حقوق

المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء … “فزاعة” معطلة

تكرر اللجان والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، الإعراب عن قلقها بشأن الضغوط السياسية التي تذكر التقارير أنها تمارس على القضاء في لبنان، وبشأن ادعاءات مفادها أن السياسيين يستخدمون نفوذهم لحماية المؤيدين من الملاحقة القضائية، ولا يكفل لبنان أن تكون إجراءات اختيار القضاة وتعيينهم وترقيتهم وعزلهم متوافقة مع مبادئ الاستقلالية والنزاهة، على النحو المنصوص عليه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأوصت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في العام 2017 لبنان بأن يزيل، من دون مزيد من التأخير، اختصاص المحاكم العسكرية على المدنيين، والذي يشمل في الوقت الراهن الأطفال أيضاً، وأن يحقق في جميع ما يبلغ عنه من انتهاكات يرتكبها المسؤولون العسكريون، وأن يوفر للضحايا سبل انتصاف فعالة.
ترفض السلطات اللبنانية إنهاء سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، بما في ذلك تجريد وزارة العدل من أي دور في اختيار القضاة وتعيينهم وترقيتهم ونقلهم وإعارتهم أو أي جوانب أخرى من جوانب إدارة المسار الوظيفي للقضاة. ويماطل البرلمان اللبناني في إقرار قانون يضمن استقلالية مجلس القضاء الأعلى عن السلطة التنفيذية، بطرق منها تعديل تشكيلته لضمان أن يكون الأعضاء بغالبيتهم قضاة ينتخبهم أقرانهم.
بعد الحرب الأهلية أتى إتفاق الطائف الذي غير وجه لبنان السياسي، وبنى خلاله الزعماء حصانات معقدة يصعب كسرها فتم الإتفاق على إنشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو محكمة إستثنائية بإجراءات معقدة. وقبل البدء بتفصيل طبيعة هذا المجلس ودوره لا بد الإشارة إلى أن وجود محاكم إستثنائية في دولة ما يظهر صورة تدل على تخلف هذه الدولة كون هكذا محاكم ترسم صورة عن الطبقية والهرمية و عدم المساواة بين المواطنين، فالمسؤول والوزير أهم من المواطن الذي يحاكم أمام محاكم عادية بإجراءات بسيطة.
يتألف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من سبعة نواب وثمانية من أعلى القضاة رتبة حسب درجات التسلسل القضائي، وهو بذلك هيئة قضائية برلمانية وتصدر قرارات التجريم بغالبية عشرة أصوات وهو يصدر قرارات تجريم بحق الرؤساء و الوزراء لكن هنا قد يسأل البعض من هي السلطة المخولة بالاتهام أي التي تلعب دور النائب العام؟
بحسب المادة 70 من الدستور “لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمة أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس….”
لتضيف المادة 71 ” يحاكم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم أمام المجلس الأعلى… ” .
وبذلك يكون النظام السياسي اللبناني قدم ضمانات يصب من خلالها محاكمة فاسد الفساد بسبب صعوبة الإتهام. وهذا قد ثبت كون هذا المجلس ولد ميتاً ومعطلاً فلم يمارس عمله إلا مرتين. الأولى كانت لمنع الرئيس أمين الجميّل من العودة إلى لبنان، وتخويفه من ملاحقة قضائية بسبب صفقة طوافات «البوما» الفرنسية خلال عهده. والأخرى مع الوزير السابق للنفط شاهي برصوميان، بتهمة بيع رواسب نفطية مثل بسببها أمام القضاء العادي عام 1999 قبل أن يستعيد مجلس النواب الملف ويضعه برسم المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء و الوزراء. كما استخدم هذا المجلس مؤخراً كذريعة لمنع المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت من استدعاء رؤساء حكومات ووزراء بحجة أنه يتم إتهامهم من المجلس النيابي ومحاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء و الوزراء.
إلى متى سيبقى هذا المجلس معطل؟ مع الإضاءة على صعوبة إلغاء هذا المجلس لصعوبة إجراءات الإلغاء كونه يستمد شرعيته من نص دستوري، حيث ذكر في المواد 71 و 80 من الدستور ما يجعل إلغائه بحاجة إلى تعديل دستوري وليس قانون يمكن إلغائه بقانون آخر.

 

بهاء مرشاد

بهاء مرشاد

مجاز في الحقوق من الجامعة اللبنانية، باحث في القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى