منوعات

هل يستطيع لبنان مواجهة العدو الإسرائيلي زراعياً؟

شهد لبنان حروباً عديدة في الماضي، ومرّت البلاد في مراحل من اللاستقرار الأمني والاقتصادي، كبّدته وشعبه خسائر لا تعوّض. لكن على الرغم من بشاعة هذه التجارب، لم يعانِ المواطن اللبناني مما يعانيه اليوم. ما لم يتمكّن العدو الإسرائيلي من تحقيقه في حرب مُعلنة، حقّقه اليوم بطرق غير مباشرة، وبمساندة الأعداء غير المعلنين للبلاد محلّيًا ودوليًّا.

وفي حين يهيمن الغموض على المخارج التي قد تنقذ لبنان من أزمته، تحاول جهات عديدة استغلال الظرف لتعميق حدّة هذه الأزمة، وإطالة مفاعيلها السلبية على المدى البعيد.

الإجتياح الإسرائيلي الزارعي

تداخلت وكثرت الأسباب والعوامل التي دمّرت الاقتصاد الوطني. ومن أهم هذه الأسباب، هو اعتماد النظام الرّيعي عوضًا عن دعم القطاعات الإنتاجية، القادرة على تأمين النمو الاقتصادي المستدام. ولعلّ أكبر الخاسرين من سوء الإدارة والإهمال الرّسمي، كان القطاع الزراعي، وذلك نظرًا لما وهبنا إيّاه الرّب من ثروات طبيعية يُمكن إستثمارها.

بعد أن ناضل المزارع اللبناني وحيدًا في أرضه، وتمكّن من تصدير إنتاجه، أصبحت المنتجات الزراعية اللبنانية، الأكثر طلبًا في الأسواق العربية، لا سيّما الخليجية. ولكن الإنهيار الحالي بدّد هذا الواقع، وقد تراجع الطلب على المنتجات اللبنانية لصالح المنتجات الإسرائيلية التي تغزو الأسواق.

أسباب التفوّق في الأسواق العربيّة

بهدف مواجهة ومعالجة مشاكل القطاع الزراعي اللبناني، تكشف مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية لموقع “أحوال”، عن نقاط القوّة التي ساعدت العدو الإسرائيلي على التفوّق في الأسواق العربيّة.

فقد طوّر الكيان الإسرائيلي زراعته ورفع من مستوى النوعيّة، من خلال:

  • تطوير الأبحاث الزارعيّة، التي تُعتبر من أهمّ مقوّمات الإنتاج.
  • حصاد المياه وترشيد الرّي.
  • استصلاح مساحات شاسعة للزرع، حيث حوّل أراضٍ صخرية إلى زراعية خصبة.
  • تأمين الإنتاج السليم من ناحية الأمراض والحشرات.
  • زراعة الأصناف المناسبة والمطلوبة للتصدير، فضلًا عن إنتاج الشتول والبذور الجديدة والمحسّنة من ناحية الإنتاج ومقاومة الجفاف.
  • استخدام التكنولوجيا الحديثة في المجالات الزراعية كافة وفي الإنتاج النباتي والحيواني وفي ري المزروعات.
  • تكرير مياه المجارير واستعمال المياه الصادرة عنها للرّي، وكذلك تخمير المواد الصلبة واستعمالها كمواد عضوية لتحسين نوعية التربة وتماسكها لزيادة الإنتاج الزراعي.
  • مراقبة دقيقة لنوعيّة الأدوية الزارعيّة والأسمدة المستخدمة، ولكيفيّة استخدامها من قبل المزارعين.

 هل لبنان قادر على المواجهة؟

أن يتقدّم الكيان الإسرائيلي على لبنان في المجال الزراعي، فهذا لا يلغي إمكانيّته من إستعادة مكانته في الأسواق العربية والخليجية. غير أنّ المواجهة، ستكون مشروطة بجديّة الإرادة لدى المعنيين في سبيل معالجة مشاكل القطاع الزراعي؛ إذ أنّ مشكلة القطاع الأساسية تكمن في البنية الإدارية، أسوةً بالقطاعات الإنتاجية والحيوية الأخرى.

في هذا السياق، يسأل رئيس مجلس إدارة ومدير عام مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة الدكتور ميشال افرام عبر موقع “أحوال”:  “من هو المسؤول عن سلامة الغذاء؟ هل هي وزارة الصحة؟ أو وزارة الزارعة؟ أو الجمارك؟ أو البلديات؟”

ويعتبر افرام أنّ تداخل المسؤوليّات والصلاحيّات، تضيّع البوصلة وتعرقل العمل وتحجب الرقابة الفعّالة. فهناك مديريّات ومؤسسات يجب إلحاقها بالوزارات المعنيّة بها، كما يجب دمج بعضها وإلغاء البعض ويرى افرام، إنّ هذا الخلل الإداري ينسحب ليطال القوانين الأخرى المتّبعة.

ويلفت مدير مصلحة الأبحاث، إلى أنّ أي صنف معدّ للتصدير يخضع للفحص المخبري، فإن كان مطابقًا للمواصفات يتم تصديره للخارج، وإن كان غير مطابق يتمّ استهلاكه في الداخل! فهل بات اللبناني مستهلك درجة رابعة أو خامسة نسبةً لباقي الدول؟ وعن القوانين وعدم تطبيقها، يتساءل افرام، هل تمّت معاقبة أي مزارع بعد أن بيّنت نتائج الفحوصات إحتواء منتجاته على ترسّبات أدوية زارعيّة؟

برأي افرام، يجب تحديد جهة واحدة لمراقبة الاستيراد والتصدير، وجهة أخرى لمراقبة الإنتاج المحلّي. وذلك بهدف توحيد الجهة المراقبة، وبالتالي توحيد الفحوصات المخبرية المطلوبة وحصرها بمرجع واحد.

لبنان مجهّز ومؤهّل للمواجهة

احترف المسؤولون اللبنانيون الإهمال، وتذرّعوا بالتجاهل التّام. على سبيل المثال، أهملوا تسديد موازنة الأبحاث الزراعية اللبنانية، والتي تضاهي بمستواها الأبحاث الأوروبيّة؛ وعمدوا إلى تجاهل وجودها، مراسلين الدول المانحة ومعلنين عن عدم وجود مختبرات في لبنان.

وفي هذا الإطار، يؤكّد الدكتور ميشال افرام على أنّ مصلحة الأبحاث الزراعية قد وسّعت مجالها الجغرافي ومجالها المخبري على الرغم من كل الصعوبات، وأصبح لديها ١٢ مركزًا، و١٢٠ مختبرًا. كما طوّرت فريق عملها الذي يضم ٤٥٠ موظّفًا من باحثين ومهندسين وفنييّن.

انطلاقًا من الخبرات والكفايات اللبنانية المتفوّقة، ومن تمتّع البلد بمناخ متميّز وتربة خصبة ووفرة مياه، يؤمن افرام بأنّ لبنان قادر على ربح المواجهة الزارعيّة في وجه العدو الإسرائيلي، شرط أن نحسن إدارة القطاع.

الأسعار اللبنانية لم تعد منافسة

من جهته، يربط رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك تراجع الطلب على المنتجات الزراعية اللبنانية، بتكلفة التوصيل العالية إلى الأسواق العربية. فبعد إقفال معبر ناصيب البرّي، لجأ المزارع إلى التصدير بحرًا إلى مصر والسعودية، وهي وسيلة مكلفة جدًّا. وعند إعادة فتح معبر ناصيب، فرضت سوريا والأردن رسوماً مرتفعة على البضائع المصدّرة. وبكلا الحالتين، فُتح المجال أمام المنتجات الزراعية الإسرائيلية بالعبور بشكل أسهل وبأسعار منافسة، إذ أصبحت تكلفة الإنتاج اللبناني بما فيها تكلفة التصدير مرتفعة جدًّا.

خسائر ما بعدها خسائر

يشير رئيس جمعية المزارعين، إلى أنّ القطاع الزراعي لن يتمكّن من النهوض في خضمّ الأزمة الاقتصادية والمالية. وكان من الضروري تحصين القطاع قبل الإنهيار، عن طريق إعتماد سلسلة إجراءات؛ تضمن الاستقرار في الأمن الغذائي من جهة، وتسمح للمزارع بتوسيع رقعة المساحات المزروعة وبزيادة حجم إنتاجه والتصدير بأسعار منافسة نظرًا لفروقات العملة، من جهة ثانية.

من هذه الإجراءات التي لم تُتّخذ، كان من المفترض دعم كافة المستلزمات الزراعية بقيمة ١٣٠ مليون دولار على تسعيرة الـ ١٥٠٠ للدولار الواحد، ضمن آلية سهلة. فهذه المستلزمات يتم تسديد ثمنها اليوم على سعر السوق السوداء المتقلّبة؛ الأمر الذي يكبّد المزارع تكاليف وخسائر، نظرًا لسعر المبيع المنخفض نسبيًّا. لذلك يواجه المزارع اللبناني صعوبة في الإستمرار، وعندما يفيض إنتاجه يقوم ببيعه محلّيًّا بأسعار متدنيّة جدًّا، لأنّه لم يَعد يملك من المال ما يكفي للتصدير.

ناريمان شلالا

 

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى