مجتمع

رُغم أنف الأزمة… لبنانيون يصنعون الفرص

شركاتٌ أغلقت أبوابَها. محالُّ تجاريةٌ أفرغت رفوفها. كثرٌ فقدوا وظائفهم. الرواتب في تآكلٍ والأسعارُ في إرتفاعٍ. هو نفقٌ أسودٌ مجهولُ النّهاية دَخَلَهُ لبنان. ولكن لحظة!

رغم كلِّ الصّعاب، يحدُث أن تصادفَ محلاً تجارياً إفتُتِح حديثاً، صفحةً جديدةً على انستغرام تسوّق لمنتجاتٍ معينةٍ، وأصنافَ جديدةً محلّيةَ الصّنع تُباع في السوبرماركت. ففي ذلك النّفق المعتم، هناك من كان نظرُه أبعد وعزمُه أقوى، فتحدّى الظروف الحالية التي يمرّ بها لبنان ورأى بقعة الضوء. لم ينتظر أن تَجدَه الفرصة، بل صنعها هو. ومعظم هذه الفرص كانت في القطاعين الصّناعي والإلكتروني.

في هذا الصدد، يلفت المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر إلى أنه خلال هذا العام تم تسجيل عددٍ كبيرٍ من العلامات التجارية لشركات أغذية ومشروبات (Food and Beverage) ومعقّمات ومنظفات، وهي بضائع كانت عادةً تُستورد من الخارج، مضيفاً: “هذا يدل على أن الإنتاج الوطني من هذا البضائع بدأ يتزايد، واللبنانيون بدأوا يُقبِلون على هذا النوع من الصّناعات، ولا سيّما أن أسعارَ المنتجاتِ المستوردة أصبحت باهظة.

 

خبراتٌ إغترابيةٌ تؤسس لصناعاتٍ محلّيةٍ واعدةٍ

يروي المدير التنفيذي لشركة Infinity Solutions قاسم هاشم قصة نجاحه وكيف وجد في خضم أزمة كورونا وضائقة لبنان الإقتصادية فرصةً. فبعد سنواتٍ من العمل في مجال المعدات الطبية في دول الخليج، صادف تواجده في لبنان قبل أن تسجّل أوّل إصابة بالفيروس، وبالنّظر إلى أن معظم بلدان العالم عانت من صعوبة في توفير المواد المعقّمة، أخذ هاشم خطوةً إستباقيةً وقرر الاستثمار في معملٍ كان مغلقاً.

بعد إعادة ترميم المعمل، كان التّركيز على إصدار منتجٍات ذات فاعليةٍ عاليةٍ تضاهي المواصفات الأوروبية، لتوزّع لاحقاً في مختلف الأسواق اللبنانية، وتُصَدَّر إلى فرنسا وغيرها.

يقول هاشم: “لم يكن الربح المادي هو الهدف الأساس، بل إيصال المواد المعقّمة إلى مختلف المناطق اللبنانية بأسعارٍ مدروسة جداً للحدّ من انتشار الوباء”، مضيفاً أن الخبرةَ التي اكتسبها خارج لبنان وطرحَ منتجاتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ وبأسعار معقولة كانا السببين الرئيسيين وراء نجاح المشروع.

أما عن المعوقات التي واجهته، فيتصدّرُها الإضطرار لإستيراد المواد الأولية اللّازمة للصناعة من الدول المصدّرة لها بالعملة الصعبة وانقطاع بعضها في ظل غياب الدّعم الرّسمي والمتابعة الضرورية. ولكن رغم كل ذلك، يؤكد هاشم أن لبنان سيكون بلداً مناسباً للإستثمار إذا ما تخطّى الأزمة الحالية وتم تحديد سعر صرف ثابت للدولار مقابل الليرة، ففي لبنان شحٌّ في المنتجات والأصناف والمواد، ولا قوة محلية صناعية وازنة في مقابل إجتياح الإستيراد للسوق المحلي واشباعه النسبة الأكبر من الحاجات الاستهلاكية، ما يجعل لبنان أرضاً خصبةً للإستثمار ولا سيما إذا ما استفاد من خبراتٍ راكمها شبابه المغترب، مشيراً إلى أن السوق المحلي يتلقف المنتجات الوطنية في حال كانت ذا جودةٍ عاليةٍ، على أن تكون غاية المستثمر الاستمرارية وتحقيق الأرباح العادلة لا الأرباح الخيالية في فتراتٍ وجيزةٍ.

 

مشاريعُ صغيرةٌ في لبنانَ خيرٌ من وظائفِ الغربةِ

ابنة الثمانية وعشرين عاماً، ولاء محمد حيدر، تخرّجت منذ عامين من كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. كان حلمها أن تجد وظيفةً في أحد البنوك، إلّا أن النشاط الملحوظ الذي أبدته خلال فترة التدريب لم يكن كافياً لذلك بسبب انعدام فرص العمل. بحثت في البنوك وشركات التأمين وحتّى المدارس من دون جدوى، فعادت إلى فكرة مشروعٍ كانت قد تقدّمت به إلى إحدى المسابقات الجامعية.

المنتجات المصنوعة بأيادٍ قرويةٍ تبدع في تحضير ما لذّ وطاب من المؤونة والتي لا يجد صانعوها تصريفاً لها في الكثير من المواسم، كانت محور مشروعها الصغير، فعمدت إلى صناعة أجود أنواع المربى والزيت وغيرها من منتجات المؤونة التقليدية، وتوضيبها في حلّةٍ عصرية، وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كثرٌ شجعوها على ذلك رغم تساؤلاتِ البعض حول إمكانية استمرار مشروعٍ كهذا وقدرة ولاء على مواجهة التّحديات. وعن هذ التساؤلات، تجيب: “لم أسمح لأيّ عائقٍ أن يقطع طريق نجاحي. والاستسلام لم يكن وارداً، حتى لو خسرت مرّاتٍ عدّة، المواظبة والإجتهاد كفيلان بتذليل العقبات”.

وتؤكد ولاء أنها بدأت بخطواتٍ بسيطةٍ، ومن أرباحها المتواضعة عمدت إلى توسيع مشروعها شيئاً فشيئاً. لذا، تشجع الشبان والشابات اللبنانيين على عدم الخضوع للظروف الصعبة، والسّعي لتحويل أفكارهم إلى مشاريع وإن كانت صغيرة، قائلةً: “مشروعٌ صغيرٌ في بلدي خيرٌ من أفضل الوظائف في بلاد الإغتراب”.

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى