كابتن “النبيذي” التاريخي حبيب كموني لـ”أحوال”: إدارة “النجمة” لم تحفظ كرامتي!
كموني: البرازيلي "بيليه" قال لي "مرحبا يا قائدي".. ومباراة "أرارات" يوم من عمري
شاءت الظروف أن يولد “حبيب كموني” في السنة التي تأسّس فيها “نادي النجمة” عام 1945، كما شاءت أن يصبح فيما بعد لاعبًا فذًّا وقائدًا لـ”النبيذي” في عصره الذهبي فترة السبعينات.
بداية كموني مع الكرة المستديرة كانت في ملاعب الأحياء الشعبية، ويروي قصته لـ”أحوال” قائلًا: “بدأتُ اللعب في سنّ صغير بمركز الهجوم مع فريق من الطيونة تابع للأستاذ “جلال علامة”، إلا أن شقيقي تعرّض لاحقًا لعارض صحي جعلني أتوقف عن اللعب لفترة طويلة”، مضيفًا: “ولكن عد ذلك، طلب مني أحد الأصدقاء أن أشارك فريقه اللعب في منطقة الشياح، ومع أنني كنت غير مقتنعًا في البداية، إلا أنني وافقت بعد أن أخبرني أنني سأكون في خط الدفاع، وقد وجدت حقًا متعة باللعب في هذا المركز وأصبحت أتقن فن قطع الكرة وتمريرها من دون تشتيتها كيفما اتفق”.
ويتابع كموني: “مع مرور الأيام، كان إبراهيم شاتيلا “الكويّس” يتردّد إلى الملعب، وأظهر إعجابه بمهاراتي وموهبتي حتى أنه راح يقدّم لي الهدايا الرمزية وهي عبارة عن “شورت وتيشرت”، كما أنه طلب مني أن أوقّع على كشوف نادي النجمة والمشاركة في تمارين فريق الشباب، وقد حصل هذا الأمر فعلًا عام 1963 وكنت في قمة السعادة آنذاك”.
من هنا، يضيف اللاعب كموني: “لعبتُ مع الفريق الثاني الذي كان يخوض بطولة الشباب، وكنت في الوقت عينه احتياطيًا في الفريق الأول، ومع مرور الوقت حملتُ شارة القيادة ولم أتخلّ عنها حتى اعتزالي عام 1978، سواء مع “النجمة” أو مع “المنتخب الوطني”، وما كان يميزني عن باقي اللاعبين هو أنني كنتُ أخلد إلى الراحة عقب مباراة الأحد حتى ظهيرة يوم الثلاثاء، وهو موعد التمرين، فأقضي كل وقتي في المنزل بعيدًا عن السهر والحفلات وما شابه”، مشيرًا بالمقابل إلى أنه لعب في مركز “حراسة المرمى” للعبة كرة اليد، “لذا كانت لياقتي عالية وردّة فعلي أمام المهاجمين سريعة وخاطفة، واللافت هنا أنني تركتُ الملاعب بلا إصابات، وتمكنت من تقديم مباريات على مستوى عالٍ جدًا مع “النجمة”، وخصوصًا في رحلاتنا الخارجية، وهذه المباريات للأسف لم يستمتع الجمهور بمشاهدتها”، بحسب قول كموني.
من جهة أخرى، يشير كموني إلى أنه قبل استلام الحاج “عمر غندور” زمام الأمور في النادي، حصلت انشقاقات بين اللاعبين في زمن الرئيس “جميل حاسبيني”، ومع وصول غندور كانت لـ”كموني” وقفة احتجاجية على الأمور الحاصلة والتي سبقت تسلمه سدّة الرئاسة، إلا أن الرئيس سرعان ما استدعى كموني إلى مكتبه وطلب منه مساعدته لإنقاذ الفريق المهدّد بالسقوط إلى الدرجة الثانية بعد أن تقديمه الإستقالة، “وبالفعل كنتُ ممّن ساهموا في توحيد الصف، حيث شبك اللاعبون والجهاز الفني أيديهم ببعضها، واستقدمت بعض اللاعبين أمثال محمد حاطوم و”التكي” وغيرهما، واستطعنا تجاوز الأزمات فبدأت رحلة المجد والبطولات والملاحم الكروية منذ ذلك الوقت، حتى بات النجمة “الرقم الصعب” الذي لا يمكن تجاوزه مهما كانت الظروف، فأصبح “الاتحاد اللبناني لكرة القدم” يعمد إلى إلغاء البطولة أو عرقلة مسيرتها عندما يستشعر أن “فريق النجمة” سينتزع اللقب ويميل لمصلحة “الهومنتمن” و”الراسينغ”، ولكنه كان يعي شيئًا فشيئًا أن الفريق البيروتي يقف خلفه جمهور هو الأكبر، كما يمتلك قاعدة لا يمكن كسرها بسهولة”، وفقًا لـ”كموني”.
ومنذ تلك النقطة، يتابع كابتن “النبيذي”، “انطلقنا وحققنا البطولات وصنعنا الأمجاد التي عاشت على إرثها الأجيال المتعاقبة، إذ كان فريق السبعينات هو حجر المدماك الأساس، وأنا شخصيًا كنتُ من اللاعبين الجديين والمخلصين للقميص الذي ألعب له حتى مع باقي الفرق التي كانت تستعين بي”، مضيفًا: “وفي هذا الخصوص أذكر أن فريقًا مجريًا زار لبنان مطلع السبعينات، ولعب أربع مباريات أمام النجمة والصفاء والراسينغ والهومنتمن خلال أسبوع واحد، وكنت متواجدًا في هذه المباريات كلها لدرجة أن مهاجمهم الشهير تعجّب وسألني “مع أي فريق تلعب تحديدا؟”.
حبيب كموني المدافع الذي أطلقت عليه الجماهير لقب “السد”، كان يسجل الأهداف أيضًا ويصنعها، ويذكر تمامًا المباراة أمام فريق “السلام زغرتا” التي كادت أن تنتهي بالتعادل السلبي بعد أن صمد لاعبو الفريق الخصم طوال الوقت، ولكن كموني أثلج صدور الجماهير حين ترك خط الدفاع وسجّل الهدف الوحيد؛ حتى أن الجمهور كان يحبس أنفاسه حين يتقدم حبيب إلى الأمام وينتظر لحظة عودته إلى خط الدفاع.
عرض سعودي
تلقى كموني عرضًا للاحتراف في المملكة العربية السعودية عام 1969، حيث يقول في هذا الصدد: “لعبنا مباراة كبيرة أمام النصر في الرياض، وقبل المباراة بيوم واحد، ظهر نجم الفريق السعودي “سعيد غراب” على صفحات الجرائد وهو يشير بيده بالثلاثة في إشارة منه بتسجيل ثلاثة أهداف، ولحظة دخولنا أرض الملعب قال أحد إداريينا “إذا كان لديكم غراب، فلدينا صقر”، أي أنا، وبالفعل إستطعت أن أحدّ من خطورته بل “لجمه” تمامًا، لتنتهي المباراة بالتعادل السلبي”.
من هنا، يضيف كموني أن إداريي النصر عرضوا عليه بعد تلك الحادثة التوقيع على كشوف الفريق مقابل 17 ألف ليرة شهريًا، كما وعدوه بتأمين وظيفة في مؤسسة الشرطة، إلا أنه رفض العرض، “ربما حبًا بنادي النجمة ووطني لبنان، علمًا أنني كنت اتقاضى 4 آلاف ليرة سنويًا من عملي كمدرس للتربية البدنية والرياضية في مدارس بيروت”.
محاولة الرشوة
في مطلع السبعينات، كان فريق “النجمة” يحتل مركزًا متوسطًا في ترتيب الدوري العام، وكان فريق الهومنمن بحاجة للفوز في آخر لقاء حتى يضمن إحراز اللقب، لذا أرسلت إدارة الفريق الأرمني شخصًا يُدعى “آرا”، قال لـ”كموني”: “نريد المباراة يا كابتن، وقد تم الإتفاق مع باقي زملائك ولم يبق إلا أنت، حيث أخرج “شيك” مصرفي موقع، قائلًا: “أكتب المبلغ الذي تريده”، فقلت له “لو وضعت الرقم الذي أريد واخفيت الشيك في جيبي وانقضى الأمر، فهل ستقبلني في فريقك لاعبًا في الموسم المقبل لو تم حل التواقيع وأردت الرحيل عن “النجمة”؟، لافتًا إلى أنه قصد بسؤاله أن يحرجه، في حين قال “آرا” وهو مرتبك: “كل أمر على حدة يا كابتن”، فقلت: “من اشتراك اليوم سيبيعك غدًا.. عذرًا أنا لا أقبل شيكات ولا رشاوى”، علمًا أن يومها خرجا متعادلين وذهب اللقب لمصلحة “الراسينغ”.
ملحمة أرارات
كانت المباراة أمام “ارارات”، بطل الاتحاد السوفياتي عام 1974، من “الملاحم” الكروية الخالدة في تاريخ “النبيذي”، ومن المحطات المهمّة في مسيرة كموني، الذي يقول: “استبسلنا في الدفاع عن منطقتنا أمام لوحة الجمهور الرائع الذي واكبنا، وأذكر تمامًا ما قاله لي رئيس نادي الهومنمن “سركيس سركيسيان” قبل اللقاء، بأنه سيطلب من لاعبي الفريق الضيف أن يكتفوا بتسجيل 6 أهداف في مرمى النجمة، فأجبته نحن سنؤدي واجبنا بكل شرف ورجولة والباقي على الله”، مضيفًا: “ويومها زحفت الجماهير الأرمنية لتشجع “ارارات” ضدنا، ولكنها خرجت غاضبة من النتيجة، فألغى سركيسيان حفل تكريم الضيوف بعدما أحضر قالب حلوى ضخم، على شكل جبل ارارات الشهير”.
رفقة “الملك” بيليه
ومن الذكريات التي لا تُمحى من ذهن كموني، المباراة أمام منتخب جامعات فرنسا في 6 نيسان/أبريل 1975، حيث يقول اللاعب لـ”أحوال”: “زارنا يومها “الجوهرة السوداء” بيليه، ولعب في حراسة المرمى مدة 10 دقائق، ثم تحوّل إلى الهجوم قبل أن يغادر المباراة في الشوط الأول”، مضيفًا: “وأذكر تمامًا قبل دخولنا إلى أرض الملعب، حين قال لي “الملك” بابتسامة عريضة “مرحبا يا قائدي”، فاللعب إلى جانب أسطورة كرة القدم أمر يدعو إلى الفخر والاعتزاز”، بحسب تعبير كموني.
“الخروج المر”
أما عن رحلته مع المنتخب الوطني، فيقول كموني: “حملتُ شارة القيادة لسنوات طويلة، وكنت القائد الدائم للمنتخب في كل مبارياته، حيث خضنا العديد من اللقاءات التي لا تُنسى، كان أبرزها أمام منتخب العراق في تصفيات كأس العالم، ويومها فزنا بهدف نظيف على ملعب بلدية “برج حمود”، وخسرنا إيابًا في بغداد بالنتيجة عينها، وبعدها تحامل علينا الحكم القبرصي بشكل فاضح في المباراة الفاصلة في تركيا وخسرنا 1-2”.
ويتابع كابتن “النجمة”: “ومن أبرز الذكريات أيضًا، كانت الرحلات إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في بطولة كأس رئيس الجمهورية السنوية، ولكن الذكرى السيئة التي قصمت ظهر البعير هناك كانت في المباراة أمام كوريا الجنوبية عندما أقدم المدرب “جوزف نالبنديان” بإخراج المهاجم “حسن شاتيلا” وإدخال اللاعب “ساكو” غير الحاضر بدنيًا، ما أدى إلى خسارتنا المباراة”، مضيفًا: “وهنا كان لي موقف صارم بعدها، وفي السنة التالية لم يتم استدعائي إلى المنتخب فتحدثت مع إدارة النجمة حول استبعادي ولم يرق لهم الأمر، فقالوا لن نتهاون مع إدارة المنتخب ولن نقدم لهم اللاعبين في حال لم تكن من عدادهم “يا حبيب”؛ ولكنني تفاجأت بعد أسبوع أن إدارة النجمة سمحت لزملائي بالالتحاق بالمنتخب وأنا لست من ضمنهم، وفي آخر تمرين على ملعب المنارة عام 1978، أبلغت المعنيين بأنني لن أعود مجددًا إلى هذا الملعب وهكذا كان”، ليتابع كموني قائلًا: “بعدها تواصل معي الإداري “سمير العدو” وحاول إقناعي بالعودة عن قراري، إلا أنني رفضت بسبب المعاملة السيئة التي عوملت بها، فأنا لم اتقاضَ أي بدل مالي خلال مسيرتي كلها، بل خرجتُ مديونًا بعشرة آلاف ليرة”.
“العطاء والإنكار”
يعتبر كموني أن كرة القدم أعطته حب الجماهير وصنعت له “إسمًا”، حيث ما زال الجميع يتذكره ويشيد به أينما حل؛ فهذا هو المجد الحقيقي حسب رأيه من غير الالتفاف إلى الأمور المادية التي لم تكن تعني له الكثير، “فكرامة المرء هي فوق كل إعتبار” وفقا لـ”كموني” الذي يقول لـ”أحوال”، وفي عينه دمعة وفي حلقه غصة: “للأسف، إدارة النجمة لم تحفظ لي كرامتي وأنكرتني بعد قراري بالابتعاد عن كرة القدم، ولم يتم تكريمي بمباراة تليق بلاعب خدم ناديه بتفانٍ وبدون بدلٍ مادي لسنوات، وحمل شارة القيادة منفردًا في النجمة والمنتخب”، مؤكدًا أنه لم ينقطع عن المباريات والتمارين إلا يوم زفافه، إذ كان يذهب إلى الحصص التدريبية بـ”السرفيس” ومن جيبه الخاص، ليختم كلامه بالقول: “أحمد الله أنني بعد فترة هاجرت إلى كندا ثم الولايات المتحدة، وأمّنت مستقبل أولادي، وهذا كل ما كان يهمني في الحياة”.
سامر الحلبي