منوعات

غادة عون: لن أستسلم ولست عارضة أزياء

لم يعد القضاء اللبناني مهمّش الدور فقط، بل أصبح مهشّم الصورة أيضا بعد الشكل المتفسخ الذي ظهر عليه خلال الأيام القليلة الماضية نتيجة النزاع الدائر بين بعض اجنحته.
ولعله لم يسبق ان وصل التجاذب داخل الصرح القضائي الى مثل هذه الدرجة من الحدة، وصولا الى ان يصبح المؤتمنون على العدالة في قفص الاتهام!
واذا كان اللبنانيون قد اعتادوا على الانقسامات السياسية والطائفية بكل مظاهرها، الا ان تشظي السلطة القضائية يعكس مشهدا صادما وغير مألوف، خصوصا ان تلك السلطة هي من ركائز الدولة وصمامات امانها.
صحيح ان القضاء والسياسة متداخلان في لبنان خلافا لقاعدة فصل السلطات، الا ان هذا التداخل كان يظل مغلفا بشيء من الخفر الذي سقط كليا هذه المرة تحت وطأة المواجهة العنيفة والمكشوفة بين مراكز القوى القضائية، من داخل “العدلية” الى الشارع.
ولكن، كيف تفسر المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون سلوكها وما ردها على الاتهامات الموجهة اليها حول تمردها على القانون ولجوئها الى تصرفات استعراضية، ما دفع المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات الى اتخاذ قرار بكف يدها عن القضايا المالية؟
تنقل مصادر مطلعة عن عون قولها: “ان قرار القاضي عويدات مرفوض لانه غير قانوني، إذ لا يجوز له بتاتا ان يكف يدي عن أي قضية أتولاها، فهذا من اختصاص التفتيش القضائي حصرا. يحق له فقط من موقعه ان يرسل الي توجيهات خطية لا شفهية، وبالتالي بإمكانه ان يطلب مني على سبيل المثال الامتناع عن ملاحقة احدهم، أما اقصائي فهو قرار يتجاوز صلاحياته، واذا سكتت اكون قد كرست سابقة خطرة من شأنها ان تكبل القضاة الشجعان وتمنعهم في المستقبل من اتخاذ القرارت الجريئة.”
ووفق عون، “لا يستطيع عويدات إبعادي، لكنه ربما يستطيع أن يعطل ادوات عملي، كأن يمنع الضابطة العدلية من التعاون معي، الامر الذي من شأنه ان يعيق مهامي ويعرقلها، وعليه ان يتحمل مسؤولية مثل هذا القرار الذي يصيب العدالة اكثر مما يصيبني.”
وتؤكد عون، بحسب المصادر، ان الداتا التي حصلت عليها من مؤسسة مكتف للصيرفة هي في غاية الأهمية، “وهذا ما أخرجهم عن طورهم ودفعهم الى شن حرب سياسية واعلامية علي وتحريك الجيوش الإلكترونية ضدي. الا انني لن اتوقف، وسنباشر في تحليل الداتا ودراستها، وهي يمكن ان تقودنا الى كشف حقائق وخفايا تتعلق بجزء من التحويلات الى الخارج والأموال التي جرى تهريبها على حساب المودعين.”
وتشدد عون على انها لا تخوض معركة شخصية، “بل معركة المودعين الذين من حقهم ان يعرفوا أين ذهب جزء من أموالهم.”
وتتابع: “ما أفعله هو أقرب إلى ميني تدقيق جنائي لكشف ملابسات شحن كميات كبيرة من الدولارات الى الخارج بالتعاون بين بعض المصارف وشركات التحويل، على حساب المصلحة الوطنية والليرة المعترة، وهذا تبييض أموال وكسب غير مشروع، ما ساهم في ارتفاع سعر الدولار على حساب الناس، ولو لم تكن في حوزتي براهين ما كنت لاتحرك.”
وتصر عون، وفق المصادر، على استكمال المعركة حتى النهاية، “وأنا لن استسلم، فاما اربحها واما اخسرها ولكن لن أتراجع عنها لأنها معركة مفصلية يتوقف عليها مصير الحرب ضد الفساد.”
وتضيف: “لست استعراضية ولا يهمني ان أؤدي دور البطولة في الملفات التي أتصدى لها. ما حصل قبل ايام هو انني ارسلت في المرة الأولى خبراء الى شركة مكتف فمنعوهم من الدخول، ثم تكررت المحاولة مرة أخرى فاعترضوهم مجددا، عندها قررت أن انزل شخصيا الى الأرض وان أتولى بنفسي الدخول إلى مكاتب الشركة. وعندما شعرت بأن المواجهة بين مناصري القضاء والمجموعة التابعة لاحد المصرفيين قد تتطور في اتجاه اراقة الدماء تدخلت لضبط الأمور وتهدئة الموقف ولم يكن يخطر على بالي حينها لا الاستعراض ولا غيره.”
وتسخر عون من التنمر الذي تعرضت له أخيرا، متسائلة: هل المطلوب ان امضي نهاري عند الكوافير حتى أصبح مقبولة من البعض؟ انا قاضية لا عارضة أزياء، واشفق على الذين يستخدمون هذه الوسيلة للهجوم علي. هذا دليل إفلاسهم وافتقارهم الى الحجة القوية.
وتنفي عون تهمة التبعية لرئيس الجمهورية والتيار الحر، وهي تروي ان الرئيس عون طلب منها مرة أمرا سهلا ومشروعا “لكن لم استجب لأنني لم أكن مقتنعة. واحيانا عدة اتخذت قرارات ازعجت النائب جبران باسيل في ملفات قضائية. من يتهمني بالتبعية لا يعرفني وانا اتحداهم ان يثبتوا انني سايرت باسيل في اي ملف.”
وتشدد عون على أن المطلوب قضاء قوي ومستقل، “وما لم يصبح كذلك فما النفع من التدقيق الجنائي، إذ من سيحاسب وسيلاحق بعد ظهور النتائج؟”
وتنتظر عون من وزيرة العدل إحقاق الحق ووضع الأمور في سياقها الصحيح، مشيرة الى ضرورة اتخاذ موقف واضح وشجاع مما يحصل، “لان لا حياد بين الحق والباطل او بين الظالم والمظلوم.”
وتجزم عون، تبعا للمصادر، بان كل الحملات التي تستهدفها لن تثنيها عن تحمل مسؤولياتها وتأدية واجباتها، “ولئن كانت هناك منظومة قوية تواجهني، فأنا معي الله واكثرية الشعب اللبناني المحتجزة اموالها في المصارف والمتضررة من الاستمرار في مهادنة الفساد.”

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى