الحكومة العتيدة تراوح مكانها وحركة وسطاء دون بركة
الراعي يستأنف اتصالاته وعون والحريري على موقفهما من معاييرهما
لم تحمل الأيام الأولى من السنة 2021 الجديدة مستجدات يُبنى عليها في المناخ السياسي المرتبط بتشكيل الحكومة. الحركة السياسية تراوح مكانها، ولا يبدو أن دماءً جديدةً تدخل دورة الحياة السياسية للعام الجديد، وتدخل الملفات اللبنانية بتركتها الثقيلة مع هول المشهد الوبائي وانزلاق لبنان سريعاً، بعد عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، نحو كارثة غير مسبوقة صحياً.
ينتظر اللبنانيون أن يبدأ هذا الأسبوع ببدء ترتيب أولويات الملفات التي تتطلب معالجة عاجلة قبل بدء العد التنازلي لمرحلة جديدة من الانهيار والتقهقر، رغم أن عطلة الأعياد لم تُسجل أي مؤشرات إيجابية لا سيّما فيما يتعلّق بملف تشكيل حكومة جديدة مهمتها لجم التدحرج. ولم يصدر عن الرئيس المكلف سعد الحريري خلال رحلته لعطلة الأعياد خارج لبنان ما يوحي بأن معضلة تشكيل الحكومة كانت على جدول أعماله، والرجل الذي أعلن عن زيارة عائلية التزم الكتمان ولم يرشح عنه، بخلاف توقعات البعض، ما يُفيد عن حصول أي اتصالات أو لقاءات لتحريك مياه الحكومة الراكدة.
رئيس تيّار المستقبل يُمسك ورقة التكليف كسلاح دستوري منحه اتفاق الطائف لرئيس الحكومة دون مهل ولا قيود، وهو عاجز حتى هذه اللحظة عن أن يعدل في إرضاء حزب الله وواشنطن في تشكيل الحكومة لذا يُبني على سلاح التأليف ضمانةً لحضوره في أي تسوية مرتقبة في أواخر الشهر الحالي لضمان موقعه في الجمهورية. فيما يتمسّك رئيس الجمهورية ميشال عون بمعايير التأليف التي وضعها لا يتنازل الحريري عن تقديمه تشكيلة اختصاصيين وينتظر موافقة الرئيس عليها.
ولا تسقط من مآلات الحريري ورقة العقوبات التي يروّج أنها ستطال في جانب منها مقربين منه في السياسة والأعمال والإدارة، وأمام هذه التصورات وبانتظار مرحلة جديدة من تاريخ الصراع والتسويات في المنطقة مع وصول بايدن متوجاً في المكتب البيضاوي تبقى الحكومة اللبنانية معلّقة.
ومن تركة العام الفائت يرتسم القلق حول الملف الحكوميّ مع مراوحة الشروط والشروط المضادة مكانها بين طرفي التأليف دون تراجع أو تنازل لتسهيل التشكيل. وفي عطلة رأس السنة خرق الجمود الحكومي مداولات حول مسألة المطالبة برفع عدد الوزراء في كواليس حلقات سياسية عدّة ما يطرح تساؤلات حول طبيعة المرحلة التي ستلي عودة استئناف المشاورات والمفاوضات الحكومية وانتقال الكباش من دائرة اختيار الأسماء وتوزيع الحقائب إلى الجدل حول حجم الحكومة. تكبير حجم الحكومة هو بالنسبة إلى نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش “تخريب للحكومة” وتعقيد للتمثيل الدرزي، وهذا التمثيل اعتبره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط “مشاركة لا قرار لنا فيها” نافضاً يده من المشاركة في الحكومة الجديدة وداعياً فريق الممانعة إلى تحمّل مسؤولياته كاملة “اليوم ورياح المواجهة تهب من كل مكان”.
