“المجهول” ينتظر لبنان بعد المسرحية السياسية الأخيرة
وكأن البلد بألف خير لكي يحتلّ “النكد السياسي” المشهد، ويغطّي على كل طموحات الإنقاذ التي ينتظرها اللبنانيون؛ فبعد موجة التفاؤل التي أرستها الزيارة ما قبل الأخيرة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا، عاد الحريري في زيارته الأخيرة ونسف كل أشكال التفاؤل، فأغلق الباب ومشى.
أول انطباع يمكن أخذه عمّا حصل في بعبدا مؤخرًا، هو غياب الإحساس بالمسؤولية عند رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وذلك من خلال استعراضه “الفلكلوري” بعد لقائه رئيس الجمهورية، لأنّه أغلق الباب من جديد على جميع إمكانيات تشكيل حكومة قريبًا.
أمّا رئيس الجمهورية، فهو كذلك الأمر لم يقدّم المطلوب على مستوى الإحساس بالمسؤولية، إذ أثبتت التسريبات أنّه شريك رئيسي في التعطيل من خلال مبدأ “الثلث المعطّل”، كما أنّه يعمل ضمن ذهنية “تحاصصية” لا توحي في أي من الأماكن بأن هكذا ذهنية تستطيع أن تنقذ وطن، وهذا مؤشر بأنّ عهد الرئيس عون قد انتهى إلى “لا عودة”.
بين انتهاء عهد عون “حسابيًا” وفشل حكومات الحريري “تنفيذيًا” وفساد المنظومة المحيطة بهما، يقف مستقبل لبنان في المجهول ليستمرّ التاريخ بدورته الطبيعية، فالسيناريوهات عديدة ومتعدّدة، وقد تكون على الشكل التالي:
أولًا: انقسام لبنان بين جبهة عون وجبهة الحريري -وكلاهما يصبّان في الشقّ التعطيلي لمستقبل البلد- وبينهما حكومة حسان دياب التي نرجّح بأنّها ستنشط في المرحلة المقبلة؛ هنا يجب أن يحصل تنسيق مباشر بين حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والقوى السياسية في البرلمان اللبناني، التي تدعم الرأي الذي ينادي بإعادة تفعيل عمل الحكومة المستقيلة.
ثانيًا: دخول حاكم مصرف لبنان على خط الأزمة لعدّة أشهر، واستعراضه لمنصة تُشرّع رسميًا خمسة أسعار للدولار: دولار الـ1507، دولار الـ3900 الحالي، دولار المنصة السوداء التي ستُستحدث، وكذلك دولار السوق السوداء الذي سيبقى موجودًا، إضافة إلى دولار الشيكات المصرفية التي تدور في فلك السوق السوداء. هذا الأمر سيسمح لحاكم مصرف لبنان بالتلويح بعد عدة أشهر بـ”علم أبيض” يعلن من خلاله استسلام المصرف لكل أنواع الطروحات، وبعدها من الممكن القول إن لبنان سيدخل المرحلة الجديدة والمتمثلة بدولرة السوق اللبنانية، ومن هنا سيبدأ الإنهيار الفعلي.
ثالثًا: محاولات محاربة الفساد والفاسدين ستتفعّل كجزء من الكيدية السياسية، وقد تتوسّع نوعًا ما لتشمل مقرّبين من الحريري، خصوصًا على مستوى الملفّات التي كان يتشاركها مع العهد خلال فترة انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وبالتالي ستطال الملفات مقرّبين من “التيار الوطني الحر” ومن “تيار المستقبل”.
رابعًا: السيناريو الأخطر هو تسارع الإنهيار الإجتماعي ليشمل مختلف المستويات، بالتزامن مع نقص السلع والمواد الأساسية في الأسواق، وكذلك توقّف مصرف لبنان عن الوفاء بوعوده بناء لمطالب خارجية؛ وهنا نكون قد دخلنا في “النفق الأسود” شديد الظلمة، ومنه نكون قد بدأنا مرحلة الخروج من عنق الزجاجة، سواء بالحرب أو بالسلم.
تتعدّد السيناريوهات اليوم، إلا أن المجهول واحد وهو السيناريو الأبشع؛ لذلك نتساءل قبل كل شيء عن الفائدة التي يجنيها المسؤول السياسي خلال استعراضه لمسرحيات هزيلة في ظلّ هذه الأزمة المعقّدة التي يمر بها لبنان. أما السيناريو الأشد ظلمة، فهو الإنهيار الإجتماعي وبعض الخروقات الأمنية الناتجة عن الأمر.
زكريا حمودان