إيلي الفرزلي من محامي العهد إلى مهندس الانقلاب!
إيلي الفرزلي رفيق كلّ العهود وصاحب “أجمل التاريخ كان غدًا”، نجح في إثارة زوبعة سياسية، مواقفه التي لا تشبه تاريخه خلال اليومين الماضيين أثبت أن التاريخ لا يقدم صورة عن المستقبل.
عراب العهود المتتالية، داعم رئاسة الجمهورية وحليف رئاسة المجلس النيابي، أي نبيه بري رئيس البرلمان منذ ثلاثة عقود. هذا العرّاب انقلب إلى من محامي ومدافع شرس عن ميشال عون إلى مهندس “انقلاب” على العهد، الذي طالما نظّر لسياساته ومبادئه. والبحث جار عن العقل المدبّر لهذا الانقلاب.
أربعاء إيلي الفرزلي لم يكن يومًا عاديًا، كان نجم الإعلام متنقلًا بين الشاشات والإذاعات والمواقع، وحاضر لتلبية لوائح الأسئلة بإجابات وردود لها يُصبغها بفلسفاته الخاصة. وأيضًا هدف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذي صعق جمهور الرئيس بمواقفه الانقلابية، فيما صفّق له خصوم الرئيس وأعداء التيار الوطني الحر.
كان يُعدّ إيلي الفرزلي، “ولي أمر النظام”، وحارسه الأمين لا يفوّت فرصة للدفاع عنه وحماية الصيغة اللبنانية، بحسب ظنّه، ولا يتوانى عن تقديم التبريرات والحجج الدستورية والميثاقية الآيلة للدفاع عما يرفع لوائه.
ما الذي استجد ليُعدّ هذا الانقلاب المباغت؟
في الواقع ما هو مباغتًا للجمهور، لم يكن مفاجئًا لتكتّل الجمهورية القوية، ولا للتيّار الوطني الحر، فالنائب البقاعي ليس على الخط منذ أكثر من عام. لا شيء يُعجبه في استهداف شخوص النظام، الذي ينتمي إليه الفرزلي بالأساس. ولا يُطيق “التنقير” العوني على رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا على الاستهداف الممنهج لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري. هو يرغب بحفظ الطبقة السياسية التي أنتجها اتفاق الطائف، ولم تتناسق آراؤه مع خطاب التيّار الحاد و”المتطرف” برأيه تجاه هذه المرجعيات السياسية، فانسحب تدريجيًا من الاجتماعات الأسبوعية للتكتّل. ولم ينضم إلى الاجتماعات الافتراضية على تطبيق “زوم” في زمن كورونا.
“لم أشارك منذ ما بعد ثورة 17 تشرين في الاجتماعات، كل الناس تعلم بأنّني منسحب منذ مدة طويلة، ولم أكن أثير المسألة احترامًا لما كان يجمعنا، حتى عندما كنت أرى صورًا قديمة تنشر لاجتماعات التكتل وأنا موجود فيها، لم اعترض ولم أطلب إزالتها حفاظًا على ما كان بيننا”.
ليست تصريحات نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي عندما دعا قائد الجيش إلى الانقلاب على العهد شيئًا عابرًا، هو ليس أي شخصية مناوئة لرئيس الجمهورية ميشال عون، لذا كان لوقع كلامه وقع الصدمة لدى البعض.
خرج الفرزلي في لحظة هاربة من تاريخه السياسي الحديث، عن هدوئه المعهود وتوازنه واقترح مخرجًا استثنائيا للأزمة، داعيًا إلى “انقلاب ناعم”، وتوجه في كلامه إلى قيادة الجيش لتسلم زمام المبادرة والموقف والقيام بهذا التحرك “الإنقاذي”. بعد أن استفزه مشهد الفوضى القضائية، إثر تمرّد مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون، على مرجعيتها القانونية ورئيسها واقتحامها شركة ميشال مكتف للصيرفة.
الانقلاب العسكري، مسألة حسّاسة بالنسبة إلى كثيرين، وأمر لا يحتمل المزاح بالنسبة إلى كُثر.
يُدرك الفرزلي هذا، لكنه يُبرر هذا الطرح بأن “الجيش هو الضمانة والمشروعية للانتقال بالسلطة وليس الحل”. ويقول لـ”أحوال” إن “ما طرحته هو لوقف حالة التدهور وليس كي يغادر هذا أو ذاك منصبه، مع العلم أن الجميع سيُغادر منصبه يومًا”.
كعادته يجد الفرزلي الفلسفة المناسبة للاقناع ويُعلّل فكرة اللجوء إلى الحلّ العسكري بأن “اللبنانيون يُجمعون على نظافة المؤسسة العسكرية ولذلك دعوت أن تتسلم السلطة في لبنان، وأنا أدعوها من هذا المنطلق إلى تسلم السلطة وحل الدستور وتحل محل كل المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والوزراء وكل الطبقة السياسية، ويكون ذلك لعدة سنوات يستخدم فيها قضاة نزيهين لهذه الغاية، ويعيد بعد هذه الفترة إعادة تكوين السلطة من جديد”.
وفي أسباب هذه الدعوة ما وجده من تعنّت لدى السياسيين في عرقلة تشكيل الحكومة، بل أكثر من ذلك، اشتمّ “عملية ممنهجة لتدمير المؤسسات الشرعية في لبنان ولا بد من الانقلاب ضد الانقلاب لوقفه”. هذه التدمير الممنهج بتدبير من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يقولها صراحةً نائب رئيس مجلس النواب.
وكسر الفرزلي الجرّة مع العهد، بعد يومين من محاولته تجميل ما صرّح به لتطفو أزمة العلاقة مع رئيس الجمهورية وفريقه ومع التيار الوطني الحر ورئيسه، “لسوء الحظ رئيس الجمهورية ميشال عون طرف في الصراع وعملية تحلل المؤسسات تتم بكنفه وإشرافه”. هذا التحلل يوصّفه الفرزلي باستهداف القضاء والقطاع المالي برئاسة حاكم مصرف لبنان وهو خزان المسيحيين، الذين يعيشون قلقًا دائمًا من الاستهداف “فكيف لأكبر حزب مسيحي يحمل شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين أن يتولى هدمهم؟”.
“من هنا أطلقت الدعوة لحكم عسكري للتحذير من إمعان “التيار” في استهداف النظام المصرفي في لبنان، ليس من خلال الحملة المنظمة التي تطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فحسب، وإنما لتمددها باتجاه المصارف بعد أن اتهمها الرئيس ميشال عون بتبييض الأموال، وتهريب ودائع المودعين إلى الخارج، هذا لا يعني أننا لا نريد المحاسبة وأن يسترد الناس أموالهم بل لعدم تقويض النظام المصرفي وهو ركن أساسي لازدهار لبنان”.
إذًا العقل المدبر لانقلاب الفرزلي هي هذه الشبكة السياسية والمالية، “لا أحد في الدنيا يؤثر على قناعتي، ومن يبعت طحنة ياخدها، أنا لا أبدل رأيي وهذا ثابت في التاريخ”.
هذه التصفية يراها بفعل فاعل، “ما يحصل تصفية ممنهجة للمؤسسات وسيأتي يوم سأسمي الأشياء بأسمائها” يقول الفرزلي. هذا ما أملى عليه موقفه “لا جزاءً ولا شكورًا”.
شكّل التكتل مجموعة جديدة عبر الواتساب من دون أن تضم هذه المجموعة الفرزلي
هذا ما يقوله، طبّاخ القانون الأرثوذكسي، لتبرير “انعطافته” الكبيرة، هو المتمسك بسعد الحريري رئيسًا للحكومة ورياض سلامة حاكمًا لمصرف لبنان. لا ينكر السياسي العتيق ذلك، “كما ميشال عون لديه أكبر حزب مسيحي، ورئيس مجلس النواب يمثل غالبية الشيعة يجب أن يكون رئيس الحكومة صاحب أكبر حزب وأكبر كتلة نيابية، وهو سعد الحريري فلماذا هذه الحملة عليه؟”. ويتابع “لقد تمت تسمية الحريري من مجلس النواب فكيف سيتم انتزاعها؟ عليهم الذهاب فورًا إلى تأليف الحكومة وفق المبادرة الفرنسية”.
بعد كل هذا الخصام حول مسلمات “تكتل لبنان القوي” أعلن رسميًا الطلاق مع نائب رئيس مجلس النواب وعبر الواتساب حيث شكل التكتل مجموعة جديدة عبر التطبيق الأخضر من دون أن تضم هذه المجموعة نائب البقاع الغربي. ولا يضير الفرزلي قرار التكتل ويجاهر أن “أسباب إقالتي من التكتل قديمة وتعود للتمايز الأساسي مع القيادة في التوجه”.
طباخ “لقاء السبت” في الرابية الذي مهد الطريق لمجيء ميشال عون إلى الرئاسة، صاحب عنوان “الانقلاب الذي ظل فكرة” نفّذ انقلابه اليوم، والتيار وفرق الرئيسي يشعر كمن طُعن من الخلف، لكنها عوالم السياسة التي تتقلب بين القطيعة ومد اليد والقطيعة والائتلافات المستعصية والرهانات الخاطئة.
عاد الفرزلي إلى مجلس النواب عام 2018 على لائحة تكتل “لبنان القوي” الذي دخل إليه بضغط من بري عبر مساومة أجراها مع رئيس التكتل جبران باسيل في دائرة البقاع الغربي.
وعاد نائبًا لرئيس مجلس النواب لمدة 4 سنوات، بعدما كان تولى هذا المنصب لمدة 13 سنة منذ 1992 حتى 2005، وأُبعد عنه بسبب خسارته موقعه النيابي في دورتي 2005 و2009 على إثر انقلاب المشهد السياسي عقب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
واليوم يخرج محامي العهد من حسابات رئيس الجمهورية وفريقه ويسقط من لائحة الحلفاء والأصدقاء إلى الضفة الأخرى.
رانيا برو