منوعات

ما مصير رياض سلامة في ضوء الدعاوى الأخيرة ضده؟

أموال المودعين بخطر والمنصة تستنزف الاحتياطي

منذ دخول لبنان دوّامة الانهيار الاقتصادي قبل سنة ونصف، وتحديداً في مطلع آذار الماضي سجّلت اللّيرة اللّبنانية انخفاضاً قياسياً غير مسبوق، إذ لامس سعر الصرف مقابل الدولار عتبة الـ 15000 ألف  في السّوق السّوداء.

وبوقت قياسي، تمّ طمأنة اللّبنانيين من بعبدا، بعد اجتماع بين حاكم مصرف لبنان والمستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية، أنّه سيتمّ إطلاق المنصّة الالكترونيّة لضبط سعر الصّرف بالسّوق الموازية، على أن تُستعمل من قبل الصّرافين الشّرعيين والمصارف، لصرف العُملات النّقدية بسعر قريب من السّوق الموازية، وأنّ مصرف لبنان سيتدخل ويضخّ فيها دولارات عند الحاجة، في خطوة لتنظيف القطاع المصرفي والسّير باتّحاه استعادة الثّقة بالقطاع.

إذن، كيف سيكون دور المنصّة الموعودة؟ وما قدرتها على لجم الدّولار في ظل الواقع السّياسي المأزوم؟ وهل سيتم وقف سياسة دعم السّلع المشبوهة لوقف النّزف من أموال المودعين، التي كبّدت البنك المركزي قرابة سبعة مليارات دولار في العام الماضي؟ وماذا عن مصدر تأمين الدولارات للمنصّة خصوصاً وأن وزير الماليّة سبق وصرّح أنها ستؤمّن من أموال المودعين ومن الاحتياطي الالزامي؟

ما هو المطلوب من المركزي؟

يقول الرئيس السّابق لغرفة عمليات القطع في البنك المركزي بهيج الخطيب لـ “أحوال”، يفترض قبل إطلاق هذه المنصّة أن يقوم المركزي، وبالتّنسيق مع وزارتي الماليّة والاقتصاد، بدراسة حجم الطّلب السّنوي على العملات الأجنبيّة للاستيراد والتحاويل وغيرها، بمعزل عن الطّلب للمضاربة، وتقدير ما ينتظر أن يظهر من عرض وتحويلات للدّولار إلى الداخل، على الجهة المقابلة، ودراسة الأسباب الحقيقيّة للعجز في ميزان المدفوعات، الذي جاوز العشرة مليارات دولار في العام 2020، الأمر الذي يساعد على تقدير الحجم المتوقع ضخه في السّوق لسدّ فجوة الطّلب، والسّعي للتّخفيف من سرعة التّراجع بسعر صرف اللّيرة إذا لم يستطع تغيير اتّجاهه.

ويضيف، في هذه الحالة يمكن للمركزي تقرير كيفيّة وآلية وحجم التّدخل الذي سيلتزم القيام به وفي أيّة ظروف.

ومن ناحية أخرى، يفترض بالبنك المركزي وضع السّياسات التي تمكّنه من امتصاص السّيولة باللّيرة اللّبنانية من السّوق، للحدّ من إمكانيّة استخدامها للمضاربة؛ هذا فضلاً عن وضع النّصوص القانونيّة، التي تمكّنه من فرض غرامات قاسية، على كل من يثبت تورّطهم في أعمال المضاربة، سواء من المصارف أم الصيارفة الشّرعيين، ويمكن أن تصل إلى الإحالة على الهيئة المصرفيّة العليا والشّطب من لائحة مصرف لبنان.

توقّعات خجولة لسعر صرف الليرة

ويتابع الخطيب، إذا تمكّن مصرف لبنان من رسم الأهداف المرجوّة من المنصّة، وبدأ بتنفيذ خطّته الرّامية إلى تحقيق هذه الأهداف، وفق الآلية المقترحة، يمكن تحديد مدى إمكانية نجاحه. وأقصى ما نتوقعه هو أن يتمكّن من تخفيف حدّة وسرعة التّقلبات في سعر الصّرف، وليس تغيير الاتجاه وسط الظروف السّياسية والاقتصاديّة السّائدة.

ويبقى السّؤال عن حجم الكلفة المترتّبة عن هذا التّدخل، ومدى قدرة مصرف لبنان على تحمّلها؟ وهنا جوهر المشكلة، ذلك لأن التّدخل يجب أن يكون تدريجيّاً، استناداً إلى معطيات السّوق وحجم الطلب. وكلما كان الطّلب على الدّولار كبيراً، استوجب ذلك رفع سعر التّدخل للتّخفيف من النّزف، إذا كانت المعطيات سلبيّة، وذلك حتى يبدأ السّوق بالتّوازن.

وبحسب الخطيب، إن  لم يتمكّن مصرف لبنان من اعتماد هذه الآليّة، فسيجد نفسه متورطاً في عمليّة الإستنزاف التي تعرّض لها أكثر من مرّة في تاريخه.

