سياسة

فقدان التوازنات الإقليمية والدولية يوصد الأبواب أمام الحكومة

ثمّة حاجة ملحة لتعطيل شروط التعطيل والتنازل على طاولات التشاور الحكومي عاجلاً

الفراغ والمراوحة والتعطيل توصيفات عديدة تتلبّس الحال السياسي اللّبناني الذي ينزلق إلى مزيد من التعقيدات البالغة الصعوبة. وهذه الحال من أحوال البلد المتضخم بالأزمات وأسوأ أزماته الطبقة السياسية المتحاربة على أساس الحصص والطموحات الشخصية والعمل على قاعدة “غالب ضد مغلوب” بين أطراف تشكيل الحكومة العتيدة. ويزداد التأزّم شراسةً مع انعدام التوازن في المناخات الدّولية والإقليمية حيث يبلغ التشنّج الأميركي أوجّه في العالم مع رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب التسليم بخسارته في الانتخابات، والتباين الكبير بين واشنطن وباريس فيما ينأى العرب بأنفسهم عن لبنان بانتظار تظهير الاتجاهات الجديدة لهذه الإدارة في المنطقة.

يدخل الرئيس المكلّف سعد الحريري الأسبوع الرابع منذ تكليفه في 22 تشرين الأول الماضي، وهو مكبّلاً بمروحة من الشروط التعطيلية التي يحمّله الفرقاء السياسيين شخصياً جانباً منها. وبعد تعطيل المبادرة الفرنسية وفشل المحاولات الفرنسية لرأب الصدع في جدار التباينات حول تشكيل الحكومة تتجوّل في بواطن الدور السياسية العاملة على خط التأليف أنّ “ثمّة حاجة ملحّة لتعطيل شروط التشكيل والتنازل المتبادل على طاولات التشاور الحكومي بشكل عاجل”، بحسب ما تُفيد مصادر مطلعة.

تعزّز هذه الاتجاهات الجديدة في مقاربة “التنازل” لتسهيل التشكيل، المخاطر والغيوم السوداء التي تتراكم في سماء المنطقة وتُنذر بمنعطفات خطيرة، سيكون لها مضاعفات على الوضع اللّبناني تزيد “الطين بلّة”. وفي هذا الاتجاه نشطت الاتصالات على خطوط عدة لتطويق مخاطر اتساع الاختلاف وتليين التشنجات بين القوى السياسية.

وفي مسار الرغبة في تجاوز العقبات أجرى رئيس المجلس النيابي نبيه بري سلسلة اتصالات مع الرئيس المكلف و”حزب الله” وبين الحريري وبعبدا فيما تواصل “حزب الله” مع “التيار الوطني الحر”. والكلّ تشارك الرغبة في الإسراع في تشكيل الحكومة فيما تراوح تفاصيل الحقائب والأسماء مكانها في صرّة العُقَد.

وعلى طريق تفكيك فتائل الأزمة تُفيد مصادر مطلعة أنّ بري، لم يعد بوارد التفرّج على المراوحة وترك تكبير حجر عثرة الشروط المتبادلة لأنّ  الزمن لا يرحم وهو بصدد التحرّك بشكل ضاغط باتجاه التأليف قبل نهاية الشهر الحالي”. وكان بري قد أسرّ بخطوته هذه للموفد الفرنسي باتريك دوريل الذي غادر إلى بلاده حاصداً “الخيبة”. ولم تتبيّن طبيعة المبادرة التي يخطّط لها بري وما هي فرص نجاحها في حلّ الأزمة، وهو أبدى للمتصّلين به عدم ارتياحه للمعلومات التي تتصل بفحوى المداولات الجارية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف.

إلّا أنّ خطط بري تبدو حتى الآن “مكبّلة بنفس الأسباب التي تدور في الحلقة المفرغة ذاتها حيث أنّ البحث بالمفرّق وليس بالجملة في الحقائب والأسماء التي يطرحها الحريري ويرفضها عون”، بحسب مصادر مطّلعة.

وأخذت المصادر على الحريري تمسّكه بتسمية الوزراء وعدم قبول اقتراحات عون وباسيل أسماء للتوزير ما يزيد من المراوحة سلبية. فيما يصر المقرّبون من الحريري على أنّ ما يقوم به الرئيس المكلّف هو الالتزام بالمبادرة الفرنسية وشروطها، وتأليف حكومة اختصاصيين تنفّذ الإصلاحات، أما الحديث عن المعايير المختلفة في تشكيل الحكومة فهو ذريعة للمعرقلين”.

وعلى خط التباينات الدّولية والتشدّد الأميركي حيال لبنان في مقابل الإصرار الفرنسي على التوصّل إلى حلّ يعيد صورتها في المنطقة ويمهّد لشراكتها الاقتصادية في استثمار المرفأ والنفط ومشاريع الطاقة، وسط ذلك يدخل عامل العقوبات على خط التأليف، ووفق ما تقول مصادر “لا يمكن لأيّ طرف أن يسقط من حساباته صدور عقوبات أميركية جديدة على شخصيات لبنانية في الفترة المقبلة، كما أنّ فريقاً آخر من القوى السياسية يتخوّف من أن تشمله العقوبات. وبالتالي، هو يأبى الإقدام على أي خطوة قد لا تتلاءم مع الموجة الدّولية”. وفيما يبدو من تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أنّ الإدارة الأميركية الحالية تريد تُكثيف ضغطها في اتّجاه حزب الله قبل تسليم مفاتيح البيت الابيض للرئيس المنتخب جو بايدن وكي تُصعّب مهمة الإدارة الجديدة في ملف التعاطي مع إيران وحلفائها في المنطقة. وهي في هذا الإطار سجلت إصرار السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا خلال تواصلها مع الرئيس المكلّف على تكرار رفض بلادها أي مشاركة لحزب الله في الحكومة، سواء عبر حزبيين أو اختصاصيين يسمّيهم الحزب.

وفي إطار الاتصالات الدولية حول لبنان، دخل الكرملين عبر نائب وزير الخارجية الروسية مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السيد ميخايل بوغدانوف على خط الاتصالات، وتواصل مع رئيسي تياري “المستقبل” و”الوطني الحر” طالباً التنسيق والتعاون بين جميع القوى السياسية اللّبنانية والكتل البرلمانية لتخطّي الصعوبات والانطلاق في عمل الحكومة لانتشال لبنان من أزماته”. فيما يخطّط وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف للقدوم إلى لبنان دون تحديد موعد ثابت للزيارة.

ووسط التخبط الدولي حول لبنان، يبدو أنّ طلاقاً عربياً يتنامى مع غياب الاتصالات الفاعلة من الدول العربية لا سيّما مصر ودول الخليج، سوى التواصل اليتيم مع العراق. حيث أبدى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في لقاءات عدة مع زوار لبنانيين رغبته في التعاون لمساعدة لبنان لا سيّما في موضوع النفط وتزويده بالنفط بأسعار مخفضة مع تسهيل عمليات الدفع. لكن بالرغم من ذلك فإنّ غياب التغطية العربية فإنّ أي تسوية داخلية لن يكون بوسعها الصمود طويلاً، فالأموال العربية والمساعدات لن تتدفق إلى لبنان لتمويل المشاريع حتى لو عقدت المؤتمرات الدولية في باريس وغيرها، كما تفيد المصادر.

التعطيل والتعنّت، رغم المخاطر ومعاناة اللّبنانيين تحت سقف “جهنّم” الانهيار الشامل، تظهر أنّ هناك من ينتظر المتغيّرات الدولية بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة حكم البيت الأبيض وانعكاساتها على العلاقات الأميركية – الإيرانية، رغم أنّ دور لبنان ليس أولوية على جدول أعمال الرئيس الجديد الذي سيواجه قضايا داخلية صعبة من إرث سلفه عليه التعامل معها، إلّا أنّ في الداخل من يريد ترك اللّبنانيين رهينةً للمحاور الإقليمية والدولية وتحوّلاتها.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى