منوعات

أميركا تترك أفغانستان على حافة سكين

قرعت واشنطن أول باب في التحوّل السياسي الخارجي، عبر إعلان جو بايدن سحب قوات بلاده من أفغانستان بحلول سبتمبر/ أيلول، مطلقاً بذلك قراراً محورياً بإنهاء حرب 20 عامًا من الحرب وخسارة الآلاف من الأرواح.

وقال مسؤولو إدارة بايدن يوم الثلاثاء إنّ الرئيس الأميركي أمر القوات المتبقية البالغ عددها 2500 أو نحو ذلك في البلاد، بالبدء في الانسحاب قبل الأول من مايو / أيار، مؤكداً على “إختفاء” الجميع بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، التي أدت إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان والحرب التي تلت ذلك.

قرار بايدن بين مؤيّد ومعارض

وقال مسؤول كبير في إدارة البيت الأبيض إنّ الرئيس الأميركي يعتقد أنّ الولايات المتحدة قد حققت الأهداف التي حددتها في بداية الحرب في عام 2001 وأنه من أجل الاستجابة الكاملة “لتهديدات وتحديات عام 2021، على عكس تلك التي حدثت في عام 2001″، تحتاج واشنطن إلى التركيز على التحديات الأكثر حدّة التي تواجهها الآن. ويشمل ذلك المنافسة مع الصين وتفشي فيروس كورونا والتهديد “الإرهابي” المنتشر على نطاق واسع عبر بلدان متعددة وفي مجالات جديدة مثل الإنترنت.

وقال المسؤول: “القيام بذلك يتطلّب منا إغلاق الكتاب حول الصراع المستمر منذ 20 عامًا في أفغانستان والمضي قدمًا بعيون واضحة واستراتيجية فعالة لحماية مصالح الأمن القومي لأميركا والدفاع عنها”.

ومع ذلك، فإنّ قرار إزالة البصمة العسكرية الأميركية بعد ما يقرب من عقدين على الأرض لا يخلو من المخاطر. وينقسم المحلّلون حول ما إذا كانت فوائد إنهاء أطول حرب أميركية تفوق التكاليف المحتملة لاستقرار أفغانستان والمنطقة.

كذبة الوجود الأميركي العسكري 

إنّ سحب القوات الأميركية من أفغانستان يمكن أن يكون خطوة أكثر حزماً للولايات المتحدة على المسرح العالمي وإعادة تنظيم بعض التحالفات، خاصة مع باكستان والهند. في حين أنّ قرار الانسحاب قد يكون له، على المدى القصير، تأثير على مصداقية الولايات المتحدة العالمية.

في هذا السياق، قالت لوريل ميللر من مجموعة الأزمات الدولية، “هناك تكلفة على الولايات المتحدة في استمرار مشاركتها في حرب ليس لها هدف استراتيجي واضح أو نهاية معقولة لها”. وتابعت، “تنظر الولايات المتحدة في هذه الأنواع من التكاليف والمخاطر مقارنة بالأولويات الأخرى التي لديها في جميع أنحاء العالم؛ وترى أن هناك أمور أهم من أعباء تكلفة البقاء في أفغانستان، ونشر القوات، والأموال”. مشيرة إلى التكلفة  الباهضة باستمرار مشاركتها في حرب ليس لها هدف استراتيجي واضح أو نهاية معقولة لها.

وقال ستيفن بيدل، المحلّل السياسي، والمساعد في سياسة الدفاع في جامعة مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن: “إنّ حجة البيت الأبيض لا تحمل الكثير من الأهمية إلا إذا كان محبطًا من أفغانستان فقط. فترك القوات لا يعني بطريقة ما أنه لا يمكننا الرد بشكل مناسب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، أو محاولة حل مشكلة جنوب الصين.”

واعتبر العديد من المحللين أنّ قرار سحب القوات لن ينهي الصراع، خاصة أنّ واشنطن باقية من خلال السياسات المحلية والدولية، ما يخلق مخاطر جديدة على الجبهتين. ولفتوا إلى أنّه إذا هُزمت الحكومة الأفغانية وأعطت طالبان ملاذًا آمنًا للقاعدة، أو إذا تم محو المكاسب التي حققتها النساء والفتيات، فسيتم إلقاء اللوم على إدارة بايدن في الداخل.

واعتبر البعض أن احتمال إبرام اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان سيكون أقل احتمالًا من دون وجود القوات الأميركية على الأرض، مما قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار الذي قد ينتشر، في أسوأ الأحوال، داخل المنطقة مع تحرك جهات فاعلة أخرى لملء الفراغ.

وتجدر الإشارة إلى أنّ  إعلان بايدن لسحب القوات العسكرية من أفغانستان لا يعني بالضرورة عدم التدخل الأميركي في شؤون البلاد، وذلك تخوّفاً من ترك الساحة خالية أمام الباكستانيين والروس والصينيين وآسيا الوسطى والإيرانيين. إذن، يعتبر متابعون لهذا الملف بأنّ هذه ليست نهاية الحروب الأفغانية؛ بل نهاية المرحلة الأميركية العلنية من الحرب الأفغانية، فيما تستمر العمليات السرية.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إنّ الإدارة “عرفت منذ فترة طويلة أنّ القوة العسكرية لن تحلّ التحديات السياسية الداخلية لأفغانستان، ولن تنهي الصراع الداخلي في البلاد. لذا “فإننا ننهي عملياتنا العسكرية بينما نركز جهودنا على دعم السلام الجاري بشكل دبلوماسي.”

بالمقابل، كانت آني بفورتسهايمر، الدبلوماسية الأميركية المتقاعدة التي كانت نائبة رئيس البعثة في كابول في 2017-2018 ونائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون أفغانستان بالإنابة حتى مارس 2019، من بين المحللين الذين قالوا إنّ انسحاب القوات سيجعل من الصعب تحقيق النجاح في إقرار السلام الداخلي للبلاد.

وقالت بفورتسهايمر إنّ احتمالات توصل الجانبين إلى تسوية سلمية دائمة في الوقت الذي كانت فيه القوات الأميركية لا تزال على الأرض “انخفضت بشكل حاد، لأن أكبر دافع لطالبان هو أن يبدو أنهم الأشخاص الذين أجبروا الولايات المتحدة على المغادرة”. وتابعت، “سارت المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، التي انطلقت رسميًا في الدوحة، قطر، في سبتمبر الماضي، ببطء وبدون نجاح، حيث ظلت مستويات العنف التي تشنها حركة طالبان ضد المدنيين الأفغان وقوات الأمن مرتفعة.” كما ندّدت الدبلوماسية الأميركية بإعلان قرار الإنسحاب واعتبرته يؤثر سلبًا على حقوق الإنسان للمرأة والأقليات والشباب من خلال جعل طالبان أقل احتمالًا للتفاوض مع الحكومة وأولئك الذين يدعمون الدستور، وأكثر احتمالًا لمحاولة استيلاء بالقوة بمجرد مغادرة القوات الدولية”.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إنّ الولايات المتحدة ستحتفظ بقدرات عسكرية واستخباراتية كافية لتعطيل قدرة القاعدة وستستخدم الأدوات الدبلوماسية لحماية المكاسب التي حققتها النساء والفتيات.

كذلك أثار المشرّعون وغيرهم مخاوف بشأن المخاطر التي تتعرّض لها النساء والفتيات حتى قبل إعلان الانسحاب.

وقالت السناتور جين شاهين، المنخرطة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والمدافعة منذ فترة طويلة عن حقوق المرأة الأفغانية، يوم الثلاثاء على تويتر إنها “تشعر بخيبة أمل كبيرة في قرار POTUS بتحديد موعد نهائي في سبتمبر للابتعاد عن أفغانستان.”

تنهي هذه الخطوة فعليًا تورّط أميركا في أطول حرب لها في التاريخ، لكنها تترك أفغانستان تتأرجح على حافة السكين في حكومة تعاني من الفساد، وجيش يعاني من نقص عوّدته أميركا على التدريب والدعم اللوجستي. فبايدن خطط للانسحاب دون شروط مسبقة، ما يترك الحكومة في كابول وحيدة عسكرياً في مواجهة طالبان. إذ تسيطر الجماعة المسلحة على الأراضي في البلاد أكثر من أي وقت مضى منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بالجماعة من السلطة في عام 2001.

من ناحية أخرى، لا يزال الوضع الأمني ​​في جميع أنحاء أفغانستان مترديًا، مع ارتفاع مستويات الهجمات بين حركة طالبان وقوات الأمن الأفغانية، حيث تتصف الوحدة السياسية الأفغانية بالهشة. يريد معظم الأفغان السلام بأغلبية ساحقة، لكنهم يريدون أيضًا الحفاظ على النظام الدستوري الحالي الذي يتضمن الديمقراطية والحريات الشخصية ووسائل الإعلام الحرة وحقوق المرأة. وتنسحب اليوم واشنطن فيما لم تفصح حركة طالبان الكثير لطمأنة المواطنين بأن وجهات نظرهم قد تغيرت عن القيود الشديدة التي فرضوها في التسعينيات. فما الذي حققته واشنطن في غزوها العسكري لأفغانستان منذ سنوات وما الذي ستحققه في إعلان انسحاب قوتها العسكرية اليوم؟

لطيفة الحسنية

 

 

 

 

 

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى