احتكار الغاز: جريمة الشركة الواحدة
فيما يبحث العالم عن آليات جديدة لتوزيع الغاز، إلى حدّ إنتاج اكسسوارات تعبئة صغيرة لإمدادات غاز متطوّرة ومريحة، ما زلنا في لبنان نصارع لحمل القارورة المعبئة في أهم قطاع لمقوّمات الحياة اليومية؛ وكأنّ ذلك لا يكفي مطامع هذا أو ذاك، بل لا يسدّ جشع الشركات. إذن، إلى الاحتكار درّ، فاسدين بذلك بخزينة الدولة وجيبة المواطن على حد سواء.
اللافت أنّ الاحتكار في ملف الغاز يأتي على شاكلة جريمة: شركة واحدة تستورد الغاز و5 فقط تحتكره.
الدولة تغطي المحتكرين في 10 % من الأرباح
أكدّ الباحث المالي والاقتصادي د. محمود جباعي في حديثٍ لـ “أحوال” أنَّ هناك شركة واحدة تسيطر على استيراد الغاز من الخارج، وتبلغ حصتها من السوق 90%، وتقوم هذه الشركة بالإشراف على توزيع الغاز إلى 5 شركات تتولّى التوزيع للمستهلك؛ وتبلغ أرباح كل شركة منها ما يقارب الـ 50 مليون دولار سنوياً، أي ما يقارب ال 250 مليون دولار للشركات الخمس، وتوازيهم بالأرباح الشركة الأساسية سنوياً بما يقارب ال 250 مليون دولار أيضاً؛ أي أنَّ الأرباح السنوية للشركات الخمس مع الشركة الأساسية تكون بحوالي الـ 500 مليون دولار سنوياً. وينما تحقق هذه الشركات أرباحاً ضحمة، بالكاد تحصل الدولة اللبنانية على 10% من قيمة أرباح الغاز، علماً أنها تغطي عمل هؤلاء المحتكرين.
فاتورة مضاعفة للغاز
السعر النهائي الذي يدفعه المواطن اللبناني للغاز مضاعف ثلاث مرات حسب جباعي، وهو كلفة الإستيراد من الشركة الأساسية زائد نسبة ربحها. أضف إلى ذلك نسبة ربح شركات التوزيع ثم الضريبة من الدولة، وطبعاً كلفة النقل، وهذا الأمر لا ينعكس فقط على الاستهلاك المباشر من المواطن كالغاز المنزلي، بل هو أيضاً يرفع أسعار بعض السلع والخدمات التي تعتمد على الغاز( المناقيش أو صيانة السيارات مثلاً).
الكارتيل يسيطر على الدولة
أكدَّ مصدرٌ مطلع أنَّ نفوذ شركات الغاز (الكارتيل) يصل إلى وزارة الطاقة حيث يكاد يسيطر على المديرية العامة للنفط فيها، ويستخدمها كأداةٍ لخدمة مصالحه عبر منع منح إجازات للإستيراد للشركات المنافسة. ويسيطر أيضاً هذا الكارتيل على خزانات غاز تملكها الدولة اللبنانية تتسع لحوالي 700 ألف طن، هذا عدا عن سيطرته على خزانات القطاع الخاص، وتحقق هذه الشركات أرباحاً طائلة عبر تركيب الأسعار على حسب مصالحها، فيما تحدّد وزارة الطاقة التسعيرة أسبوعياً بناء على توصيات الكارتيل.
مطلوب شركات إضافية لوقف الإحتكار
رأى جباعي أنَّه على الدولة فرض سيطرتها على سوق الغاز، وبالحد الأدنى منع تعدد الوسطاء، ويجب أن يكون هناك على الأقل شركتين إضافيتين تستوردان الغاز من الخارج وتخضعان لرقابة شاملة من الدولة، وتحديداً لأن الغاز هو من القطاعات المدعومة اليوم، والتي تشير الإحصائات فيه أنَّ ما يصل إلى المواطن من إستيراده هو فقط 30%، بينما ينتشر التهريب فيه مثل باقي القطاعات. وتجدر الإشارة أنَّ سيطرة الدولة على القطاع ستخفض الكلفة على المواطن وتزيد من أرباح الدولة وتضمن عدم التهريب في زمن نفاذ العملة الصعبة.
خطة وزارة الطاقة لم تبصر النور
وإذا كانت سيطرة الدولة على القطاع تزيد أرباح الدولة وتخفف عن كاهل المواطن، فلما تتلكّأ الدولة؟ للإجابة على هذا السؤال، تواصل “أحوال” مع المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة أورور فغالي، التي أكدّت أنّه تم اتخاذ القرار بإستيراد الغاز مباشرةً من الدولة عام 2019، وتضمنت الخطة بناء خزانات خاصة لتخزينه في منشآت طرابلس والزهراني النفطية؛ ولكن تم تأجيل التنفيذ حالياً بسبب الأزمة المالية وانهيار العملة المحلية. فغالي أكدت أنّه كان من المخطط إستيراد الخزانات كونها لا تُصنّع محلياً.
كما بقية القطاعات، الغاز محتكراً أيضاً، حيث لا يرحم المحتكرون المواطن حتى في زمن الأزمة الاقتصادية. وبدأ السعر يرتفع مؤخراً علماً أن القطاع مشمولٌ بالدعم، هذا عدا أنَّ الشركات تقوم بالتهريب لتحقيق الأرباح عبر الدولار المدعوم، وكما باقي القطاعات هذه الشركات تحظى بغطاءٍ من الدولة. وبدل أن يكون الهدف تأمين مصلحة المواطن تأتي مصلحة التجار بالدرجة الأولى.
محمد شمس الدين