منوعات

الأرض اللبنانية غير صالحة لنمو “النفوذ التركي”

في شهر نيسان الماضي، وقعت أحداث شغب كبيرة في “عروس الثورة” طرابلس، فاحترقت آليات عسكرية، وأُصيب جنود، ودُمرّت ممتلكات عامة وخاصة تدميرا ممنهجا أراد أن يحمل رسالة خاصة، ويومها ثبُت للمحققين تورط 7 أشخاص بقيادة عمليات الشغب، التي شارك فيها عدد كبير من الأشخاص، أغلبهم من جنسيات غير لبنانية، مع الإشارة الى الدور “التركي” في التمويل والتحريض.
هدفت أحداث الشغب بحسب التحقيقات الى خلق جوّ يُظهر المدينة وكأنها خرجت من عباءة الزعامات التقليدية، وبأن الأمن فيها أصبح منعدما، ما يجعلها بحاجة الى منقذ يأتيها على حصان أبيض، وهذا المشروع بحسب ما علم “أحوال” لم ينته، ولكن سرعة الأحداث في لبنان تجعل التخطيط صعبا.
في 4 تموز الماضي، كشف وزير الداخلية محمد فهمي عن “تدخل خارجي تركي لتوتير الوضع في لبنان”، مشيراً إلى أن “تعليمات تصل من تركيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبعض أطراف الحراك الشعبي”، وقد تطرق الى هذه المسألة أكثر من مرة، ولكن لم يُتّخذ أي إجراء في هذا الشأن. في 4 آب وقع انفجار بيروت الكارثي، فتهافتت الدول على تقديم المساعدة الى لبنان، ولكن أغلب المساعدات ليست مجّانية، فهذه الدول تبحث عن تثبيت “قدمها” في لبنان نظرا لموقعه الاستراتيجي.
لم تعد تُخفى على أحد أطاع تركيا في المنطقة، فها هي في سوريا تستعمل السلاح العسكري لأن البلد في حرب، وفي ليبيا تستعمل السلاح العسكري لأن الدولة في نزاعات وصراعات، وتحاول اليوم في لبنان البحث عن السلاح المناسب لاستعماله، فحاولت السيطرة على طرابلس ولم تتمكّن لأن “سنّة” المدينة بحسب الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين، يفضّلون الإسلام الخليجي والإسلام المصري على الإسلام التركي، ومن تؤثر بهم تركيا، أي الجماعة الإسلامية، والعائلات التركية، لا يستطيعون تغيير الواقع في طرابلس، ناهيك عن لبنان ككل.
يقول نور الدين أن لبنان يقع ضمن المنطقة التي يرغب حزب العدالة والتنمية باستعادة السيطرة عليها أو على الأقل، أن يكون لاعبا مؤثرا فيها، لاسترجاع ذكريات العثمانيين، في زمن النفظ والغاز والسلطة، لذلك هو يحاول اليوم بأكثر من وسيلة الوصول الى هذا الهدف، وآخر الوسائل كان الولوج من انفجار المرفأ، بعد أن كشف وزير الخارجية التركي خلال زيارته الى لبنان عن نيّة إردوغان منح الجنسية التركية للأتراك والتركمان الذين يعيشون في لبنان وليس لديهم الجنسية التركية، وهؤلاء يصل عددهم الى حوالي 60 ألفا، الى جانب اقتراح إعادة بناء إهراءات القمح، الامر الذي تم التصدي له بسرعة من قبل الكويت التي قررت التكفل بإعادة البناء، علما أن الفرنسي أبلغ اللبنانيين بأنه لا مجال للسماح بدخول التركي، والصيني الى عملية إعادة بناء مرفأ بيروت.
رغم أنها أصبحت قوّة إقتصادية وعسكرية كبيرة، إلا أن تركيا لا تزال غير قادرة على فرض نفسها كقائدة للعالم الإسلامي، فالمملكة العربية السعودية لا تزال تحتل الصدارة في هذا الأمر، ورغم التلاقي بين تركيا والدول العربية في كثير من الملفات، إلا أن ذلك لم ينه حال الصراع على السلطة بينهم، ويشير نور الدين الى أن هذا الصراع بدأ في القرن الثامن عشر، ولم يزل، ولن يتوقف، مشددا على أن الساحة اللبنانية لا تزال عصيّة على التركي، لأن المسرح الوحيد الذي يمكنها “اللعب فيه” هو المسرح السنّي، وهذا المسرح لم يخرج من يد السعودية والدول الخليجية، والنسبة القليلة التي خرجت توجهت بغالبيتها نحو الشعور الوطني العروبي، مؤكدا أن ما يُقال حول دور تركي فيما يجري هو كلام مضخّم، فالتركي في لبنان ليس لاعبا أساسيا ولن يكون قريبا.

محمد علوش

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى