مجتمع
أخر الأخبار

صحافيون في مهب الانفجار: تجارب حية غرزت في الوجدان

لم يكن انفجار المرفأ حالة عادية أو حادثة تمر على اللّبنانيين كغيرها من الأحداث التي اعتادوا عليها على مدى خمسين عاماً من الصراعات على أرضه، بل اعتبر اعتداء على الكيان الإنساني لأنّه بفعل فاعل، وضع كلّ الناس تحت تجربة قاسية، وحرج نفسي عميق أثرت على الجميع، وللصحافة تجربة قد تقوّي البعض وقد تفقد الأمل للبعض الآخر، وشهاداتهم خير دليل على حجم المأساة:

 

حسان الرفاعي: سأقاتل حتى النفس الأخير

كان المراسل حسّان الرفاعي أوّل الواصلين إلى المرفأ لتغطية حدث الحريق الكبير، فصار هو الحدث، مع أنّه لا يتذكر لحظة الانفجار سوى أن زميله المصور جهاد الزهري يطير، ويقول: “غبنا عن الوعي، وعندما استعدت وعيي للحظات أوّل ما خطر لي أن أُطَمئن زوجتي أني لا أزال على قيد الحياة، وأطمئن على وضع جهاد وأُطَمئن زملائي في قناة الجديد مريم وكرمى وكل من في التلفزيون فنحن عائلة”.

وأضاف: “لم أكن بوعي في الأيام الثلاثة الأولى في المستشفى ولم يكن عندي مقدرة على استيعاب ما حصل، وحين صحوت رفضت الأدوية المسكنة مع أن الطبيب قال لي لا يوجد شرح كيف لا أزال على قيد الحياة، واني قرعت باب الموت ولم يفتحوه لي. وبعد شهر ونصف أشعر من واجبي متابعة الحياة والعمل، ولولا حرصي على زوجتي، وفرض عليّ الطبيب شهر ونصف راحة، لكنت سأتصل بمريم البسام وأطلب منها ان أغطي حدث حريق المرفأ”.

أما عن التأثير النفسي فيؤكد حسان أنه تجاوز الخوف: “الجرح بكل صدق ليس ما حصل من جراء الانفجار بل كمواطنين نحمل الهوية اللّبنانية لم نعرف لغاية اليوم كيف سنصنع وطن، نحن بعز أزمة اقتصادية لا نعرف كيف نشكل حكومة، لا يزال هناك أناس يحتاجون للطبابة وللتعليم، نحن فعلياً نعيش حربًا باردة، لا نعرف كيف نضع لبنان على الطريق الصحيح ونعود نحن قبلة العرب بالعلم والطبابة والسياحة والاقتصاد، يقهرني تقصيرنا تجاه أنفسنا، بعد الانفجار قرّرت أن أبقى لأقاتل حتى الرمق الأخير… أمامنا مهمة صعبة هذا هو التعب النفسي”.

 

ألسي بدور: نسفوا مبادئي

السي بدّور الصحافية المتفائلة بشهادة من يعرفها، إلّا أن تفاؤلها هذا تطاير مع شظايا الانفجار الكبير، فهي التي رفضت الهجرة وأغلقت طلب البيانات لكي تبقى في بلدها، تسعى اليوم جدياً للهجرة، لأنّ برأيها الانفجار الكبير نسف رمز الحياة بالنسبة إليها، وقالت:

“كنت صغيرة حين انتهت الحرب، وفتحوا المعابر نزلت إلى وسط بيروت ورأيت الشجر البرّي، وجاءني الحظ أن أعمل في دار الحياة، وعملت مع أناس من كل الطوائف، فقد علّمتني بيروت المساواة، بيروت ليست مدينة عادية بل هي رمز، في اليوم الذي نسفوها… أرادوا نسف هذا الرمز والشعب اللّبناني… وكأنهم نسفوا مبادئي. وبعد الانفجار لأوّل مرّة في حياتي بعدما علمت أن أخي أصيب قلت لهم أريد أن أغادر لبنان، اجلبوا لي جواز سفري. أي وطن سأؤمن به؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟ كل عمري أقول وطني لأنّه يعني لي. عندي مشاعر متضاربة ولا أريد أن أقول شيء أندم عليه لاحقًا”.

وتضيف: “على رغم الصفعات القويّة في لبنان إلّا أنّ الصفعة الأخيرة أكبر جعلتنا نقول كفى، فما حصل ليس بانفجار بل إبادة، أوصلونا إلى الموت في منازلنا. فحين كنت عالقة في الغرفة قلت إن هذه آخرتي وسأموت الآن، وبعد فترة استوعبت ما حصل”.

وعن الأسباب التي تراها تقول: “بالنسبة إليّ هناك ثلاثة عوامل شهدتها، كان هناك طيران وهناك حزب جعلهم يأتون وسياسيون يعرفون بالمواد الموجودة وتركوها. لا أعرف ان كنت سأهدأ ولكني لن أنسى إطلاقاً، هم يشتغلون بأجندات سياسية متعددة، فعندما يريدون أن ننسى شيئاً يعطونا الأكبر منها، اليوم يمارسون علينا حروب اقتصادية باردة، بين حرب إسرائيل وحرب داخلية، أي واحدة منهم تنجح معهم أكثر”.

