منوعات

أبعاد خفية تعيق تشكيل الحكومة  

عون يشترط التدقيق الجنائي والحريري لن ينتحر سياسياً

لم تُفضِ المساعي الداخلية والخارجية الجارية على خط تأليف الحكومة إلى نتائج عملية حتى الساعة. فالتعقيدات لا زالت تضلّل طريق التأليف، ونسبة التشاؤم تطغى على أجواء التفاؤل التي عُمِمَت في الأيام القليلة الماضية.

رئيس مجلس النواب نبيه بري فرمل اندفاعته، ولم يعد متحمساً كالسابق؛ والأفكار التي طرحها في سوق التداول السياسي بقيت في إطارها العام مع تفسير متضارب لتفاصيلها بين قصر بعبدا وبيت الوسط.

وبحسب ما تقول جهات مواكبة لمشاورات الساعات الأخيرة لـ”أحوال”، إنّ التعقيدات المحلية والخارجية لا زالت قائمة. فبعد رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اللبنانيين حول التدقيق الجنائي أمس الأربعاء، أُضيف إلى خط التوتر بين بعبدا من جهة وعين التينة وبيت الوسط من جهة ثانية عنصر اشتباك متفجر سيسعّر المواجهة بين عون من جهة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والفريق السياسي الذي يحميه من جهة ثانية. ولوحظ أنّ القاضية غادة عون سبقت كلمة رئيس الجمهورية بتسخين المسار القضائي ضد سلامة ومصرف SJBL، برفع دعوة قضائية ضدهما على خلفية تحويل أموال إلى الخارج.

وفُهم من رسالة عون بأنّ كشف “مغارة الفساد” في مصرف لبنان هو مدخل الإصلاح، وأي حكومة لا تتبناه لن يُكتب لها النجاح، لأنّه جوهر المبادرة الفرنسية؛ وبالتالي فإنّ معادلة عون الجديدة هي التدقيق الجنائي مقابل الحكومة.

تصلّب عون حول تأليف الحكومة

إضافة إلى الثقة المفقودة بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، تُلقي مصادر مطلعة على موقف بعبدا واللقلوق لـ”أحوال” الضوء على أبعاد خفيّة لتصلّب الفريق العوني. وتتلخّص بالتالي:

أولاً، يعتبر عون ومعه صهره النائب جبران باسيل أنّ مستقبل تيارهمها السياسي مهدّد بعد ثلاثة سنوات ونصف من العهد الرئاسي الذي خرجا منه منهكين بعد الاستهداف الخارجي والداخلي لهما، لتدفيعهما ثمن مواقفهما السياسية في الملفات السيادية والداعمة لسلاح حزب الله ودوره الإقليمي.

ثانياً، تردّي العلاقة بين الرئيس عون وصهره مع فرنسا. فقد اتهم  إيمانويل ماكرون فريق الرئاسة الأولى بإجهاض مبادرته الرئاسية بعد زيارته إلى بيروت، وعاد منها إلى باريس خائباً وخالي الوفاض. عوضاً عن القطيعة الخليجية لعون وباسيل، باستثناء زيارة يتيمة للسفير السعودي في لبنان إلى بعبدا من أسابيع قليلة. وقد نُزِعت آخر أوراق التوت الخارجية بالعقوبات الأميركية على باسيل. لذلك أيقنت بعبدا أن الحكومة العتيدة، هي الغطاء الأخير بعدما فقدت المظلّة الدولية الحاضنة لها المتمثلة بفرنسا.

ثالثاً، لم يعد حزب الله ولأسباب عدة قادراً على دعم مواقف عون و”التيار” على غرار السنوات الماضية، لا سيّما في مجلس الوزراء؛ حيث درج وزراء الحزب على التصويت إلى جانب التيار في أغلب الملفات. ما يُحتَم على “العونيين”  اليوم الاعتماد على “عضلاتهم” وحجمهم في الحكومة لصدّ أية محاولة من قبل الأخصام السياسيين لعزلهم وحصارهم بالنصف زائد واحد الذي يسعى إلى انتزاعه الحريري.

رابعاً، يُدرك الجميع أنّ الحكومة ستكون الأخيرة في العهد الحالي، وإن سقطت في الشارع فمن سابع المستحيلات تأليف حكومة جديدة. لذلك، فإنّ الحكومة الجديدة ستكون استراتيجية بامتياز. لسببين:

 السبب الأول، لأنّها ستتخذ قرارات على صعيد القضايا والملفات الأساسية والكبرى كالإصلاحات الإدارية (الإتصالات والكهرباء)، والمالية والنقدية (التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وملف المصارف والودائع وديون سندات اليوروبوند والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ مشاريع مؤتمر سيدر)، وإعادة إعمار مرفأ بيروت وترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة ومعالجة إشكالية الحدود البحرية بين لبنان وسوريا. فضلاً عن أزمة النازحين والتوطين وصفقة القرن وسلاح حزب الله.

والسبب الثاني، هو أنّ الحكومة العتيدة ستجري الإنتخابات النيابية المقبلة كما ستقرّ قانون انتخاب إذا تم التوافق عليه، وسترث صلاحيات رئيس الجمهورية بعد نهاية ولايته في تشرين المقبل في حالة التمديد للمجلس الحالي أو في حال إجراء انتخابات جديدة، لأنّ المدّة الفاصلة بين إجراء الانتخابات النيابية في ربيع الـ2022 وبين نهاية ولاية رئيس الجمهورية في تشرين الثاني من العام نفسه، لن تكون كافية لتأليف حكومة جديدة؛ وبالتالي ستتحوّل الحكومة العتيدة الى تصريف أعمال.

لكلّ هذه الأسباب، لم يتبقَ في جعبة عون وباسيل من أسلحة سوى الحكومة لتحصين وضعهما السياسي وتمديد فترة الصمود لخوض المعارك المقبلة، كالإنتخابات النيابية والرئاسية والبلدية المقبلة؛ لأجل ذلك يتمسّك عون بالثلث الضامن مباشرة أو مواربة.

عطالله: ثقتنا مشروطة والحريري يتذرّع بالثلث

إلا أنّ عضو تكتل لبنان القوي النائب جورج عطالله يؤكد لـ”أحوال” أنّ “أولى مواصفات الحكومة هي الاختصاص وعدم الإنتماء السياسي، وبالتالي محدودية تأثير القوى السياسية على الوزراء. فكيف سيستطيع رئيس الجمهورية وغيره من التحكّم بعمل الوزراء وأدائهم؟ ما يعني أن عون لا يسعى لامتلاك الثلث. لكن الحريري وفريقه السياسي يتذرعون بالثلث المعطل لتبرير فشلهم في تأليف الحكومة ورمي الكرة في ملعب الرئاسة الأولى”. ويوضح عطالله أنّ “ثقة تكتل لبنان القوي في الحكومة ليست مفروضة ولا مستبعدة، بل هي مشروطة بمواصفات الحكومة ومعايير التأليف ومدى مراعاتها للأصول الدستورية والميثاقية والتوازن السياسي إضافة إلى برنامجها الإصلاحي”.

الحريري: حكومة بلا رضا المملكة انتحار سياسي

في المقابل، إنّ وضع الحريري ليس أفضل حالاً. فالجولات الخارجية المتكرّرة لم تُفلح بقطف لقاء واحد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. والحريري بحسب مصادر مطلعة لموقعنا، لن يُقدم على تأليف حكومة دون موافقة السعودية. وهو أسر لمقربين منه ولبعض الجهات المعنية بالتأليف أنّ تشكيل حكومة قبل التأكد من رضى المملكة عليه ومن دعمها المالي للبنان هي انتحار، لأنّ الحكومة ستواجه انفجاراً شعبياً هائلاً بسبب كمّ الأزمات الضخمة. وكشفت المصادر أنّ الحريري تمنى خلال زيارته الأخيرة للإمارات ترتيب لقاء مع بن سلمان، إلا أن ذلك لم يتم.

إلى ذلك، تكشف مصادر سياسية لـ”أحوال” عن تباين في القراءة الفرنسية للملف اللبناني بين رأيين:

الأول، يمثلّه المدير العام لجهاز المخابرات الخارجية في فرنسا برنار إيمييه.

والثاني، يمثلّه موفد الرئاسة الفرنسية إلى لبنان باتريك دوريل الذي يعارض سياسة إيمييه المرتبط بأجهزة استخبارات دول أخرى كالولايات المتحدة والسعودية و”اسرائيل”.

ويتهم دوريل ايمييه بإجهاض المبادرة الفرنسية من خلال انحيازه لوجهة نظر الحريري، وهذا ينمّ عن عدم فهم ودراية لواقع التركيبة اللبنانية.

محمّد حميّة

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى