منوعات

مرسوم الحدود البحريّة بين الاستغلال والاستخفاف والهروب من المسؤوليّة

عند كل استحقاق وطنيّ، يسعى هذا الطرف أو ذاك إلى استغلال الإستحقاق وما يُرافقه في مصالحه الخاصة، محاولاً تسجيل النقاط وإطلاق المواقف الشعبوية، مما يؤدي إلى ضياع الهدف الحقيقي، وخسارة لبنان، وهكذا هو الحال اليوم في مسألة حقوق لبنان البحرية.
صدر المرسوم 6433 في 1 تشرين الأول 2011، استناداً إلى القانون رقم 163 الصادر في آب 2011، والمتعلق بتحديد وإعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية، فحدّد المرسوم حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية، ويومها ارتكب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة خطيئة تسبّبت بخسارة لبنان لمساحات شاسعة من منطقته الإقتصادية، وهذه قصة بات الكل يعلمها.
تبين بعد فترة أن للبنان مساحة إضافية تفرض تعديل المرسوم 6433، وقيل أنها محدّدة بـ 860 كلم، ولكن كان لقيادة الجيش بعد إعلان إتفاق الإطار في عين التينة، والذي للمناسبة لم يتطرق إطلاقاً لذكر المساحة المطلوبة، رأي آخر، يقول بأن للبنان مساحة أكبر محدّدة بـ 2290 كلم، وهكذا وُلدت مسألة تعديل المرسوم 6433.

أزمة سياسية أم هروب؟

لم تبتّ حكومة سعد الحريري السابقة في نهاية عمرها بمسألة حدود لبنان، كذلك، تهرّبت حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب من المسؤولية، فوصلنا إلى يومنا هذا، حيث أصبح تعديل المرسوم مادة خلافية جديدة، يحاول البعض التعامل معها بما يخدمه شعبياً، بحسب مصادر متابعة.
تُشير المصادر إلى أن هذه القضية هي بيد رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيدية حصراً، مشددة على أن دياب حاول سابقاً رمي الكرة في ملعب المجلس النيابي، عبر مساعدة النائب فيصل كرامي، ولكن النائب تراجع، وبقي الملف بيد الحكومة، كاشفة أن دياب يحاول عدم التوقيع على المرسوم على اعتبار أن مسألة مهمة بهذا الحجم لا يمكن أن يتحمّل مسؤوليتها وحيداً.
تلفت المصادر النظر إلى أن موقف دياب بالنسبة للتهرب من كل الملفات الحاسمة ليس جديداً، فهو رمى كرة التدقيق الجنائي بملعب المجلس النيابي، ويحاول اليوم رمي كرة ترشيد الدعم والبطاقة التمويلية بحضن المجلس النيابي أصلاً، وبكل تأكيد يريد فعل نفس الأمر مع ملف تعديل هذا المرسوم.
حاول بعض الاطراف تحويل هذه المسألة إلى خلاف سياسي، خاصة بين رئاسة الجمهورية وعين التينة، وهنا تُشير المصادر إلى أن رئيس المجلس النيابي رد بشكل واضح عبر مصادر كتلة التنمية والتحرير، محمّلاً السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية مسؤولية تعديل هذا المرسوم بعيداً عن المواقف الشعبوية، متمسّكاً بنقطتين، الأولى هي الحفاظ على حقوق لبنان كاملة، والثانية هي وحدة موقف الفريق اللبناني المفاوض، وتُشير مصادر عين التينة عبر “أحوال” إلى أن هذا الملف هو بعهدة رئيس الجمهورية، وبري ونواب كتلته لم يعبّروا إطلاقاً عن رفضهم التعديل، ولتتحمل الحكومة مسؤولياتها.

وجهتا نظر في مسألة التعديل

لا تزال الخلافات قائمة اليوم حول هوية موقّعي المرسوم، وهنا تؤكد المصادر أن توقيع رئيس الجمهورية وإلى جانبه توقيع رئيس حكومة تصريف الأعمال يكفيان، وبالتالي فلا داعي للتلطي خلف مسائل سياسية جانبية لتمرير الرسائل.
بالمقابل تكشف المصادر أن مسألة تعديل المرسوم أثارت منذ بدايتها نقاشاً واسعاً حول الجدوى والطريقة والهدف، وبالنتيجة أصبحنا أمام وجهتي نظر، الأولى تقول بأن التعديل المطروح يحتاج إلى دراسة وتنبّه وتفكير عميق، لأن لبنان حين يؤكد على حقه في الامم المتحدة لا يمكن التراجع عنه مستقبلاً، لأن أي تراجع عن أي متر، سيُعتبر بمثابة هزيمة لبنانية بوجه العدو الإسرائيلي.
أما وجهة النظر الثانية فتقول، بحسب المصادر، بأن التعديل يضمن حق لبنان، ولو تخلى مستقبلاً عن مساحة معينة خلال التفاوض، والتعديل سيدفع بشركات النفط العاملة في فلسطين المحتلة إلى تعليق عملها، ويُجبر “اسرائيل” على التنازل في هذا الملف نظراً لحاجتهم لاستكمال العمل”.

“اسرائيل” ترفض العودة للتفاوض

في خضمّ كل الخلاف الداخلي، علم “أحوال” من مصادر مطّلعة أن العدو الإسرائيلي لا يريد العودة إلى طاولة التفاوض بسبب ما يعتبره “طلبات لبنان غير المنطقية”، مشيرة إلى أنهم أبلغوا موقفهم للأميركيين الذين يرسلون ديفيد هيل بعد أيام من أجل البحث عن مخارج.

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى