بالأدلة… فضيحة فساد إلى الواجهة من بوابة الطاقة
كيف عُين مهندس معلوماتي مديراً للشؤون المالية في مياه بيروت؟
شهدت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، إجراءً لا يمكن إدراجه إلا في خانة المخالفات في ظل تكتّم تام من قبل الحكومة رغم علمها المسبق بها.
ولا يُخفى على أحد أنّ بنية الدولة الهجينة موزّعة على أقطاب السياسة، وفق “توازنات” فرضها التحاصص في تشكيل الحكومات وفي تعيين مسؤولي الإدارات العامة، لا بل على مستوى التعيينات العادية أيضاً في أي من مرافق الدولة، حتى أنّ ثمة مراسيم لا تُوقع لأنها لا تستوفي شروط التحاصص بمعيار طائفي ومذهبي، ويُظلم أصحاب الكفاءة ويكون في الغالب لصالح التابعين لهذا الزعيم أو ذاك.
هذا يعني أنّ أحدًا في منظومة السلطة بمنأى عن ارتكابات فاضحة يندى لها الجبين، ويؤسس لشريع الفوضى أكثر، وهنا تتبدى إشكالية سياسية وإدارية أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم.
وفي هذا السياق، يطلّ “أحوال” على فضيحة “مسرحها” المؤسسة العامة لمياه بيروت وجبل لبنان ووزارة الطاقة، لا يلتحدث في هذا المجال عن الهدر والإنفاق المتصلين بقرارات مجلس إدارة مياه بيروت وجبل لبنان وما له علاقة بمشاريع السدود، خصوصا وأنّ الكل يعلم ما في هذه الملفات من مخالفات مرتبطة بموضوع الاستملاكات وتخمينها وغيرها من الأمور الملتبسة منها نواح بيئية وخدمية ومالية وإدارية، ولا ليتحدث عن مخالفات سابقة وارتكابات رتبت على الدولة ملايين الدولارات نهباً وسرقة في كل وزارات الدولة ومؤسساتها العامة، وإنّما ليتناول ارتكاب مخالفة لم يجف حبر التوقيع عليها بعد، أي أنّها حاضرة من خاصرة الفساد المفترض أن كل من هم في السلطة يحاربونه، ليتبين أنّ ثمة وقائع مخيبة.
فضيحة موصوفة
وما يرقى إلى فضيحة موصوفة في المجال جاء متمثلاً بتعيين مهندس في مجال المعلومات مديراً للشؤون المالية في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، وهي المؤسسة الأغنى بالمقارنة مع سائر مؤسسات المياه، خصوصاً وأنّ هذا التعيين حظي بموافقة مجلس الإدارة المنتهية ولايته، ولم يتجشم أحد مشقة التحقق من صحة المعلومات أو حتى مراجعة المستندات التبريرية، وقد سكتت مفوض الحكومة عن المخالفة مع علمها المسبق بها.
وبالتوازي، نأت مديرية الوصاية عن الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها، فلم تبدِ رأيها الصحيح (والمطلوب) حيال قانونية القرار والتجاوزات المرافقة له، علمًا أنّه كان على مدير عام الاستثمار أن يدلي برأيه لا أن يكفي برفع المعاملة إلى الوزير المعني الذي وافق على قرار التعيين، وما يدعو للاستغراب أن وزير الطاقة والمياه وقّع في النهاية إحالة بالموافقة على قرار التعيين رغم تساؤلات حول أساس اختيار مستخدم لا يملك الخبرة في الأمور المالية، فضلاً عن وجود أكثر من بديل لتولي هذا الموقع، فهل الأمر مرتبط بجهل في الشؤون المالية والمحاسبية والضريبية والقانونية؟ أم أن ثمة نية مسبقة بتسهيل تمرير المخالفات المالية.
تزوير في الوقائع
ما أشارت إليه مصادر مواكبة لهذا الملف (بالوثائق والصور والمستندات) هو أن تعيين السيد جو مارون مديراً للشؤون المالية بالوكالة في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جاء بصورة مخالفة للقانون، وتحدثت كذلك عن “تزوير في الوقائع لدى عرض الملف على وزير الوصاية للتصديق على قرار التعيين وتغطية المخالفة برأي ايجابي لمدعي عام ديوان المحاسبة الذي لا صلاحية له في المشاركة في استصدار قرار التعيين”.
