اقتراح قانون لـ “لبنان القوي”: نيّة بالإصلاح أم تسجيل نقاط؟
يشهد مجلس النواب في الفترة الأخيرة حركة ناشطة على صعيد تقديم اقتراحات قوانين من مختلف الكتل يتعلّق معظمها بالوضع القائم في لبنان وتداعياته المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية والصحية. فيما اللّبنانيون الفاقدون للثقة بدولتهم والطبقة الحاكمة فيها، يسألون ما جدوى إصدار مزيد من القوانين؟ أليس الأجدى البدء بتطبيق القوانين السارية المفعول؟! وهل لدى الكتل السياسية النيّة بالإصلاح أم فقط التسابق لتسجيل النقاط ومراكمة النشاط التشريعي؟!
في هذا الإطار، قدّم تكتّل “لبنان القوي” اقتراح قانون “الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة” في كلّ إدارات الدولة ومؤسساتها وكلّ المؤسسات التي تتعامل بالشأن العام أو بالمال العام. يلزم هذا القانون المؤسسات الدستورية والإدارات والمؤسسات العامة وكلّ من يتعامل بمال عام أو يفيد منه أو من أي امتياز ممنوح له بموجب القانون، الإفصاح عن كلّ البيانات والمستندات ونشرها على شبكة الإنترنت وعلى موقع الإدارة المعنية خلال شهر تحت طائلة المحاسبة القانونية. يعتبر “التيار الوطني الحر” أنّ هذا القانون سيشكل فور صدوره مدماكًا جديدًا يضعه التكتل في عمارة بناء الدولة واستعادة الثقة بعد مجموعة اقتراحات قوانين له في إطار مكافحة الفساد.
هل تكفي “الشفافية” لمحاربة الفساد؟
الشفافية أمر إيجابي يتيح للمواطنين الإطلاع على المعلومات المنشورة، لكنّها لا تكفي وحدها لمنع الفساد والاستفادة من المنصب لأنّ عمليات الفساد واستغلال السلطة لا تكون مكتوبة ولا تدخل في المحاضر والمداولات المدوّنة وهي خفية ضمنية لا بل في الكثير من الأحيان مقوننة أو مبنية على تفسيرات للقوانين مدعّمة بقرارات من بعض الجهات الرقابية المحسوبة على المرتكب تجيز حصولها بناء على تفسيرات عوجاء للقوانين والإجراءات في طلب الزعيم الفاسد.
فلننظر كيف لا يمكن للشفافية عبر هذا القانون المقترح أن تحلّ إشكالية التلاعب في وزارة الطاقة والمياه على سبيل المثال:
1- لا يمكن للشفافية أن تلغي نية الوزير بتخطي إدارة المناقصات وإجراء المناقصة في وزارته، مبرّرًا أنّها تجري لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، وآتيًا بتفسيرات وتبريرات لا تمرّ على مطلع.
2- يمكن تصميم دفتر شروط على قياس شركات معيّنة ووضعه علنًا على الإنترنت مع علم مسبق بأنّ هذه الشركات ستكون هي الرابحة مثل دفاتر شروط عرضت في السابق مع مهل زمنية وشروط تقنية تحتّم ربح شركة “كارادينيز” في مناقصة البواخر. ولا يقدم نشر هذا المستند ولا يؤخر في النتيجة. وهذه عمليًا صفقة مشبوهة بالمضمون لكن مقوننة وشفافة بالشكل.
3- لا تمنع الشفافية والإفصاح الوزير من أن يتأخر في رفع مناقصة الفيول إلى مجلس الوزراء كي يختم التمديد التلقائي بعد نفاذ مدّة إبلاغ الشركات بفسخ العقد وإعطاء مدّة زمنية لإجراء مناقصة جديدة عبر إدارة المناقصات.
4- كيف يمكن للشفافية ونشر المعلومات أن تجعل الوزير يتقدّم بتعيين هيئة ناظمة للكهرباء من دون أن يحاول تعديل قانون تنظيم القطاع لإلغائها والتحكّم بالقطاع بنفسه؟
5- يمكن نشر شروط تراخيص لمقدّمي خدمات أو معامل إنتاج مفصلة على قياس شركات معيّنة ومن دون التأثير على النتيجة والاعتراض من قبل المتضررين يأتي بصرف النظر اذا كانت المعلومات منشورة أو غير منشورة.
أوّل الغيث: تنظيف القطاع العام من المحسوبين
هذا القانون يسهل الوصول إلى المعلومات والمراجعات لكنّه لا يلغي الحاجة لتطبيق قانون المحاسبة العمومية وإقرار قانون الشراء العام بصيغة لا تتعارض ومبادئ قانون المحاسبة العمومية من ناحية الجهات المعنية بالمناقصات كإدارة المناقصات، كما لا يلغي النوايا الفاسدة التي تجد لها ألف طريق وطريق لتبرّر أفعالها ضمن مراسلات ومداولات مقوننة من قبل أزلامها في السلطة.
مصدر متابع للمبادرات والخطوات المتعلّقة بمكافحة الفساد يقول لـ”أحوال”: “اذا كانت النيّة بمحاربة الفساد جدية، فلنبدأ بتنظيف القطاع العام من المحسوبين وإقرار وتطبيق قانون آلية التوظيف في القطاع العام بالبدء بتطبيق قانون المحاسبة العمومية الحالي، حينها يصبح لهذا القانون المقترح وقعًا فعالًا”.
كما يتوقف المصدر عند ما تضمنته بعض المواد التي وردت في اقتراح قانون تكتل “لبنان القوي” بشأن “الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة” ويسأل:
– مما تنص عليه المادة 3 أن “آراء مجلس شورى الدولة عندما يرى منفعة علمية منها” تعتبر بيانات، فلماذا فقط عندما يرى منفعة منها؟ هل هناك قرارات لا منفعة منها أم أنّ الوزير ينشر القرارات التي تناسبه ويحتفظ بالّتي لا تناسبه؟
– تنص المادة ذاتها على اعتبار من بين البيانات “القرارات الصادرة عن مجلس الشورى بعد موافقة الإدارة المعنية”، لماذا موافقة الإدارة على النشر؟ هل لاختيار ما يناسبها وحذف ما تريد تجنبه؟
لطالما شكّل لجوء أهل السياسة في لبنان إلى ما أسموه “الغموض البنّاء” في العمل التشريعي وخلق التباس لفتح الباب على اجتهادات “غب الطلب” مدخلًا في كثير من الأحيان لتفريغ القوانين من مضمونها أو تحويرها، لذا المطلوب انتفاضة تشريعية ترتكز على الشفافية والوضوح التام في القوانين للحدّ من “الغموض الهدّام” عمليًا والتخبط في الاجتهادات.
جورج العاقوري