الوساطة التي بدأها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قبل موسم الأعياد لم تمت بعد بحسب مصادر مطلعة، وعلى الرغم من أنَّ الراعي “عاتبٌ” و”مستاءٌ”، كما تعكس تصريحاته، على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من عدم “شفافية” وضعه في أسباب عرقلة تشكيل الحكومة إلا أنَّ لم يتخلَّ عن وساكته ولم يستسلم لليأس بل سيبدأ في الأيام المقبلة بسلسلة اتصالات يطرح خلالها “بعض المخارج حول الأسماء والحقائب التي يختلف الطرفان عليها”. ومن المعلوم أنَّ الخلاف الأخير قبل الأعياد تمحور حول حقيبتي الداخلية والعدل اللتين وضعهما الحريري في جيبه الأمر ورئيس الجمهورية يريدهما من حصته. وفي آخر كلمة له، رأى البطريرك الراعي أن “الحكومة لن تتشكل إلا من خلال لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلف واتفاقهما على تشكيل حكومة مميزة باستقلالية حقيقية، وتوازن ديمقراطي وتعددي، وبوزراء ذوي كفاية عالية في اختصاصهم وإدراك وطني بالشأن العام. فلا يفيد تبادل الاتهامات بين المسؤولين والسياسيين حول من تقع عليه مسؤولية عرقلة تشكيلها”.
آخر المعطيات في الملف الحكومي أن لا معطيات”، بحسب قول مصادر مطّلعة لـ”أحوال”، ليس من بارقة أمل في الأفق السياسي تشي بإمكان عودة الحرارة إلى خطوط الاتصالات السياسية بأسرع وقت ممكن”. وأنَّ الأجواء توحي أن الانسداد يثير مخاوف حقيقية ببقاء الحال كما هو عليه لأشهر عدة. ففي ظل تلبّد الأجواء الاقليمية والتوترات المتصاعدة كلامياً بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة ثانية، “يبدو أنّ التأهب الناري سيزيد من الجمود الحكومي ربطاً بما سيجري لاحقاً وأنَّ “القوى السياسية تنتظر إعادة رسم الخريطة السياسية للتموضع داخل الخريطة السياسية اللبنانية” بحسب المصادر نفسها.
الاشتباك بين تياري “المستقبل” والوطني الحر” السائد في المشهد السياسي منذ زمن الانخراط السياسي الرسمي للتيار العوني، لا يزال العنوان الأبرز للخلاف الحكومي، وهو ما يؤكده النائب علّوش بقوله إنّ “التباعد السياسي بين “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” كان قائمًا ولا يزال، والتسوية بين الرئيسين عون والحريري لم تتمكّن من تخفيف هذا التباعد”. وفي حين تأكيده على أنَّ “الحريري لم يعطِ برنامجًا لغيابه عن لبنان”، توقع أن يعود في بداية الأسبوع، للعمل مجدداً على الوصول إلى تشكيل الحكومة“. وهذا الخلاف دفع البطريرك الراعي أيضاً إلى التوجه للرئيسين بالقول “إن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قادران على اتخاذ هذا القرار المسؤول والشجاع إذا أبعدا عنهما الأثقال والضغوط، وتعاليا على الحصص والحقائب، وعطلا التدخلات الداخلية والخارجية المتنوعة، ووضعا نصب أعينهما مصلحة لبنان فقط”.
تعثّر وساطة الراعي دون سقوطها، بحسب الوزير السابق سجعان قزي العامل على خط الاتصالات، لن يقف حائلاً أمام استئناف اتصالاته من جديد ويؤكد أنَّ هذه المبادرة اصطدمت بتصلب المعنيين بالتأليف لكن البطريرك مصمّم على مواصلة المبادرة بأشكال جديدة بالأيام المقبلة”. وبناءً عليه سيقوم الراعي بسلسلة اتصالات محلية ودولية على صلة بالملف اللبناني.
وفي الجعبة الدولية، اقتصرت الرسائل الخارجية على الرسالة الفرنسية التي نقلها رئيس لجنة الصداقة النيابية اللبنانية ــــ الفرنسية النائب لوييك كيرفران وكرر فيها أنَّ “المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة وأن باريس لا تترك لبنان”. لكن هذه المبادرة معطلة بفعل الضغوط الأميركية بحسب مراقبين إلى حين تبدّل المواقف مع “ليونة” مرتقبة من واشنطن مع بدء ولاية بايدن الدستورية.
وحتى ذلك الحين وفي ظلّ المعطيات الحاليّة، فإنَّ احتمال تأليف حكومة قريبًا صعب ومعقّد، فيما الانهيار يؤسس لمسارات أمنية وشعبية وسياسية من الصعب التنبؤ بمآلاتها.
رانيا برو