشواره الذهبي مع أشهر نادٍ محلي على الإطلاق، ويذكر كيف كانت ترتعد فرائصه أثناء التمارين في أيامه الأولى لمجرد التفكير بأنه يدافع عن ألوان النبيذي؛ هذا وقدم الخطيب كل ما في جعبته إلى النادي الأكثر شعبية من فنون كروية، إذ كان يمتاز بكثرة المراوغة في الملعب، كما كان قادرًا على تجاوز 5 لاعبين دفعة واحدة كلما يحلو له، وهذا أكثر ما يمتع الجمهور إضافة إلى السرعة وتسجيل الأهداف من زوايا ضيقة، ما دفع جمهور النجمة بأن يطلق عليه لقب “الغزال الأسمر”.

الثالث من اليمين وقوفا مع النجمة عام 1971

وفي السياق، يقول الخطيب لـ “أحوال”: “قدمتُ للنجمة كل فنوني ومهاراتي الكروية، فأعطاني بالمقابل الشهرة والمجد، ولكنني بالمقابل لم أنتفع ماديًا بل كانت الإدارة تقف مرارًا وتكرارًا في وجه العروض الخارجية التي تنهال عليّ من كل حدب وصوب”، مضيفًا: “تلقيتُ عرضًا من نادي الكويت وتدربت معه، وعند عودتي إلى بيروت لأحصل على كتاب الإستغناء، قامت إدارة النجمة بسجني في حبس الرمل لمدّة شهر؛ كما تلقيتُ عروضًا من النصر الإماراتي والهلال السعودي ونادٍ نمسوي في زمن مدرب النجمة فريتز، إلى جانب العديد غيرها، ولكن جواب إدارة النجمة كان دائمًا “إنسوا جمال الخطيب”، الأمر الذي ترك أثرًا في نفسي لعدم تمكني من إمتاع الجماهير العربية كما جماهير “النجمة” من جهة، والاستفادة المالية من جهة أخرى، ولكن قدر الله وما شاء فعل”.

تجربة تركيا الخطيرة

عام 1973، تلقّى الخطيب عرضًا من فريق “فنربهشة” التركي الشهير عبر الحكم الدولي اللبناني سركيس دمرجيان، وبالفعل طار اللاعب اللبناني إلى إسطنبول وشارك في أول تمرينة، فأبدع بتسجيله 6 أهداف ونال إعجاب الجهاز الفني، وعلى الفور طلبت الإدارة من دمرجيان إتمام عملية الانتقال بأي ثمن. وفي اليوم التالي، فوجئ دمرجيان بأن جماهير “النجمة” الغاضبة حطّمت متجره في بيروت، ما دفعه بالتواصل مع القيمين على الفريق التركي وقال لهم: “انسوا أمر جمال”.

الدفاع عن ألوان قطر

أما عام 1976، فقد أبلغ الرئيس الفلسطيني الراحل “ياسر عرفات” الخطيب بأن الاتحاد القطري يرغب في ضمّه إلى المنتخب الوطني، وبالفعل سافر جمال إلى الدوحة وعند وصوله إلى المطار تم منحه جواز سفر قطري من قبل الأمن العام، مكتوب فيه “من مواليد الدوحة”، وبعدها استقبله ولي العهد آنذاك “الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني” واصطحبه إلى نادي “الاستقلال” ليلعب معه الخطيب ويقدم مباريات لا تُنسى؛ بعدها، وصل “الاستقلال” إلى نهائي الكأس أمام “السد”، وبالفعل تألّق الخطيب وقاده إلى الفوز بهدف نظيف رائع سجّله بنفسه، ما جعل رؤساء الأندية والأمراء يخطبون ود جمال ويغدقون عليه الهدايا والعطايا ليلعب مع نواديهم، إلا أن القرار مرهون بحصوله على كتاب الاستغناء من إدارة “النجمة” في بيروت، وهذا الأمر لم يحصل لأن رئيس النادي عمر غندور ومن خلفه من إداريين، طلبوا مبلغ 100 ألف دولار ثم ضاعفوه، وهكذا إلى أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود.

يتقدم أعضاء المنتخب القطري عام 1976

في العام عينه، استضافت قطر بطولة “كأس الخليج الرابعة” وكان إسم الخطيب من ضمن لائحة منتخب “العنابي”، وأثناء اجتماع رؤساء الوفود المشاركة، اعترض المندوب الكويتي على إسم الخطيب كونه لعب سابقًا لمنتخبَي فلسطين ولبنان، فكاد المنتخب القطري أن ينسحب من الدورة لأن كل اتكاله على جمال الخطيب بعد اعتراض ولي العهد، وبعدما عرض الشيخ حمد المسألة على والده أمير البلاد، لكنه لقي معارضة بالانسحاب كون قطر هي الدولة المنظمة.

حادثة بحمدون

يروي الخطيب لـ”أحوال” حادثة شهيرة حصلت معه عام 1979 خلال دورة بحمدون الكروية، فقال: “ذهبت إلى الملعب برفقة زوجتي لمتابعة نهائي الدورة بين النجمة والتضامن من على المدرجات، وفور دخولي بدأ الجمهور يهتف بإسمي “يا جمال يا حبيب الملايين”، وبعد تأخّر النجمة بهدف أصرّت الجماهير على أن أشارك في اللقاء، فنزلت إلى الملعب ولم أكن أحمل معي ملابسي الرياضية، ولكن سمير العدو أمّنها لي من الزملاء وبالفعل حين لمستُ الكرة أول مرة صنعتُ هدف التعادل، وقبل النهاية بدقيقتين رفع زميلي هيثم الأبرش الكرة من الميسرة فتلقفتها “عالطاير” سابحًا لترتطم ببطن العارضة وتعانق الشباك وسط فرحة هستيرية”، مضيفًا: “بعدها نزل الجمهور وحملني على الأكتاف في منظر يشبه الطوفان البشري، وأذكر بعد المباراة كيف أنني طلبتُ من إدارة النجمة منحي مبلغ 50 ألف ليرة أو أن أعطيهم 50 ألفًا مقابل تحرير توقيعي، فقالوا لي بل سنعطيك المبلغ المطلوب لأنّه لا يمكننا الاستغناء عنك”.

حملوه بسيارته

لطالما كانت مباريات “الديربي” بين النجمة والأنصار هي الشغل الشاغل للجماهير واللاعبين، وقد لعب جمال الخطيب موسمًا واحدًا مع الأنصار قبل الانتقال إلى النجمة؛ وخلال مباريات الفريقين، لم يوفق في هز شباك الأنصار إلا عام 1974 بعدما اتهمه جمهور النجمة بالتخاذل وكال له الشتائم، ولكن ما حصل في تلك المباراة تحديدًا هو أن الخطيب نجح في هز الشباك الأنصارية بهدف وحيد أشعل المدرّجات، وبعد خروجه مسرعًا من ملعب المدينة الرياضية متّجها ليستقل سيارته “ترانس إم”، فوجئ بأعداد غفيرة تحاصره لترفع السيارة والخطيب بداخلها، وبعدها أصروا عليه بالنزول ليحملوه على الأكتاف في مسيرة من المدينة إلى المنارة وهم يهتفون ويهلّلون لهذا الانتصار الكبير على الغريم التقليدي.

منتخب فلسطين

في عام 1967، تلقى الخطيب دعوة للمشاركة مع منتخب بلاده الأم فلسطين، وكان في سن الثامنة عشرة، وبالفعل إنضم إلى مجموعة من اللاعبين في الشتات أمثال فؤاد أبو غيدا ومروان كنفاني وفيصل البيبي وعمر طه وسواهم. بعدها، طار المنتخب الفلسطيني في جولة إلى دول المغرب العربي وكان من نصيب الخطيب هدف “ولا أروع” في شباك تونس، وفي اليوم التالي خلال جولة تسوق في شوارع تونس، قام أصحاب المحال التجارية بتقديم الهدايا للخطيب، كما لم يأخذوا منه ثمن أي غرض اشتراه من متاجرهم.