وسط هذه الظروف، وطالما لم يتم تشكيل حكومة اختصاصيين محايدة ولم تُوضع خطة إصلاح اقتصادي جديّة، فإن التّدخل في سوق القطع لبيع الدّولار، لن يؤدي إلى أيّة نتائج جذرية، ولن يغيّر اتجاه السوق. وعندئذ يكون مصرف لبنان قد استنزف ما تبقى لديه من أموال المودعين.

صرخة المودعين

إلى ذلك، وبعد أن كشف وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، أنّ احتمالية خسارة أموال المودعين اللّبنانيين والعرب في المصارف اللّبنانية، موجودة بالنّسبة لجميع المودعين، ولكنها ليست حتميّة، يؤكد عضو جمعية صرخة المودعين فراس طنوس، أنّ المودعين وأصحاب الحقوق لدى المصارف، ليسوا مسؤولين عن مغامرة المصارف وأصحابها ومساهميها، المتّهمين بالتّوسع بتوظيفاتها التي تتجاوز كل قواعد العمل المصرفي السّليم، وموجب توزيع المخاطر الإلزامي الذي يعرفه كل مستثمر، وذلك نتيجة طمعها بتحقيق أرباح سهلة ووفيرة على حساب ماليّة الدّولة.

تقاذف المسؤوليات بين المصارف والسلطة

وبالتالي، فإن تقاذف المسؤوليّات بين المركزي والدولة والمصارف وتحميل كل طرف المسؤولية للآخرين لن يغيّر الحقائق، فيما المسؤولية تقع على الدّولة التي تمادت واستمرت في سياسة الاستدانة من المصارف عبر مصرف لبنان دون هوادة، واستمرّ معها تجاوب مصرف لبنان ومعه المصارف، لتناهز مديونيتها المئة مليار دولار، لتأمين استمرار إنفاقها دون أي تقدير ووعي للنّتائج التّدميريّة لهذه السّياسة، مع علمها أنّها لن تكون قادرة على تسديد ديونها، لا سيّما خلال السّنوات الأخيرة، حيث وصلت لعجز سنوي مستدام بلغ أرقاماَ قياسيّة، تراوحت بين 3 و 5 مليار دولار، دون تحقيق أي إصلاحات خلالها.

ويضيف، جاءت هندسات حاكم مصرف لبنان الماليّة في سياق دعم سياسات الدولة الفاشلة، لتلحق بالاقتصاد خسائر فادحة بسبب ارتفاع نسبة الفوائد المعتمدة، انعكست عجزاّ في قدرة الشّركات على الاقتراض، كما شجعت على اتباع سياسة الاقتصاد الريعي.

أمّا المصارف، فتتحمل وزر مساعدة المصرف المركزي بضخها 80% من أموال المودعين فيه، والتي تمّ صرفها على تثبيت سعر صرف اللّيرة، الذي أدّى بالنّتيجة لعجز في ميزان المدفوعات، اضطرّت أيضا لتغطيته، فتم تجاوز مبدأ الائتمان على الودائع الذي يتجاوزه الحاكم في البيان الذي يشكو من بعض القضاة الذين يحاولون فضح ممارساته، في محاولة خبيثة منه لكم الأفواه وإسكات كل من يحاول معرفة الحقيقة.

 سلامة إلى القضاء درّ

وماذا عن مصير  حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ضوء الدعاوى الأخيرة ضدّه؟

يقول المحامي رامي عليق من تحالف “متّحدون”، على ما يبدو أنّ الدعاوى بحقّ سلامة تسلك مسارها بالشّكل الصّحيح، وكل الأمور تسير للمرة الأولى،  باتجاه المساحة المحظورة، والتي ترجمت بعد الادّعاء الثّاني لمدّعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون على سلامة.

خصوصاً بعد ردّ الدّفوع الشّكلية التي تقدّم بها وكيل سلامة، المحامي شوقي قازان أمام قاضي التّحقيق الأول قي جبل لبنان نقولا منصور، في إحدى الدّعاوى، وأمام قاضي التّحقيق في جبل لبنان زياد مكنّا في دعوى أخرى، وما تبع ذلك من رد لطلبيّ النّقل، اللّذين تقدّم بهما رئيس مجلس إدارة مصرف SGBL أنطون الصّحناوي، ومدير العمليّات النّقدية في المصرف كريم خوري، أمام محكمة التّميز الجزائيّة بخصوص نقل الدّعوى للارتياب المشروع.  وهذا ما يؤدي إلى استكمال التّحقيقات في الدّعاوى المرفوعة ضدّ سلامة ورفاقه.

ويختم، سيمثل الحاكم شخصياً أمام القضاة الذين ينظرون في هذه الدعاوى، وفي حال تمنّع، سيصدر بحقة مذكّرات توقيف واجبة التّنفيذ.

ناديا الحلاق

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى