“انحسار” التفاؤل الحكومي: على ماذا رست المواقف الداخلية والخارجية؟
عندما استقالت حكومة حسان دياب، كان لبنان أمام فرصة ذهبية للذهاب نحو حكومة تحظى بغطاء لبناني ودولي كامل، ولكن اليوم تغيّر الواقع، فتراجعت سحابة التفاؤل التي كانت تغطّي السماء اللبنانية في الأيام الماضية، بعد أن لمس رئيس المجلس النيابي نبيه بري تعنّتا داخليا من قبل الأطراف المعنية بالوصول الى حل، مترافقا مع لا مبالاة دولية من أغلب الدول المؤثرة في لبنان، باستثناء فرنسا.
ماكرون وبري لاعبان وحيدان
لم يصل المسعى الفرنسي الذي يقوده إيمانويل ماكرون خارجيا الى تحقيق الإتفاق على شكل ومضمون الحكومة المقبلة، كذلك لم يتمكن الرئيس بري من تحقيق الخرق بجدار الأزمة داخليا، الأمر الذي دفعه بحسب مصادر سياسية مطّلعة الى التريّث قليلا بمسعاه، دون أن يوقف محركاته، كما أشارت بعض التقارير، مشيرة الى أنه اصبح لدى بري تصورا كاملا حول موقف كل الأطراف اللبنانية بشأن الحكومة، وبات على قناعة بأن التغيير بالمواقف لن يتحقق ما لم يتغيّر الجو الدولي.
يأسف بري لاستمرار سياسة فرض الشروط في هذه اللحظة الحساسة التي يمر بها لبنان، اذ كان بالإمكان الإستفادة من اللحظة الدولية التي وُلدت بعد انفجار مرفأ بيروت، لتشكيل حكومة قادرة على إطلاق مسار التغيير، ولكن هذا ما لم يتحقق لأسباب عديدة أبرزها بحسب المصادر موقف حزب الله الذي يؤيد عودة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، ولكنه لم يمارس الضغط الكافي على حليفه التيار الوطني الحر للتراجع عن شروطه، ولا يزال مصرا على الوقوف على خاطر جبران باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون.
تكليف وتأليف أو العكس؟
تكشف المصادر أن تيار المستقبل يرفض من جهته العودة الى التسوية الرئاسية بنفس الشروط السابقة، وبالأخص مسألة “التأليف قبل التكليف”، ويصر على عدم لقاء رئيس الجمهورية قبل تكليف الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة”، مشيرة الى أن القرار الاخير الذي أبلغه تيار المستقبل للمعنيين بمسألة الحكومة، هو إما أن يُصار الى تكليف الحريري بتوافق محلي كامل، ورضى خارجي، اميركي سعودي فرنسي، وإما فليذهب الفريق الحاكم الى تشكيل حكومة منفردا على غرار حكومة حسان دياب.
من جهته يصر التيار الوطني الحر على أمرين، الأول اعتذار الحريري عن كل المرحلة التي تلت إعلان استقالته من الحكومة، والثاني هو التوجّه الى بعبدا للإتفاق مع رئيس الجمهورية على شكل ومهمة الحكومة المقبلة، قبل الإستشارات النيابية الملزمة، وتشير المصادر الى ان التيار يلمّح بشكل شبه يومي عن نيّته تسمية شخصية جديدة من خارج نادي الاسماء المعروفة، لتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما لن ينجح لأنه لن يكون مختلفا عن حكومة حسان دياب التي غرقت بين الأكثرية والمعارضة والشارع والخارج.
أولويات الأميركي و”الصمت” السعودي
تلفت المصادر النظر الى أن الموقف السعودي والأميركي، يتجلى بالداخل من خلال موقف حزب القوات اللبنانية، والحزب التقدمي الإشتراكي، فالحزبين يعرقلان الوصول الى تفاهمات، ويصران على نفس المطالب التي سقطت منذ زمن، مشددة على أن كل هذه المعطيات الداخلية توضح المشهد الخارجي المتمثّل بالتالي: موقف فرنسي مؤيد وداعم للوصول الى تفاهمات تسبق عودة ماكرون المفترضة التي لبنان، والتي اصبحت خاضعة لاعتبارات عدة ولم تعد مؤكدة، موقف أميركي لا يزال متريّثا، ويركز على الأولويات المتمثلة خارجيا بالتطبيع العربي الإسرائيلي، والتسويات التي تُرسم في العراق، وداخليا بملف ترسيم الحدود والذي يُفترض أن يشهد تطورات إيجابية قريبا تساهم بليونة أميركية داخلية، وموقف سعودي يرى أن بإمكانه تحصيل المزيد من المكاسب الداخلية قبل التسوية، وبالتالي لا يزال لم يقدّم الضوء الأخضر للحريري.
إن كل هذه المعطيات تؤكد حال الجمود الذي أصاب الملف الحكومي، وبالتالي أصبح واضحا مرة جديدة أن النظام اللبناني لم يعد قادرا على الاستمرار بالشكل الحالي.
محمد علوش