مجتمع

مزَارع البزاق… أملٌ آخر إلى زوال

زراعة بديلة عن الحشيش في البقاع آلت إلى الفشل

بدأ الاهتمام بمشروع مزارع البزاق في لبنان سنة 2014 بمبادرة من شركة “كنوز الأرض اللّبنانية” ومبادرات فردية أخرى، دَّشن هذا القطاع “المعهد الدولي لتربية البزّاق” في كيراسكو (إيطاليا) وشركة “أورو هيليكس” الإيطالية… اقتضى الاتفاق بأن تستورد إيطاليا الكمية المنتجة من البزاق في لبنان بكاملها سنويًا، ويصل سعر الكيلو غرام إلى خمس دولارات أميركية.

روّج لهذا المشروع في موجة حول مخاطر زراعة الحشيش وتشويه “صورة لبنان” ، فاعتبرت مزارع البزاق من المنتجات البديلة للحشيش خاصة في البقاع.

وقد اعتبر لبنان بلد نموذجي لتربية البزاق، نظرًا لمناخه المتنوّع والمساحات الواسعة المتروكة من الشمال إلى الجنوب والبقاع، لا بل تبيّن للإيطاليين أنّ هذا المناخ ملائم لإنتاج البزّاق أكثر من مناخ أوروبا.

تحمّس المزارعون وتكاثرت المشاريع لأنّ هذه المزارع لا تضرّ بالبيئة وليست بحاجة إلى ترخيص، البزّاق لا يمرض ولا ينقل الأمراض إلى غيره وكلفة الإنتاج قليلة.

لبنان بلد نموذجي لتربية البزاق

ببساطة هذا المشروع أشبه بحلم للمزارع اللّبناني، أن يؤخذ منتوجه بالكامل دون همّ التوزيع والعرض وإن كثرت المزارع لن يكون هناك منافسة ولا فائض في إنتاج البزّاق في ظلّ نمو الطلب العالمي.

في العام 2017، أصبحت 16 مزرعة لبنانية تنتج حوالي الـ 300 طن سنويًا وحاجة الأسواق الخارجية تتخطّى قيمة الإنتاج بألف مرّة. إيطاليا مثلًا تستهلك 48 ألف طنٍ، وفرنسا 375 ألف طنٍ، وإسبانيا 245 ألف طنٍ، واليونان 90 ألف طن… بينما الإنتاج أقل بكثير.

اقرأ أيضًا: زراعة السمك في الهرمل… كنز مدفون بالإهمال

اليوم، تعدّ المزارع الباقية لتربية البزاق على أصابع اليدّ الواحدة وتحدّد ب 2 في زحلة.

من المزارع الباقية، مزرعة “snailand” في زحلة أُنشأت مع حلم الشاب إيلي ورد بامتهان تربية البزاق ففتح أوّل مزرعة له سنة 2017 على عمر الـ 26 سنة.

يقول ورد اليوم: “كنت أطمح بأربعين، خمسين وستين طنّ من التصدير أيّ الكميات التي يتحدثون عنها، رغم صعوبة الوصول لها كنت سأحاول لكنّني لم أرَ أي نتيجة… وعود ووعود ولا أحد يأبى بإنتاجنا”.

 

ما الذي جعل هذه المزارع تتوقف عن العمل؟

مع أن الترويج والتشجيع لهذا المشروع كان واسع إلّا أنّ الوعود كانت شبه باطلة.

إيطاليا مسؤولة عن شراء الإنتاج اللّبناني من البزّاق ولكن الجهة اللّبنانية هي مسؤولة عن تسيير وإيجاد الطريقة الأنسب لتصدير البزّاق.

لشدة الحماس والآمال التي رافقت حملة الترويج للمشروع وبما أنّ المزارع لأوّل مرة يصدّر البزّاق للخارج، هناك معلومات دقيقة يجب أن تذكر.

المعايير المطلوبة لشراء إيطاليا البزاق وهي معايير عالمية ضمنها أن يخضع البزاق للفحص والقياس. هذا الفحص غير موجود في لبنان، بالرغم من أهمية المشروع ورؤيته المستقبلية المبشّرة بالخير، لا يوجد طريقة مهنية أو محاولة لإتقانها من قبل الإختصاصيين اللّبنانيين للمتابعة وإنجاح هذه المزارع.

أمّا في التصدير، لا يمكن أن يُصدّر البزاق بحرًا لأنّه يموت اذا طال الوقت به، الطريقة الأنسب للتصدير هي جوًّا في الطائرة.

وبما أن المشتري الإيطالي يريد أن تكون المعايير موجودة لا يمكن أن تدخل البضاعة فورًا لبلاده لأن إيطاليا فقط مُستهلِكَة، فتمرّ ببلد متخصّص بالبزاق مثل اسبانيا للخضوع للفحص ومن ثمّ يذهب البزاق بعد الموافقة إلى إيطاليا.

وبالتالي دخلت العمليّة بدوامة الحلول الأخرى ومنها اذا كان البزاق مطبوخًا، معلّبًا (غير حيّ) وهذا ما يكبّد كلفة جديدة. زمنها أيضًا حلّ التصريف المحلّي الذي يعدّ محدودًا بعض الشيئ، لأنّ المستهلك اللّبناني قد اعتاد على البزاق البلدي (الأسود أو الأبيض) وسعر الكيلو غرام بين ال 5000 ليرة إلى 10000 ليرة لبنانية بينما سعر الكيلو غرام البزّاق الإيطالي هو 35000 ليرة لبنانية.

كلّ هذه العقبات التي واجهت المزارع عند التصدير لم تكن متوقعة، والدولة التي لم تعر هذه المزارع الاهتمام اللّازم، لم تحدّد ولم تنظّم كيفية سير العملية ولا حتى ادخال هذه المزارع ضمن هيكلية رسمية ولم تساعد في التصدير.

تلقت مزارع البزاق عرض من شركة طيران الشرق الأوسط  لنقل البزاق بسعر خاصّ إلّا أنّ هذا العرض لم يكن كافيًا أمام باقي المعرقلات.

وبالإضافة إلى كل ما سبق، قد يكون لأزمة الدولارالحديثة أثر على طروحات التصدير، حالُها حال جميع الأصعدة ولكن المشكلة موجودة وأتت هذه الأزمة لتلفلف على ما تبقى من أمل لدى مربّي البزاق.

مرة جديدة، فرصة نجاح كان يمكن إتمامها لو تمّ الاهتمام بتربية البزّاق لَكُنَّا ساهمنا بشكل مباشر في دعم الاقتصاد الوطني الراقد خاصة أنّها طريقة لضخّ العملة الصعبة في البلد والمستهلك ينتظر.

 

ماري لو بيضون

 

 

ماري لو بيضون

صحافيّة وناشطة نسويّة حائزة إجازة في فنون التّواصل والصّحافة من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى