ميديا وفنون

“عقلي وقف” لـ نوال الزغبي… لسّه الأغاني ممكنة

في زمن الصدأ نحتاج إلى الكثير من الوهج فجاءت براقة ذهبية تكسر زنجار الروح.  في زمن العزلة والأفكار الرّماديّة نحتاج إلى من يخرق سكوننا فجاءت ملتحفة بالضّوء واللون تفتح فينا بتلات الفرح.
في زمن المرض والموت الكثير نحتاج إلى من يفكّ ضيقنا فجاءت مطربةٌ متمايلةٌ تزرع أملاً.
هذا الوقت ليس للغناء وليس للتبرّج وليس للأناقة فنحن مخطوفون وسجننا كبير وأسواره على وسع الكون. من هذا الحبس انطلقت نوال الزغبي كفاتحة للحياة تتسربل بأثواب الذهب وتشقّ عتمة البصر وتبتسم كصبحٍ متأخّرٍ تقول لنا “انهضوا من هذه الظلمة، فما زال الحب ممكناً والرقص ممكناً والغناء ممكناً والألوان صاخبة تفرّخ من عمق الإرادة.”.

نوال الزغبي عندما قررت أنّ تفك هذا الضيق الذي يلفنا ويلف الأرض، تسلّحت باليقظة ونهضت تتبرج وتمشط رموشها وتكتسي بأبهى أثوابها وتنفض غبار اليأس عن عينيها، وراحت تلامس الخيال وتغني للحب. وكأنّ بها تريد لنا شفاءً تريد لنفسها مكانةً بأنها قادرة على تغليف عواطفنا بالشغف ونجحت.

خطفتنا من عز وحشتنا. فتحت أسرنا. قالت لنا إنّ الحياة ممكنة وزمن الرخاء قادر أنّ يحط في أحلامنا. جاءت مكسوةً بالذهب لتبصم لقبها حقيقة. فهي لم تتنهد ولم تلوِ عنقها ولم تضعف بل جاءت كموج عاتٍ في أبهى طلة تلامس قلوبنا وتزيح كل خشونة نعيشها. ترسم بشرى وتعيدنا الى زمن انقضى يوم كنا نتأنق ونتبرّج ونلهو ونحلم ونعانق السّماء وندوس زبد البحار.

جريئة نوال الزغبي عندما قرّرت أن تصوّر كليباً  في هذا الزمن تحديداً. ولم تشأ أن يكون أي عمل بل أرادته تحدياً جمالياً في وجه القبح. فتحت الشاشة أمامنا على لآلىء، شاشة لم نعد نشهد فيها سوى أخبار المقت. فتحت عيوننا على غشاوة البريق بعد أن غشتنا غمائم الكدر. خطفتنا في أنوثتها بعد أن نسينا الكحل والغرر المسرّحة.

ليس مهماً ماذا غنت، فهذا العمل أكثر من أغنية إنه رسالة طرحتها في لجة سهونا لتبدد شرودنا وتعيدنا حيث يجب أن نكون في  وسط الطَل، عند شروق الوعد.

نوال الزغبي لم تزل كما هي لم يغيّرها دهر ولم يلوها حزن. عشرون عاماً في الفن، كان لها فيها فصول كثيرة، عرفت كيف تعبر في خريفها وتحمل  منه زاداً لأيامها القاتمة. وعرفت ربيعاً عقدت أزهاره على ثمار يانعة. ودوماً عندما تدخل تعرف قدومها فهي طنانة الأقدام واضحة المعالم فنانة من طراز الإبهار. فنانة تحمل حنجرة مخملية تلون كل الأنغام بخامتها لتبقيها في خانة الشجن.

نوال الزغبي جديدها ” قلبي وقف” يُقدّر، فقد فكّكت غمَنا وأدخلتنا  للحظات في عالم الجمال حيث الوحي صورة وحركة ولون ونغم وموسيقى. وكانت دليل حب وجرعة أمل.

هي كما هي لم يقهرها ضيق ولم يغيرها زمن. عرفت دوما كيف تطوي أحزانها وتعود فراشة طائرة من شرانق الأسى مهما بلغت. وهي اليوم تقود فنّها بصلابة وتنشر عبقه رقّة والحياة حولنا شظف. تتفتح كزهرة نحتاجها بين صخورنا.

 

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى