مجتمع

هل يرتفع منسوب الجريمة خلال الأزمة الاقتصادية؟

كثرت في الآونة الأخيرة تحذيرات قوى الأمن الداخلي حول عمليات السرقة، مع ارتفاع نسبة السرقات والأعمال العنفية في لبنان. وكان آخر هذه التحذيرات ما صدر في 30/11/2020 حول ضرورة إقفال السيارات بإحكام وعدم ترك أي أغراض ثمينة في داخلها.

فلماذا ترتفع نسبة الجرائم والجنح مع تردّي الأوضاع الاقتصادية؟ وهل من رابط بينهما؟ ماذا يقول علم الجريمة وعلم النفس عن هذا الموضوع؟

تطوّر مفهوم الجريمة

منذ البدء، كان الإنسان البدائي يميل إلى القتل بهدف الحفاظ على حياته، فالبقاء كان للأقوى. ولكن مع تطوّر المجتمعات، برزت الحاجة إلى الأنظمة والقوانين التي تنظّم حياة الفرد، وتم تحديد الجريمة أنّها كل فعل سيئ يتم عن سابق تصوّر وتصميم. وخصّصت الدول قوانين عقوبات لمن يرتكبون الجرائم كلٌّ حسب قيمها ومعتقداتها.

في لبنان، عرّف القانون جريمة القتل على أنها كل فعل يؤدي إلى إزهاق روح إنسان حيّ، وقسّمها إلى ثلاث فئات: القتل القصدي، وغير القصدي، والقتل التسبّبي. في حين عرّف القانون اللبناني السرقة على أنها أخذ مال الغير، المنقول، خفية أو عنوة بقصد التملّك.

ماذا يقول علم الجريمة؟

في حوار مع الاختصاصية في علم الجريمة، باميلا حنينه، أوضحت لموقع “أحوال” أنّ مفهوم الجريمة هو مفهوم الصراع بين الخير والشر. يظنّ البعض أنّ المواطن الصالح هو من يمتثل للقانون ويطبّقه، في حين أنّ المواطن غير الصالح هو من يخالف القوانين وتجدر معاقبته.

ولكن في علم الجريمة، توضح حنينه أنّ هذا المعتقد لا يصحّ، لأن كل إنسان معرّض لظروف حياتية صعبة تدفعه في لحظة معيّنة إلى ارتكاب جريمة ما أو جنحة. فليس بالضرورة أن يكون الشخص مجرماً أو يعاني من اضطرابات نفسية معيّنة. وتشرح أن هذه الحالة تُعرف في علم الجريمة على أنها “لحظة التخلّي”، حيث تم تحديدها على أنها لحظة مؤاتية تتعاكس فيها عوامل مختلفة فتدفع الفرد إلى فعل عنيف أو جريمة.

الجريمة والأوضاع الاقتصادية… ما الرابط؟

تدحض حنينه فكرة ربط الأوضاع الاقتصادية المتردية بمعدّلات الجريمة المرتفعة، حيث تلفت إلى أن البلدان الأكثر تطوّراً وتقدّماً لا تزال تعاني من نسبة جرائم مرتفعة، على الرغم من اقتصادها المزدهر. وتردّ السبب إلى النظام الحاكم، وتوضح أن النظام الرأسمالي القائم على المصالح الخاصة بالحكّام، يهمل مصالح الشعب، وبالتالي يكون الازدهار محصوراً بالطبقة الحاكمة.

ولكنها في المقابل، أكّدت أن الأوضاع الاقتصادية يمكن أن تشكّل حافزاً للجرائم ولكنها ليست سبباً رئيسياً.

وعمّا يحصل في لبنان، علّقت حنينه بأن الواقع اللبناني ناتج عن هيمنة الرأسماليين على السلطة في البلاد، ما عزّز لدى بعض المواطنين الرغبة في الانتقام من المجتمع. ولفتت إلى أن ارتفاع نسبة الجرائم غير التقليدية، كالاختلاس والسرقة والاحتيال، مردّها إلى الاستخفاف بقدرات الدولة وتوفير الغطاء لمرتكبي هذه الأفعال.

وأوضحت في هذا السياق، أنّ علم الجريمة ينظر إلى شخصية مرتكب الجرم وإلى الظروف المحيطة به والخيارات المتاحة أمامه. في حين أن القانون لا يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، بل يعاقب كل مرتكب جنحة أو جريمة بالطريقة عينها وفق العقوبات المنصوص عليها.

من هنا، دعت حنينه عبر “أحوال” إلى ضرورة تطوير النظام العقابي في لبنان ليتماشى مع النمط المتغيّر لسلوك الأفراد، مشددة على أهمية هذا التطوير لتعزيز الرادع لمرتكبي الجرائم.

 إحصاءات قوى الأمن الداخلي عن معدّلات الجرائم

حصل موقع “أحوال” على إحصاءات الجرائم الجنائية وعدد الموقوفين في لبنان من شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي. وكشفت هذه الإحصاءات عن الفارق بين عدد الجرائم المرتكبة في العام 2019 في لبنان وتلك المرتكبة في العام الحالي 2020 لغاية شهريّ آب وأيلول.

في ما خصّ الجرائم الجنائية، توزّعت الأرقام على الشكل التالي:

– صافي عدد السيارات المسروقة لغاية آب 2020 بلغ 593، مقابل 266 لغاية آب 2019.

– صافي عدد السيارات المسلوبة لغاية آب 2020 بلغ 41، مقابل 25 لغاية آب 2019.

– عدد حالات النشل لغاية آب 2020 وصل إلى 280، مقابل 493 لغاية آب 2019.

– عدد حالات السرقة الموصوفة لغاية آب 2020 بلغ 1602، مقابل 1080 لغاية آب 2019.

– عدد حالات سلب دون سلب سيارات لغاية آب 2020 بلغ 400، مقابل 127 لغاية آب 2019 .

– عدد حالات القتل وصل لغاية آب 2020 إلى 129، مقابل 63 لغاية آب 2019.

كما سجّل العام 2020 ارتفاعاً في عدد الموقوفين بتهمة سلب وسرقة سيارات، حيث بلغ عددهم 195 موقوفاً لغاية شهر أيلول، في حين سجّل العام الماضي 196 موقوفاً في الفترة عينها.

الجريمة في علم النفس

ينظر علم النفس إلى مرتكبي الجرائم كونهم أشخاصاً يعانون اضطرابات معيّنة، ناتجة عن عوامل مختلفة، إما اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو غيرها.

وفي هذا السياق، تفنّد المعالجة النفسية سيلين أبي راشد، عبر موقع “أحوال “، الاضطرابات النفسية إلى فئتين كبيرتين: الأولى هي الاضطرابات الشخصية (اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، اضطراب الشخصية الحدّي…) والثانية هي الحالات المرضية (الذهان، العصاب، الفصام الارتيابي…)

وتشير إلى أنه مهما كانت الظروف التي يعيشها الشخص صعبةً، لا يمكنه أن يرتكب جريمة إلا في حال كان يملك الجرأة للقيام بهذا الفعل. وتوضح أنّ علم النفس حدّد أن ارتكاب الجرم ناتج عن عدم قدرة الشخص على تحمّل ظروفه مع عدم توفّر القيم الرادعة له.

ووافقت أبي راشد على أن الظروف الاقتصادية التي يمرّ بها الفرد ليست سبباً لارتكاب الجريمة، إنّما عامل محفّز ينمّي لديه الشعور بالانكسار والظلم والتهميش. وهذه المشاعر هي التي تدفعه إلى الانتقام من المجتمع في ظل غياب العدالة الاجتماعية. وأوضحت ان الطبقية في المجتمعات هي أيضاً من العوامل المحفّزة لهذه المشاعر حيث يشعر بعض الأشخاص بالدونية.

كما أشارت إلى أنّ البيئة التي ينشأ فيها الفرد، إلى جانب التربية وغياب الأهل وتحديداً الأب الذي يمثّل السلطة والنظام، والإهمال، غالباً ما تكون من الأسباب المعزّزة لارتكاب الجرائم.

ولكن هل كل مرتكب جريمة أو جنحة هو بالضرورة مجرم؟ لا تعتبر أبي راشد أن الفرد يولد مع حسّ إجراميّ، بل كل شخص هو بالفطرة إنسان سليم. إنما البيئة التي تحيط به والظروف التي ينمو فيها هي التي تبني شخصيته وتؤثر فيها.

هل من الممكن معالجة مرتكب الجريمة؟

في السنوات الماضية، ضجّ العالم بخبر فراغ السجون في هولندا من المساجين، ما دفع العديد إلى التساؤل “هل انخفض معدّل الجريمة في البلاد؟” إلا أن الواقع أنّ السلطات الهولندية فضّلت اعتماد المناهج التأهيلية والتدريبية للسجناء لمساعدتهم أولاً على التعافي من أزماتهم النفسية، وثانياً لتفادي ارتكابهم جرائم في المستقبل.

وهنا لفتت أبي راشد إلى أهمية المتابعة الطبية النفسية لمرتكبي الجرائم بهدف معالجة الأسباب المؤدية إلى هذه الأفعال. وشددت في هذا الإطار على دور المجموعات العلاجية التي تساعدهم أيضاً على الانخراط مجدداً والشعور بالانتماء.

تأهيل السجناء وتطوير مهاراتهم

على الرغم من أن السجون في لبنان لا تزال تحتاج إلى الكثير من التطوير، إلا أن من الممكن الاستفادة من طاقات السجناء وقدراتهم وفق ما أوضحته حنينه.

ولفتت إلى أنه من خلال تطوير مهارات السجناء الحرفية والصناعية والسماح لهم ببيع ما ينتجونه، يتم توزيع ما يجنونه من أرباح على السجناء أنفسهم ويعود قسم منها إلى خزينة الدولة التي توظّفها في مشاريع إنمائية للمجتمع.

فمتى يصبح هذا الأمر واقعاً؟

ماري الحصري

ماري الحصري

صحافية حائزة شهادة في الإعلام من الجامعة اللبنانية، عملت في العديد من المواقع الالكترونية والمؤسسات الإعلامية المكتوبة والمرئية والمسموعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى