سياسة

أخطر من الشغور الرئاسي: فراغ من نوع آخر!

مرة بعد أخرى، يثبت النظام السياسي اللبناني الذي يحمل كنية الطائف بأن صلاحيته انتهت وان قدرته على إدارة التنوع الداخلي تلاشت.

وأسوأ ما في هذا الواقع أن هناك من لا يزال يرفض الاعتراف به ويصر على مواصلة التصرف كالنعامة، فقط لأنه يعتبر ان تعديلات الطائف منحت طائفته بعض المكاسب، ما يدفعه الى التمسك بنظام الجمهورية الثانية من دون القبول بمناقشة اي تعديل تستوجبه التجربة، حتى لو كان البلد ككل هو الخاسر تحت وطأة تلاحق أزمات الحكم التي تتخذ أشكالا مختلفة.

وهكذا يبدو البعض وكأنه اختار ان يتمسك بالنظام الذي هو وسيلة، على حساب الجمهورية التي هي الغاية.

واذا كانت ظاهرة التأخير المتمادي في تشكيل الحكومات تشكل إحدى تداعيات قصور النظام، فإن انتخابات رئاسة الجمهورية هي أيضا من بين “ضحاياه”، إذ في ظل هذا النظام وقع الشغور مرتين متتاليتين واحتاج انتخاب الرئيس ميشال سليمان الى 19 جلسة نيابية توّجها اتفاق الدوحة الذي اعطى إشارة واضحة الى تداعي الطائف، بينما تطلب انتخاب الرئيس ميشال عون 45 جلسة وتسويات بالجملة والمفرق.

اما عندما انتظم الاستحقاق وجرى الانتخاب في الموعد الدستوري، او عندما تشكلت الحكومات بسلاسة وبلا تأخير، فإن الفضل في ذلك لم يكن للنظام بل لراعيه السوري قبل انسحابه عام 2005 والذي تولى إدارة الملف اللبناني بتفويض من الخارج تارة وبالتنسيق معه طورا.

وحاليا، يواجه استحقاق انتخاب الرئيس ال 14 للجمهورية اختبارا صعبا وسط توقعات بحتمية تعثره في انتظار التوصل الى تقاطعات محلية خارجية تفرز اسما مقبولا.

والدليل الواضح على عجز النظام عن إنتاج الآليات المناسبة لإنجاز الاستحقاقات الدستورية ضمن المهل المحددة هو ان الدستور “اامطاطي” يصبح عند وقوع خلاف او مشكلة مجرد وجهة نظر ليس إلا، بدل ان يكون الحَكَم الحاسم الذي يتم الركون اليه لمعالجة الاشكالبات المستجدة.

وبناء عليه، فإن “فراغ” النظام الذي هو أخطر من الفراغ الرئاسي، تملؤه المراجع الإقليمية والدولية التي تتنازع على النفوذ في لبنان وكذلك المرجعيات الدينية والسياسة للطوائف. وبناء عليه، فإن إتمام انتخاب رئيس الجمهورية يصبح مرتبطا بكلمة سر خارجية معطوفا عليها “رشة” تفاهمات او بهارات محلية بدل ان يتولى مجلس النواب المفترض انه سيد نفسه هندسة المخارج والحلول.

ولأن النظام هش وهزيل، فقد كان لافتا ان تحديد بوصلة الانتخابات الرئاسية للعام 2022 بات مرتبطا بما يقرره الأميركيون والفرنسيون والسعوديون الذين اصدروا بيانا توجيهيا من نيويورك، وباتجاه المفاوضات حول النووي الإيراني والترسيم البحري، وكذلك صارت حركة السفير السعودي في بيروت هي التي تملأ الوقت الضائع وغدت عظات البطريرك الماروني ومواقف مفتي الجمهورية اكثر تأثيرا من بنود الدستور.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى