منوعات

رأسمالية الكوارث لابتلاع أملاك وأصول الدولة

تستغل الرأسمالية العالمية المتوحشة الكوارث والأزمات سواء الطبيعية أو الاقتصادية التي تقع بها الدول، من أجل الهيمنة على قدرات البلد المأزوم والتحكم بسياساته الاقتصادية والمالية؛ وذلك بالتعاون مع المنظمات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

فرض سياسات اقتصادية على البلد المتعثّر

في حالات الانهيار الاقتصادي والتعثر المالي والتأزم الاجتماعي، تلجأ الدول إلى المنظمات الدولية من أجل مساعدتها على الخروج من أزماتها؛ وتقوم هذه المنظمات بفرض سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية، مستغلين الكارثة التي تضع جميع السكان في حال من الصدمة الجماعية والانهيار المعنوي والتخدير الاجتماعي، فتدفعهم إلى تقبّل نظام اقتصادي جديد وإن فقدوا فيه جميع مكتسباتهم وحقوقهم الاجتماعية، على أمل الخروج من أزماتهم، فيما الدعامة الأولى لهذا النظام هي تقليص القطاع العام إلى حدوده الدنيا وإحلال القطاع الخاص مكانه.

عندها سيقبل الشعب تحت ضغط الاستمرار بالحياة بأي إجراءات حتى لو وصل الأمر إلى التنازل عن أملاك البلاد وأصولها ومواردها الطبيعية إلى الشركات العالمية الضخمة، متوهمين بسبب حالة الإحباط النفسي، أنّها المخلّص المنتظر.

ومن أهم الأمثلة على رأسمالية الكوارث، الإكوادور، التي وقعت بأزمة اقتصادية مستفحلة دفعتها نحو الإفلاس؛ ففتحت المجال أمام شركات البترول الأميركية بشراء غابات الإكوادور مقابل ديونها والسيطرة على مخزون غابات الأمازون من النفط الذي يحتوي على احتياطي منافس لنفط الشرق الأوسط. وما حدث أيضاً في الفليبين عقب كارثة تسونامي واستغلالها لتنظيف الشاطئ من قرى الصيادين وإحلال منتجعات سياحية ضخمة مكانها واعتبار الشاطئ منطقة مغلقة على أهل البلد.

الخطورة في الشركاء المحليين

أخطر ما في رأسمالية الكوارث أنها تقوّض المقومات الرئيسية لاقتصاد البلد وتخلخل البنيان الذي تقوم عليه عبر زعزعة الثقة بأهم قطاعاته المالية والاقتصادية وتفجيره من الداخل عبر عملائها المحليين للوصول إلى انهياره. ثم تقوم بعدها بتوكيل مهام الإصلاح والانقاذ إلى وكلاء محلين كشركاء ولتهيئة الظروف في انتظار الهيمنة المطلقة من قبل الرأسمالية العالمية، التي قد تحتاج إلى تعمق الكارثة أكثر فأكثر من أجل قدومها على الحصان الأبيض حصان طروادة النهب الاقتصادي.

وهنا ينشأ تحالف نافذ بين بعض الشركات الكبرى وطبقة من السياسيين لتأمين الغطاء القانوني والسياسي المحلي والتسويق الإعلامي، بحيث يتيح لهذه الشركات احتكار القرار الاقتصادي والمالي بطريقة رسمية. وتكون الخطوة الأولى عبر إنشاء حكومة عميلة تتخذ طابع الإصلاح والخلاص عنواناً لها، فيعلّق المواطنون آمالاً عليها لانتشالهم من حالة الغرق التي يتعرضون لها. ومن يقف في طريقهم يلجأون إلى أبناء آوى – شبكات القتل المنظمة- لتنفيذ عمليات اغتيالهم، كما حصل في بنما مع عمر توريخيوس وفي الإكوادور مع جيم رلدس.  

أصول الدولة في مهب الريح

يشهد لبنان انهياراً كارثياً لأهم مقومات اقتصاده وماليته العامة، وفي مقدمتها القطاع المصرفي والرأسمال البشري، حيث انعكست تداعيات هذا الانهيار على المستويات كافة من فقر مدقع، بطالة، تحلل مجتمعي، تفلت أمني، فوضى اجتماعية، انتحار، مخدرات، سرقات، واغتيالات شخصية وعائلية، يتبعها انهيار كامل للوعي ولمنظومة القيم.

ووصلت حالة اليأس الجماعي لدى الشعب اللبناني إلى تقبل أي حلّ يأتي مهما كان الثمن غالياً، طالما سينتشلهم من حالة الغرق المعيشي. وهنا قام عملاء الرأسمالية العالمية في الداخل اللبنانين، منهم جمعية مصارف لبنان باقتراح رهن أصول الدولة وممتلكاتها ضمن صندوق، سيسيطر عليه المستثمرون القادمون من الخارج، بحجة تغطية الخسائر المالية والتي قدّرتها الجمعية بحوالي 40 مليار دولار. هذه الأصول تحوي على المرافق العامّة مثل كهرباء لبنان، الميدل إيست، شركتي الخليوي، أوجيرو، الاتصالات، المطار، كازينو لبنان، مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس، الأملاك العامّة البحرية والنهرية وعقارات الدولة.

وبموازاة ذلك تقوم الآلة الإعلامية بالتسويق لسياسة الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، تدعمها الشبكات التشريعية بإصدار القوانين اللازمة لذلك من أجل إحكام الشركات الرأسمالية العالمية وشركائها المحليين على كل مقدرات الدولة اللبنانية. وهكذا تصبح كل أملاك الدولة وأصوالها تحت قبضة الرأسمالية المتوحشة. وقد بلغت الوقاحة حداً إلى الإعلان عن القيام بإحصاء مخزون الدولة من الذهب الموجود في خزينة مصرف لبنان لتقدير قيمته، مما يُشم من هذه العملية رائحة خبيثة تنم عن نوايا مبيّتة سيئة؛ فيما التطلّع إلى الغاز والنفط في البحر ليس خارج الأطماع وبعيد المنال. والخوف كل الخوف أن يقوم الدائنون الأجانب بتقديم شكاوى إلى المحاكم الدولية المختصة، ومنها محكمة نيويورك للحجز على أملاك الدولة وأصولها أو احتياطي الذهب لضمان استرداد حقوقهم.

لا شك أن الأزمات كارثية ومستفحلة وتتطلب منا وضع حلول عملانية بعيدة عن الأفلاطونيات، مما يسهم في الحدّ من آثار الأزمة ثم معالجتها لاحقاً؛ ولكن هذا يستلزم منا أن نكون على قدر كبير من الوعي والمسؤولية والوقوف في وجه كل محاولات استغلال الكارثة من أجل منع النهب الاقتصادي لمقدراتنا ومقدرات أبنائنا؛ والخطوة الاولى تكون عبر إزالة الطبقة السياسية الفاسدة وإنشاء فعاليات شعبية مخلصة تكون منصة نحو الإصلاح الحقيقي والحفاظ على مقومات نهوضنا.

د.أيمن عمر

 

 

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى