منوعات

جبران باسيل أربك ديناصورات “السيستم”… ولكن !

بالأمس أطلّ النائب جبران باسيل بمؤتمر صحافي يتحدّث فيه عن تأليف الحكومة وشؤون الساعة، فيلاقي عاصفة مجنونة من الردود في بلاد الأرز، كما هي حاله منذ عقد ونصف. ماذا فعل هذا الشاب حتى تكتلت كلّ هذه القوى في مواجهته؟ لماذا كلّ هذا الضجيج والصراخ والعويل في الأرجاء؟؟؟؟ بخلاصة سريعة: منذ العام 2008 وُلدت حالة مرضية في لبنان اسمها “الحالة الباسيلية” أو “العقدة الباسيلية”، فما هي هذه الحالة وكيف علاجها والأدوية اللّازمة لها؟.

ممّا لا شكّ فيه أن “الحالة الباسيلية” فريدة من نوعها في تاريخ الحياة السياسية اللّبنانية، ومن الواضح أن جبران الشاب قد أربك “دايناصورات” النظام وأرهق “عتاعيت” التركيبة، المرئيين منهم والمخفيين، بسلسلة ضربات سريعة وموجعة أفقدتهم صوابهم، وقد تحوّل إلى نجم لبناني وعربي بفضلهم وبفضل عدائهم وإصرارهم على تحميله كل موبقاتهم وموبقات الأرض، فهل نحن أمام “سوبرمان” حقيقي؟.

في كلّ المعارك التي يخوضها جبران باسيل يجيد اللّعب على حافة الهاوية، يتوهم الكثيرون أنّ الرجل قد انتهى ولكنّه سرعان ما يثبت العكس، هو من قامت كل بروباغاندا “ثورة 17 تشرين” ضدّه بالشخصي، من الاتهامات بالفساد إلى حدود شتم والدته بإسفاف، ولكنّه استطاع أن يتجاوز الأمر وقد حول المعركة إلى فرصة لصالحه.

هكذا كان حاله مع “روما العصر”، حين رفع “إبن البترون” سقف التحدّي مع الولايات المتحدة الأميركية واستطاع كسب الجولات الأولى بالنقاط، هي فرضت عقوباتها عليه في حين أنّه وبمطالعاته المتعدّدة تمكن من كسب الرأي العام إلى جانبه وحوّل الإحراج والموقف الصعب إلى نقاط ربح له ولفريقه وزاد بإرباك خصومه، على الأقل من حيث الشكل، وقد خاض معركة كبيرة مع دولة عاتية لكنّه استطاع أن يجرّها إلى ملعبه بذكاءٍ حاد، وجعل من المعركة معها مفتوحة على كلّ الاحتمالات وأجبر سفيرتها في لبنان للخروج عن كل الأصول والأعراف الدبلوماسية.

تكلّف أعداؤه، في الداخل والخارج، المبالغ الطائلة لتحويله إلى “راجح” الجمهورية، عبر التحريض والتشويه والحصار والإعلام الموجّه وتحميله كل موبقات الطبقة الحاكمة والمتسلطة منذ عقود، فهو من خرب البلاد ودمّر العباد وأسقط ازدهار لبنان، قبل وصوله كنا نعيش في النعيم، هو من تسبّب بالأرق والقلق لكل “دايناصورات” النظام وزلّات لسانهم تكشف مكامن نفوسهم وخوفهم من هذه الحالة.

ألا يسأل هؤلاء كيف استطاع جبران باسيل تسلّم ملفات معقدة وحساسة حين هرب الجميع من تسلّم وزارة الطاقة والمياه، أو حين رفع الصوت في مسألة النزوح السوري باكرًا، أو حين مثّل لبنان خير تمثيل في المؤتمرات الخارجية.

قد تكون الكتابة هذه الأيام دفاعًا عن أي شخصية سياسية لبنانية نوعًا من المغامرة أو المخاطرة، فكيف بها عن شخصية جدلية كما جبران باسيل، وقد عملت ماكينات الأرض والسماء الإعلامية على شيطنته، وسُخّرت لتدميره كل الطاقات والابداعات،،،،

لكن

ألا تستحق حالة جبران باسيل ومفاعيلها على الطبقة الحاكمة وشريحة حراس الهيكل من اليسار إلى اليمين، لدراسة سيكولوجية وكيف تحوّل إلى “بعبع” يؤرق سكينة ناهبي ثروات الجمهورية وناسها؟ وهنا لا نتحدث عنه كملاك طاهر ولكن هل يُعقل أن يكون هذا الرجل قد فعل كل ما يتهمونه به وبهذه السرعة دون أن يأتينا أيٌ منهم بأدلة غير الكلام والتهم الجاهزة؟.

قد تكون شخصية الرجل صعبة ومعقدة وقابلة للتصويب عليها من خصومها، أي أنّ “جسمه لبيس” ولكن مشكلة الطبقة السياسية اللّبنانية ورعاتها مع جبران باسيل أضحت مشكلة شخصية، بأدائه قد فضحهم وهي طبقة اعتادت على نمط من الساسة المترهلين المتكلين على التعليمة، بينما هو يحاول دومًا، ولو شكلًا، الخروج عن الصف والعمل بجدٍ وجهدٍ متواصل، يصل اللّيل بالنهار وبثقة مطلقة وقرار سريع بحلّ العقد والمراجعات، هو من يقرأ في يومياته ولا يغفل العودة إلى التاريخ، وهو يفهم حدود اللّعبة الداخلية اللّبنانية وارتباطاتها الخارجية ودقة الحركة التي تحكمها.

كذلك الأمر بالنسبة للقوى السياسية الرئيسية في داخل لبنان والمحيط تعرف بدقة أهمية الدور الذي يلعبه خاصةً بالنسبة لفريق الممانعة، حيث يرى المحور في جبران ضرورة وجود وعامل قوة لأيّ مشروع مستقبلي ذات تنوع ورؤية.

لكن وبمعرض المهنية والواقعية، لا بدّ لرئيس التيار الوطني الحر من العودة إلى خطاب وطني خارج الاصطفاف الطائفي بطروحات جذرية، وصياغة مشروع اقتصادي واجتماعي عصري علّ في ذلك بارقة أمل لكن مع هذا النظام وهذه التركيبة، الحاجة أضحت ملحّة لطرح مشاريع تغيير جذرية، لا بدّ من الحديث عن التغيير في العمق حتى نكسب بلادًا للمستقبل.

 

عامر ملاعب

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى