تعاميم مصرف لبنان… هيكلة أو تعمية؟
على مشارف انتهاء تنفيذ تعميم حاكم مصرف لبنان رقم 154 الصادر بتاريخ 27 آب 2021، أكد بيان لمصرف لبنان الالتزام بالمدة الزمنية للتعميم، والذي يطلب من المصارف اللبنانيّة حثّ عملائها، الذين قاموا بتحويلات تفوق قيمتها الـ500 ألف دولار أو ما يوازيها بالعملات الأجنبية إلى الخارج منذ أول تموز 2017، على إعادة 15% من القيم المحوّلة وإيداعها في حساب خاص مجمّد لمدّة خمس سنوات؛
وفي حال كان العميل المعني أحد رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة المصارف، أو أحد كبار المساهمين فيها، أو أحد الأشخاص المعرّضين سياسياً، أي الذين يشغلون مناصب تنفيذية أو تشريعية أو إدارية عليا في الدولة، فتصبح النسبة التي يقتضي إعادتها وتجميدها لمدة خمس سنوات هي 30% من قيمة التحويلات التي تمّت إلى الخارج.
وينصّ التعميم على أن تُعيد المصارف ضخّ الدولارات في حساباتها لدى مصارف المراسلة بما لا يقلّ عن 3% من مجموع الأموال بالعملات الأجنبية المودعة في المصارف اللبنانية، وزيادة رؤوس أموالها بنسبة 20%.
إلى الآن لا معلومات متوفرة حول عدد المصارف التي التزمت بتطبيق هذا التعميم، إذ أن هناك عقبات جمّة تقف عائقاً أمام العديد من المصارف في تنفيذ مندرجات التعميم، وأهمها تأمين 3% إيداع في المصارف المراسلة ما قيمتها حوالي 3.4 مليار دولار.
أهداف الهيكلة
إنّ أي عملية إصلاح لا تحتوي على هيكلة للقطاع المصرفي هي عملية جوفاء، تبتعد عن معالجة لبّ المشكلة المرتبطة بالوضع المالي والنقدي. وبالغوص في تفاصيل التعميم ودون البحث حول قانونية هذا التعميم من عدمه أو تفخيخه عبر كلمة “حثّ” المودعين، فإنّ شكوكاً عديدة تدور حول فعالية هذا التعميم في تحقيق مبتغاه. ووفقاً لذلك، تُطرح العديد من التساؤلات في هذا الإطار: هل يصلح هذا التعميم في إعادة بناء القطاع المصرفي من أجل انتظام السوق المالي؟ وهل يهدف التعميم إلى بثّ الثقة وتطمين المودعين على ودائعهم؟ وهل الهدف من تكوين احتياطي مصرف لبنان عبر هذا التعميم هو إعادة الاستقرار النقدي وتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار أو الاستمرار في تمويل دعم السلع الأساسية؟
إنّ عملية هيكلة القطاع المصرفي يجب أن تصبّ بالدرجة الأولى في تحقيق هدفين رئيسيين، وهما من أولى أولويات عملية الإصلاح؛ أولهما تحقيق الاستقرار النقدي وتخفيض سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، لما في ذلك من انعكاسات اجتماعية ومعيشية ضرورية في توفير شبكات الأمان الاجتماعي والنفسي والمعنوي، وثانيهما ضمان حقوق المودعين والحفاظ على ودائعهم، الأمر الأساس في إحياء الثقة من جديد في أهم قطاع اقتصادي وشريان الحياة الاقتصادية.
أهمية الهيكلة
إنّ مفاعيل هيكلة القطاع المصرفي لا تقتصر على الجانب النقدي وتنشيط سوق المال، إنّما نتائجها الإيجابية ستنعكس على كافة المجالات، يأتي في طليعتها تصحيح الخلل في المالية العامة بسبب وجود ترابط عضوي عميق بين القطاع المصرفي والدين العام وخدمته. وإنّ عودة المصارف إلى لعب دورها الطبيعي في تحفيز عمليات الاستثمار سيحيي من جديد الدورة الاقتصادية ويفعّل من الماكينة الاقتصادية ويسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وعودة معدل النمو الاقتصادي إلى وضعه الطبيعي، فتنشأ شبكات حماية تربوية وصحية واجتماعية سليمة ضمن السياق الطبيعي للانتظام العام.
متطلبات الهيكلة
– وجود حكومة أصيلة فاعلة: إنّ هيكلة القطاع المصرفي يستلزم توافر مجموعة متطلبات لضمان نجاحها، وأي حديث أو محاولات هيكلة دون وجود حكومة أصيلة فاعلة ومنتجة، توظف عملية الهيكلة في إطار متكامل ضمن خطة اقتصادية ومالية موحدة متعددة الجوانب والاتجاهات، ستبقى في إطارها الغوغائي والإعلامي الفارغ.
– هيكلة الدين العام: وهي من أولى متطلبات وشروط نجاح هيكلة القطاع المصرفي؛ فهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن تقديم إحداها على الأخر، بحيث تشكّل حصة القطاع المصرفي من الدين العام بالليرة حوالي 87%، وإنّ الاستمرار في دفع حصة المصارف من الدين العام دون الدخول في مفاوضات هيكلته ستكون خطوة عرجاء في مسير هيكلة القطاع المصرفي.
– الكابيتال كونترول: إنّ ما يقوّي من عملية الهيكلية هو إقرار قانون “الكابيتال كونترول”، ليكون قاعدة حقيقية لاسترجاع الأموال المنقولة والمهرّبة إلى الخارج، وبذلك تحصل الزيادة الحقيقية في رأس مال المصارف وتكوين ودائع جديدة تكون منصة لتكوين احتياطي حقيقي وليس وهمي من العملات الأجنبية في مصرف لبنان.
– التدقيق الجنائي: كل بنود الإصلاح دون استثناء وفي كل القطاعات يتوقف نجاحها على تطبيق التدقيق الجنائي ومحاسبة الفاسدين لتطهير هذه القطاعات من الغدد السرطانية فيها واستئصالها، وبالتالي التدقيق الجنائي المدماك الأساس للبدء بقطاع مصرفي صافي ونقي ليقوم بدوره الفعال على المستوى المالي والاقتصادي والنقدي دون تشوّهات سابقة فيه.
تمويه وترقيع
إنّ هيكلة القطاع المصرفي هي جزء مترابط من كل؛ لا يمكن فصل أي جزء عن عناصره المترابطة، وإلا يصبح التعميم وما يرتبط بغيره من التعاميم التي تصب في هيكلة القطاع المصرفي حبراً على ورق، أو في خانة البروباغندا الإعلامية لمصرف لبنان؛ وهي ضمن المسار التخديري من قبل سلطات ما زالت تمارس سياسات التمويه والترقيع والتعمية وشراء الأوقات.
د. أيمن عمر