 

 

هلا حداد: ننتظر عامل الوقت

كانت الإذاعية هلا حداد في منزلها بأمان ولحظة الانفجار كانت تحت الصدمة، وقالت: “أول ما نفكر به الأهل، أين هم؟ وننشغل بالبحث عن مستشفى وتبقى صور ما يدور حولنا من مصابين وشهداء، فتتعطّل العودة الى ذاكرة تلك الثانية بثبات.

وتضيف: “ما بعد الدخول إلى المستشفى يبقى في رأسي مشهدين “مشهد إيماني والتواصل مع سكان السماء، ومشهد تفصيلي عن الساعات الصعبة”.

أمّا بخصوص الشعور هو مزيج من الخوف والقلق والوجع واللّااستقرار وصراع المشاعر بين أن أقدّم نفسي قويّة وفي الوقت ذاته أحتاج الى البكاء لأني ضعيفة. المهم يصير عندي حالة من التشتت لا شيء واضح، لا شعور ولا صور واضحة”.

وترى هلا أنّ هناك فرق كبير بين الجرح النفسي والجرح الجسدي الذي سيترك ندوباً لكن شفاءه سريع، لكنّ الجروح النفسية تحاول تجاوز الأصعب فيها بفضل الإيمان، مع العلم أنني أحاول أن أكون قويّة وأتكلم عن آثار الانفجار فأتصالح مع نفسي، ولكن أي حدث صغير يعيدني إلى تفاصيل ليلة ٤ آب، وأكبر برهان الحريق الذي حصل في المرفأ في 10 آب جعلنا نعيش تفاصيل ذاك اليوم بكل بشاعته. لا أنكر أنّني تحدثت مع معالج نفسي وطمأنني أنّ كل أفكاري ومشاعري في مكانها والذي أمرّ فيه أمرٌ طبيعي. لكن عامل الوقت قد يجعلنا نتجاوز التأثيرات بأقل أضرار ممكنة.

 

جهاد الزهري: اخترت الخطر

وضع المصوّر في قناة الجديد جهاد الزهري نفسه في موقع الأخطار بإرادته، يعمل على تجاوز الحالة التي لم يعِ فيها حجم ما حصل إلا بعد يومين.

جهاد يعمل على تجاوز الجرح النفسي لأنّه يعتبر نفسه من جيل الحرب، وخدم في الجيش خلال فترة الحرب، وبالمقابل يتطلب منه عمله القيام بالتغطيات الميدانية كونه مصوّر حربي، واعتاد على هذه المشاهد، وبما أنّه يقوم بتصوير الأخبار يعرف مسبقاً أنه بأي لحظة قد يحصل معه هذا وأكثر.

ويرى جهاد أنّ الفرق بينه وبين سائق سيارة الأجرة الجريح أنّه قد يعيش في مرحلة نفسية صعبة، لكنّه كمصور صحفي مهيّأً جسدياً ونفسياً للتعرض للخطر أثناء عمله، وهذا الانفجار ليس أوّل حالة يتعرّض لها، وهو مضطر للوقوف والعودة إلى العمل.

 

فابيان عون: رغم الخوف سأبقى

كانت الصحافية فابيان عون في مهمة صحافية في بيروت أثناء الانفجار، وقالت عن تلك اللّحظة: “لم أشعر بألم في لحظتها، وحين أدركتُ أنّ رأسي ينزف لم تقلقني فكرة التشوّه بقدر ما أقلقني احتمال عدم تمكني من العودة إلى البيت لرؤية أولادي وأكمل حياتي معهم”.

أمّا عن الجرح النفسي فهي ترى أنّه يبقى عميق لفترة طويلة، قد يحاول الإنسان تخطّي هذه الأزمة، ولكن الفوبيا متلازمة مع أي شيء قد يكون له صلة بالانفجار، وتقول: “بحكم عملي كصحافية يجب أن أكون في بيروت وفي أي مكان، وإذا رأيت أي دخان أسود أُصاب بالرعب، وربما نقلت هذا الخوف إلى أولادي لأنّي لا أتركهم وحدهم بل أدعهم عند أهلي ليهتموا بهم إذا حدث لي شيء”.

ويتكرر مشهد الرعب عند فابيان حين عاد واحترق المرفأ، وتقول: “حرام أن تصير بيروت جريحة ومنكوبة”.

أمّا عن فكرة الهجرة، فتقول: “فكرة الهجرة بعيدة عنّي تماماً، لأن لايزال لديّ أمل في لبنان وفي بيروت التي دمرت سبع مرات وعادت إلى الحياة، لا أريد الهجرة بل أريد تربية أولادي هنا في لبنان ليروا جمال هذا البلد وأخبرهم عن ذكرياتنا في بيروت”.

هناء حاج

 

هناء حاج

كاتبة وصحافية لبنانية، درست الصحافة في كلية الاعلام والعلوم السياسية في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. عملت في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة في العديد من المؤسسات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى