مواجهة شاقّة مع مريم نور… قالت كل شيء ولم تقل شيئاً
تتحدّث في كل شيء ولا تفهم مما تتحدّث عنه شيئاً. تقول أموراً كثيرةً وكأنّها لا تقول شيئاً. مريم نور حضرت على الشاشة مع رودولف هلال في “مواجهة” عبر محطة LBCI مساء أمس السبت، فكان ظهورها أشبه بغنيمة، لنا نحن الهاربون من ثقل الشاشات بأخبارها عن السياسة والسياسيين والدولار المحلق والليرة المأزومة وكورونا المستفحلة.
تطالعك نور بشعرها الأبيض وصوتها الساخط ولسانها السليط ، ابنة الثمانين تقول كل ما يراودها وكأن لا أحد يستمع إليها، لا ضوابط، لا سقف، ولا قعر. تشتم تتضرّع، تدمع، تصرخ، تضم وتسخط ثم تضحك. لا شطآن لمزاجها ولا حدود في كلامها.
لأوّل مرة نشعر إن مريم نور تجسّد حالنا، نحن الذين نعيش في أرجوحة بين الأرض والسماء ندور في مجال حلزوني لا نعرف قراراً ولا نهدأ عند فكرة.
حالنا من حالها نصلّي ثم نشتم. نقول مثلها لبنان في قلب الله لكن نعيش بين الشياطين. نتحمّل مسؤولية ما ألت اليه أحوالنا، نهبنا وسرقنا مثل مريم نور التي طالبت أن ينهبوا أكثر حتى نستفيق من سباتنا.
تبدأ نور بالكلام من باب “أسكت، عندما أتكلّم أنت تخرس”. صرم هلال فمه مخافة من تهديدها بترك الاستديو وهو يعرف تماماً أنها تفعلها.
فتحت مريم نور مزاريبها جميعاً تدفق دفقاً، تحدثت عن الصلاة لتستشهد بالإنجيل والقرآن “دعوا الموتى يدفنون بعضهم بعض” ولم تتوانَ أن تقول “أنا أكبر عاهرة”.
نفهم كلماتها ولا نفهم معانيها. تحلق في سماء الرب وتلبس حكمة الصوفيين، وتعود بنا إلى الارض. تتحدث عن الرذيلة وتسهب في كلام الفضيلة. تهدد وتتوعد ثم ترشح قداسة. تتحدث عن الطهر ثم ترفع أصبعها في إشارة معيبة. تلبس ثوب العفة وتحكي كلاماً سوقياً. تحكي عن التقوى ثم تطلب الدمار الشامل كخلاص.
سريالية مريم نور هي حالنا جميعاً. نعيش واقعاً ونرجو أخر. نريد خلاصاً ولا خلاص دون دمار شامل يشكلنا من جديد.
مريم نور تحاكي الكائنات الفضائية ويتصل بها بايدن وأكبر ملوك العالم، وتعشق القذافي وتحب السيد نصرالله الذي تعرفه منذ طفولته، وعاشت مع الامام الصدر ووقعت في حب نبيه بري، وتومئ براسها أمام اسم صدام حسين الذي أحبته الا انها رفضت اتصال من جبران باسيل لأنها كانت مشغولة بإسعاف طفل يموت. تحب مريم كل هؤلاء وأكثر ، وتفتح قلبها لجبران تويني والرئيس الحريري وتحذرهما من مغبة ما سيحدث لهما.
مريم النور العالمة بكل شيء والتي تتكهن كل شيء. عرفت الرؤساء جميعاً كميل شمعون والياس سركيس الذي نبهته من السفيرة التي حاولت إغراءه.
مريم نور أطلت علينا كأنها كاشفة المستور وعارفة في كل شيء. حتى كورونا عندها كذبة وهي قادرة أن تقضي عليها في سبعة أيام.
ليلنا كان يحتاج هذه السفسطائية التي تدعي معرفة بكل شيء، من سياسة وتقوى وإدهاش وتسلية وبراعة في المناظرة، ومعرفة لا حدود لها إن الطب والحياة والفلسفة والدين والسياسة.
أقل ما يقال أن مريم نور سيدة السفسطائية لهذا العصر تشيد الخطابة والبلاغة وبنفس الوقت لا تضع الكلام في سياقه وتخرج عدائية.
هذا الخليط غير النوعي في شخصيتها قادر أن يبدد كل ما نفكر فيه، وينسينا حالنا ينقلنا فرحاً الى سابع سماء ويعيدنا مضرجين الى أرض ننشد فيها السلام.
غير محسود رودولف هلال على ضيفته القادرة أن تشن حرباً لاذعة اللسان، ثم تشده بنكتة بذيئة نحو مزاجها الذي لا قرار له. قبضاي رودولف في صموده أمام مريم نور حتى وإن كان كلامه وحواره معها قليل، فهي قادرة أن تعطيه من عبٍ واسعٍ كل غاياته في الدهشة والإثارة دون أن ينشد ذلك.