الخطيب كما يبدو اليوم

تدخل أبو عمار

يذكر الخطيب في حديثه لـ”أحوال” كيف توجّهت عناصر من منظمة التحرير الفلسطينية “فتح” عام 1976 إلى مقر نادي النجمة، وطلبوا من أمين السر بهيج حمدان بأن يحرر توقيع الخطيب بالقوة كونه سيغادر إلى قطر وإلا سيلحقون به الأذى، ولكن حمدان الخائف برر لتلك العناصر قائلًا: “إن جماهير النجمة لو علمت بالأمر لقتلتني هي قبلكم”؛ وبعدها وصل الخبر إلى رئيس النادي عمر غندور الذي زار الرئيس ياسر عرفات “أبو عمار” بصحبة أمين الصندوق رفيق البلعة الذي كان مسؤولًا في المنظمة، وقال غندور لعرفات: “يا سيدي، نادي النجمة هو نادٍ بيروتي مسلم، والخطيب من أعمدة الفريق، وإذا تخلينا عنه سيثور الجمهور علينا بقوة ويحطم النادي على رؤوسنا”، فما كان من عرفات إلا أن استدعى الخطيب وأرغمه على البقاء مع النجمة.

مباراة الاعتزال

لم تقم مباراة تكريمية للخطيب حتى تاريخ اعتزاله اللعب في سن الأربعين عام 1991، حين لعب آخر مباراة أمام الرياضة والأدب على الملعب البلدي في مسابقة الكأس، ويومها خرج النجمة من المسابقة بضربات الترجيح بعدما كان للخطيب بصمتان حين سجل أثناء المباراة ومن علامة الجزاء، وكان نجم مصر والأهلي محمود الخطيب قد وعده قبلها بالقدوم إلى لبنان بصحبة بعض اللاعبين المرموقين للمشاركة في مباراة اعتزاله، إلا أن الرئيس غندور كان يؤجل إقامة هذه المباراة لأن “الظروف الأمنية في أواخر الثمانينات كانت لا تسمح” بحسب قوله للخطيب، فخرج جمال من النادي بدون مباراة تكريمية “وفي قلبه غصّة كبيرة” كما يقول.

أول هدف عربي

لعب الخطيب مع النجمة في النسخة الأولى لبطولة الأندية العربية التي أقيمت عام 1982، وشاء القدر بأن يكون جمال هو صاحب أول هدف يسجل في تاريخ البطولة حين دك شباك فريق الأهلي الأردني على ستاد عمان الدولي، ويومها حل النجمة وصيفًا للشرطة العراقي البطل.

جمال الخطيب يقود هجمة للنجمة على مرمى الأهلي الأردني عام 1982 بمواكبة محمد حاطوم

إشادة بيليه

كان للخطيب شرف المشاركة في المباراة التي جمعت النجمة ومنتخب جامعات فرنسا عام 1975 بحضور “الجوهرة السوداء” بيليه، الذي قال بعد المباراة إن مستوى كرة القدم اللبنانية لا بأس به وهناك اللاعب الذي يحمل الرقم 8 (أي الخطيب) بإمكانه الاحتراف خارج لبنان بسهولة، “وقد استمتعتُ باللعب إلى جانبه”.

بدوره، يذكر جمال تمامًا الهدف الذي سجله في مرمى ريسيفي البرازيلي عام 1979 على المدينة الرياضية، يوم لعب لتفاهم “النجمة والأنصار”؛ فبعدما تقدم الضيوف بثلاثة أهداف نظيفة، سار الخطيب بالكرة من منطقة جزاء حارسه عبد الرحمن شبارو، وتجاوز منتصف الملعب ورواغ كل من صادفه، وعندما وصل إلى مشارف منطقة الجزاء، سدد كرة قوية استقرت في المقص.

وبعد المباراة أثنى عليه المدرب البرازيلي وعرض عليه مساعدته للاحتراف في البرازيل، إلا أن جمال شرح وضع عدم وجود نية للنجمة بالتخلي عنه، إضافة إلى أنه ما زال عريسًا جديدًا.

يختم الخطيب حديثه وذكرياته بالقول لموقعنا: “إن كرة القدم أعطتني حب الجمهور، ونادي النجمة أعطاني الشهرة وأنا أعطيته كل ما أملك من فنون ومهارات ولم أبخل بنقطة عرق، ولكن بالمقابل فوتت عليّ إدارة النجمة عروضًا خارجية “بالجملة والمفرق”، فأنا أكثر لاعب محلي يتلقى عروض الإحتراف بطريقة لا تُصدّق”.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى