منوعات

الأزمة السعودية: الحمل في أميركا والإنجاب في روسيا

مزيد من التقارب العربي-الصيني-الروسي

لن يقتصر التصويب الأميركي المُستجد على السعودية عبر إثارة قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي عند هذه الحدود، بل ستتوسع الضغوط الأميركية باتّجاه مصر. تحاول واشنطن أن تضع إنتفاضتها ضد المملكة في خانة الحفاظ على الحريات والدفاع عنها، بصفتها “راعية الحريات في العالم”، وهو ما يرجّح أن تفعله أيضًا مع القاهرة. لكنّ تلك الاندفاعة التي قامت بها الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض هزّت مكانة التحالف التاريخي القائم “كوينسي” بين الأميركيين والسعوديين الذي نشأ منذ أيام الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.

لا تقتصر الحسابات الأميركية عند عنوان الحريّات، بل تضم أجندة واشنطن تفاصيل سعودية لها علاقة بشكل أساسي  بملف النفط، والانفتاح العربي على الصين وروسيا. ومن هنا يسعى الأميركيون إلى تدجين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحت طائلة نسف انطلاقته و تخريب ثورته الاقتصادية التي يقوم بها داخل الممكلة. أساسًا، يعتبر فريق الإدارة الأميركية الجديدة أنّ الرياض ساندت بما تملك من قدرات، في دعم حملة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانتخابية لمنع وصول الرئيس جو بايدن. لذا، قد يكون الحقد المتبادل هو الذي دفع واشنطن الآن لإعادة الحياة لتقرير أمني سابق في محاولتها معاقبة بن سلمان على خياراته الأميركية، لكن خبراء أميركيين يعتبرون في كتاباتهم وتصريحاتهم أنّ دولًا عربية، كالسعودية ومصر والإمارات، باتت ترتبط بعلاقات اقتصادية وعسكرية مع الروس والصينيين، وهو ما يسبّب انزعاجًا أميركيًا كبيرًا.

تدرك العواصم أنّ الأميركيين يغيبون عن الإقليم تدريجيًا، بينما يحلّ النفوذ الروسي المباشر، والتمدّد الاقتصادي الصيني الذي يطال مساحات العالم. وإذا كان الروس والعرب افترقوا في سوريا سابقًا، فإنّ مستجدّات الأحداث الإقليمية والدولية تضعهم الآن ومستقبلًا في خانة واحدة:

  • أولًا، تبيّن أنّ الأتراك يريدون العبث بكلّ ساحة عربية، بعدما استهدفوا الأمن والاقتصاد السوري لضمّ مساحات في تلك الجمهورية العربية إلى النفوذ التركي المُستدام، وأنّهم كانوا يخدعون العرب منذ عام 2011.
  • ثانيًا، يستند الأتراك إلى تمكين “الإخوان المسلمين” لتوسيع نفوذهم من سوريا إلى اليمن مرورًا بدول الخليج، وهو ما كانت تنبّهت له أبوظبي، فجدّدت دعمها لدمشق التي تقف رأس حربة في وجه هذا المشروع، بانتظار أن تحذوَ كلّ الدول العربية حذو الإمارات بشأن سوريا.
  • ثالثًا، عندما ساندت موسكو السوريين في معاركهم وصمودهم ضدّ المدّ الإخواني والمجموعات المتطرفة، فإنّها لم تمنع سقوط دمشق فحسب، بل أجهضت مشروع المتشدّدين بالانتقال إلى ساحات عربية أوسع، رغم أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعان بالمقاتلين أنفسهم ونقلهم إلى الساحة اللّيبية لدعم مشروع “الإخوان المسلمين” هناك.
  • رابعًا، كان الأميركيون يتفرّجون على المدّ الإخواني، ويتلاعبون بالإقليم، حيث المعارك طاحنة بكلّ اتجاه، وهو ما يهدّد أمن الخليج.
  • خامسًا، عندما كان الأميركيون يصوّبون على الإيرانيين في الإقليم، نجحوا في الإيحاء أنّ المخاطر محصورة في الدور الإيراني، بينما كانت المخاطر الجوهرية على الدول العربية تتجلّى بالتوسع العثماني المستند إلى “الإخوان المسلمين” لمنافسة مكانة المملكة السعودية إسلاميًا.
  • سادسًا، يريد الأميركيون تنفيذ تسوية مع طهران، يحضّرون ملفاتها بضغوط نارية وسياسية، لكنّ واشنطن التي شجّعت الدول العربية على معاداة الإيرانيين، ستترك عواصم الخليج وتذهب لتنظيم صفقة مع الجمهورية الإيرانية، من دون أيّ مراعاة فعلية لهواجس الخليجيين.
  • سابعًا، اذا كان الأميركيون استحصلوا على الأموال الخليجية لقاء صفقات سلاح ضخمة أفادت الاقتصاد الأميركي لا غير، فإنّ التعاون الاقتصادي العربي- الصيني يفيد الفريقين باتجاهين: الإمارات نموذجًا حيث وصل التبادل إلى قيمة خمسين مليار دولار سنويًا، وهو أمر جعل واشنطن ترفع صوتها اعتراضًا، لكنّ العرب ماضون في تحسين علاقاتهم مع بكّين لتنمية مجتمعاتهم، نتيجة تراجع الاعتماد على عائدات النفط التي ستذوب تدريجيًا، بسبب ذهاب العالم نحو الطاقة البديلة بعد عام 2030.
  • ثامنًا، تتعدّد اتفاقيات التعاون العسكري بين دول عربية وكلّ من الصين وروسيا، وتُجرى مناورات، وتحضّر مشاريع عسكرية ذات أبعاد استراتيجية.

كل ذلك، سيسبب مزيدًا من التقارب العربي – الصيني- الروسي، ويستفز الأميركيين الذين وجدوا أنّ بساطهم يُسحب من دول الإقليم: فهل يتفرّجون؟.

في المحصلة، لا تريد بكين حاليًا لعب أيّ دور سياسي ولا عسكري، وهي تحصر اهتمامها بالملف الاقتصادي، بينما ستكون موسكو صاحبة الدور الريادي، وهو ما يجعل العرب يتجهون إلى روسيا.

 

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى