أبّ يعنّف أولاده بعد انفصال الأم عنه :ضرب وإهانات وتهديدات مستمرة
قد يصعب على أولاد دون سن الرشد الجلوس أمام الكاميرا للتحدّث عن مأساة عاشوها وبطلها والدهم الذي حوّل حياتهم الى جحيم.
أولاد قدّموا شهادات ضد أب كان يضرب أبناءه من دمه ولحمه باستمرار، وينعتهم بصفات قبيحة ومهينة .
نحن نتحدث عن ثلاثة أطفال أعمارهم 15 و12 و8 أعوام، وهم ضحايا عنف أسري منذ مغادرة والدتهم المنزل الزوجي.
هي قصّة واحدة من مئات قصص التّعنيف الأسري المستمرّة في لبنان، التي أصبحت تطال اليوم الأطفال الذين يقعون ضحايا خلافات الوالدين.
ميساء نمر زبد ( 34 عام) من قرية المالكية الجنوبية، قرّرت ان تكسر صمتها وتنقل معاناتها التي بدأت بعد زواجها من (س.ج )وهو عسكري في الجيش اللبناني.
لا يهوّن على ميساء الافصاح عن مشكلة أولادها علناً أو جعلهم يتحدثون للاعلام عن قصتهم، لكنها تجرأت بالحديث بعدما فقدت الأمل، فقرّرت أن تضع قضيّتها برسم الرأي العام.
في عمر السابعة عشر، تزوجت ميساء ب (س.ج ) عنوةً عنها وتحت ضغوطات من العائلة. لم تكن ترغب حينها في الزواج كانت صغيرة تحلم بمتابعة دراستها.
في البداية شعرت بالحماس لأنّها ستبدأ حياةً زوجية سعيدة، لكن سرعان ما تحطمت أحلامها حين كشف زوجها عن وجهه الحقيقي. تقول ميساء إنّه كان عصبياً جداً وكانت تتحدث معه بصعوبة. لم تكترث للأمر بدايةً، حتى بدأ يعنّفها لفظياً وكان يناديها بأسماء الحيوانات حتى أنّه لم يكن يذكر اسمها.
أنجبت ميساء طفلتها الأولى وتأملت خيراً بأن يغيّر أسلوبه في التعامل معها. للأسف، لم يغيّره شعور الأبوة وبقي يتعامل معها بقسوة. صبرت ميساء عليه حتى أنجبت طفلتها الثانية ، لكنه ظلّ على حاله ومن دون جدوى .
مرّت سنوات لم يقم فيها الوالد بمأيبادرة تجاه زوجته وطفليه. وحدها القسوة سيدة الموقف في حياته اليومية، وتحوّل الى مُعنّف رسمي يضرب زوجته ولا يسمح لها بالخروج سوى لزيارة منزل والديها.
تؤكد ميساء انها تحمّلت معه مشاق الحياة وشدائدها، فجمعت معه المال لبناء منزل صغير على أرض المشاع، حتى انها أمضت وطفلتيها أياماً وليالٍ من دون قوت، دون أن تطرق باب أحد للمساعدة. رغم ذلك أنجبت طفلها الثالث، لعلّه يتغيّر وتعطيه فرصة أخيرة.
هنا، بدأت المأساة الحقيقية، عنف لفظي وجسدي بشكل يومي. قرّرت التحدّث الى والديها، فرفضا الوقوف الى جانبها ومنعاها من طلب الطلاق. وفي أحد من الأيام، طلبت ميساء المال من زوجها لإجراء عملية مستعجلة، رفض الأخير مساعدتها قائلاً “مني مستعد أصرف ليرة عليكي”. حينها قرّرت مغادرة المنزل وترك أطفالها، خصوصاً أنّه كان قد تعرّض لها بالضرب المبرح حتى ظهرت علامات زرقاء على جسدها.
تؤكّد ميساء أنّ طليقها هو ابن المؤسسة العسكرية رغم ذلك “لم تحصّل الأخيرة حقوقي” . حصلت على طلاقها من المحكمة الجعفرية بعد ما تنازلت عن كل شيء بما فيه حضانة اطفالها. كانت المهمة صعبة بالنسبة لها، لكنها اقتنعت بأنها ستسترجع حضانة أطفالها بعد التخلّص من سجن الوالد.
بعد الطلاق ، تزوج الأب مرة ثانية، وطلب منها تربية الاولاد والاعتناء بهم مقابل نفقة بسيطة كان يؤمنها لها. وبعد إرسالهم لها، قام برفع دعوى خطف بنية سجنها أو توقيفها. أثبتت براءتها وأعادت اليه أولادهما، لكن دون الاقامة معه، وأمنّ لهم غرفة صغيرة جداً بالقرب من المنزل الذي يعيش فيه مع زوجته الثانية.
في هذه الغرفة افتقد الاولاد لأبسط ظروف العيش الكريم. كانوا يحصلون على وجبة غذائية مرة واحدة يومياً، وكان يترك لهم 6 آلاف ليرة لبنانية الا تكفيهم لشيء.
لم يتمكّن الأولاد من التغلب على قسوة الحياة، فكانوا ينقلون لوالدتهم ما يفعل بهم الوالد الذي قرّر الانتقام منهم لتبدأ رحلة التعذيب اليومي .
في الفيديو ، يروي الأولاد كيف كان يضربهم بشدة ويعنفهم ويهددهم.
لم يتوقّف الوالد عن تعنيف أولاده بحجّة انهم يتواصلون مع والدتهم. لم يحرّكه ساكناً وضعهم وافتقادهم للرعاية والأمان.. فاتخّذ قراره ” الصائب” وقرّر طردهم من المنزل والتبرؤ منهم.
حضنت ميساء أطفالها من جديد، لكنها لن تسكت الى أن تنال حقوقها. تعيش اليوم بشكل مؤقت في منزل خالها ومعها أولادها المطرودين. لا تعلم كيف ستكمل مشوارها، كما تتوقع أن تصبح يوماً من دون مأوى أو لن تتمكن من تأمين قوتها… رغم ذلك تشعر براحة نفسية لأنها ستغمض عينيها وهي مطمئنة أنها ستعيش مع فلذات كبدها بسلام بعيدا ً عن ” الوحش الكبير”.