ومن هذه المخالفات – وفقا للمصادر عينها – نعرض الآتي:
1- إن احكام المادة ٤٥ من المرسوم رقم ٢٠٠٥/١٤٨٧٧، المتعلقة بشروط تعيين الوكيل في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان نصت على وجوب ان يكون الوكيل من سلك الأصيل، واذا تعذر ذلك فيمكن تعيينه من سلك آخر من بين مستخدمي المؤسسة، وبما أنّ وظيفة مدير مالي هي من السلك الاداري في المؤسسة وبالتالي يجب أن يكون الوكيل في هذه الحالة من السلك الاداري أو يجب إرفاق إفادة من المرجع المختص في المؤسسة مصلحة الموارد البشرية تفيد بتعذر وجود وكيل من سلك الأصيل في المؤسسة، في هذه الحالة يمكن تعيين وكيل من سلك آخر اي من السلك الفني، وبالعودة الى الوضع الوظيفي للسيد جو مارون يتبين من كتاب مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان الموجه الى سلطة الوصاية للتصديق على التعيين، ان السيد مارون مهندس نظم معلوماتية من السلك الفني، أي من غير السلك الاداري الذي ينتمي اليه الأصيل، ولاتوجد افادة من المرجع المختص في المؤسسة تفيد بتعذر ايجاد وكيل من السلك الإداري.
في الرتبة والدرجة
2- إنّ احكام المادة ٤٥ المرسوم رقم ٢٠٠٥/١٤٨٧٧ المتعلقة بشروط تعيين الوكيل في المؤسسة، نصت على وجوب ان تتوفر في الوكيل الشروط المفروضة للاستخدام في الوظيفة الشاغرة باستثناء شرطي السن والمباراة، أي يجب ان تتوفر في الوكيل الشروط العامة للاستخدام في وظيفة مدير مالي، اضافة الى الشروط الاضافية الخاصة للاستخدام في الوظيفة المذكورة والمنصوص عليها في الجدول رقم ٢ الملحق بالمرسوم رقم ٢٠٠٥/١٤٩١٥، اي أن يكون حائزاً على إحدى الاجازات الجامعية المعترف بها في الإختصاص المالي والمنصوص عليها في الجدول المذكور، وبالعودة الى الوضع الوظيفي للسيد جو مارون يتبين انه لا يحمل أي اجازة جامعية في الاختصاص المالي المطلوب لوظيفة مدير مالي.
3- تزوير في رتبة ودرجة السيد جو مارون من قبل مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان لدى عرضها الملف على وزير الوصاية للتصديق على تعيينه مديراً للشؤون المالية بالوكالة حيث ورد في كتاب المؤسسة رقم ٥٢٤٨/م تاريخ ٢٠٢٠/٨/١٠ ان السيد جو مارون مهندس نظم معلوماتية في الدرجة التاسعة من فئة ثالثة رتبة أولى، فيما وظيفة مهندس نظم معلوماتية هي فئة ثالثة رتبة ثانية وفقاً لملاك المؤسسة النافذ، كما تبين انه في الدرجة السابعة وليس التاسعة كما ورد في كتاب المؤسسة المذكور أعلاه ،حيث عين في ملاك المؤسسة بتاريخ ٢٠٠٨/١١/٢٥، بموجب القرار رقم ١٢٢٦، أي لديه ١٢ سنة خدمة فعلية في المؤسسة كحد أقصى، توازي ست درجات تضاف الى الدرجة الاولى المعين فيها باعتبار أنّ المستخدم يعطى درجة واحد عن كل سنتين خدمة فعلية وبالتالي يكون السيد مارون بالدرجة السابعة و ليس التاسعة.
4- إنّ وزير الطاقة والمياه استند في التصديق على التعيين المخالف على رأي مدعي عام ديوان المحاسبة فوزي خميس وهذا الاخير لا يملك أي صلاحية قانونية في إبداء الرأي المسبق الايجابي أو السلبي في تعيين موظف بالوكالة او بالأصالة او بالأصح ليس له أي دور او مشاركة في استصدار نص التعيين، حيث يقتصر دوره على ممارسة رقابة خارجية على صحة قرارات التعيين من خلال التأكد لاحقاً من استيفاء نص تعيين الموظفين او المستخدمين في القطاع العام شروط التعيين المنصوص عليها في القوانين والانظمة النافذة.
فاديا جمعة