منوعات

التفتيش في أروقة الشبكات اليمينية المتطرّفة حول انفجار بيروت

يتصاعد حضور اليمين المتطرف في العالم، في ذكرى المئوية الأولى لتأسيس النازية، وفي ذكرى مرور 75 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية وما تمثله هذه المناسبة من رمزية بالنسبة للنازيين واليمينيين. عوامل عديدة أجّجت فرص انتظام وحراك اليمين المتطرف الجديد في العالم، نذكر منها موجات النزوح إلى أوروبا تحديدًا، من سوريا ومن دول عربية أخرى شهدت على صراعات ونزاعات داخلية، في الفترات الأخيرة. هذا، وقد ساهم الحراك الإسلامي المتطرف كداعش والقاعدة، في إعادة إنبثاق وتنشيط اليمين المتطرف العالمي، تمامًا كما توقّع منظّر النازية الجديدة في أوروبا أوتو أرنست ريمر.

يوضح الباحث الاستراتيجي والأستاذ الجامعي الدكتور إيلي جرجي الياس لـ “أحوال”، أنّ عودة النازية الجديدة والنازيين الجد New Nazi قد ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية، مع المجموعة التي قادها الضابط كلاوس فون ستوفنبرغ، الذي حاول الإنقلاب على أدولف هتلر في ٢٠ تموز ١٩٤٤ في عملية فالكيري. ويشدد  الباحث على ضرورة التمييز بين الحزب النازي الألماني القديم، أو حزب العمال القومي الاشتراكي اليميني المتطرف، الذي حُلّ سنة ١٩٤٥، وبين النازيين الجدد أو النيو نازي الذين يمثلون اليمين المتطرف في العالم اليوم.

فقد بدأت الموجات النازية الجديدة بالتفاعل إنتخابيًا منذ العام ٢٠٠٠، وكسبت الانتخابات في بلدان عديدة مثل ألمانيا والنمسا ودول أخرى في أوروبا الشرقية. وبهذا استطاع النازييون الجدد أن يقدّموا صورة جديدة تميل نحو القومية المطلقة، ما أثار الميول الأوروبية نحو القومية التي عُرفت في القرن التاسع عشر.

لليمين المتطرف وجهان

إنّ اليمين المتطرّف فاعل اليوم، على يد منظمات ذات أجنحة عسكرية سرية، كالجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي كان يطالب باستقلال إيرلندا، ولا يزال حتّى الساعة في خدمة القضايا التي تفيد اليمين. يؤكّد الدكتور الياس على أنّ هذا الذراع العسكري، من أكثر المنظمات حنكة وإصابة للهدف من دون ترك أدلّة. كذلك هناك منظمة “أوديسا” العالمية، التي أُنشأت في مواجهة الشيوعية العالمية في مدريد، بعد الحرب العالمية الثانية، بقيادة الضابط النازي الشهير أوتو سكورزيني، والمدعوم بشكل غير مباشر من وكالة المخابرات الأميركية الـ CIA. هذه المنظمة حاضرة بشكل أو بآخر، وتحت الدراسة والبحث العلمي والملاحقة الصحفية. كما يتوقف الباحث الاستراتيجي عند مجموعة “بالادين” الشهيرة بعملية الكومندوس، التي أنشأها في سبعينات القرن العشرين أوتو سكورزيني أيضًا بماعية الأميركيين، لإدارة أبرز عمليات الكوموندس، وهي من أخطر المجموعات السرية في العالم من حيث تنفيذ العمليات.

السرية والحرفية التي تتمتّع بها هذه الشبكات والمجموعات، قد تفسّر العجز عن كشف هويّات المتورّطين في إغتيالات لشخصيات عالمية وفي عمليات إرهابية كبيرة. على سبيل المثال، عملية إغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي وأخيه، وما يكتنف هاتين العمليتين من غموض شديد، وبخاصة بعد إدانة شخصين لا قدرة لهما على إتمام جريمة بهذا الحجم.

نستنتج أنّ التحوّلات التاريخية قد أكسبت اليمين المتطرف وجهين؛ وجه سياسي مستقل يحاول أن يبرز بأسلوب مختلف وجديد، ووجه عسكري استخباراتي سري للغاية. وبحسب الخبير الاستراتيجي، لا علاقة للأجنحة السياسية بالأجنحة العسكرية، في بعض الحالات. وتجدر الإشارة إلى أنّ قدرات النازيين المالية فائقة، إذ لا زالت أموالهم موجودة تحت أسماء وهمية في مصارف أوروبية وبخاصة المصارف السويسرية.

 اليمين المتطرف في لبنان

لا شك أنّ لليمين المتطرف حضور تاريخي في لبنان منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث تأثرت أحزاب لبنانية عديدة بطريقة عمل الحزب النازي. وهناك دراسات كثيرة في هذا المجال، أهمّها للبروفسور جيلبير الأشقر، حول تأثُّر الكثير من الأحزاب اللبنانية بالمسار اليميني. كذلك، كان لحضور كافة الفئات الاستخبارية العالمية دور في لبنان، لا سيما قبيل الحرب المؤسفة، أي بين العام ١٩٦٥ والعام ١٩٧٥، فقد حضرت المنظمات اليمينية تدريبًا ومشاركةً في الحرب الأهلية اللبنانية.

في هذا الإطار، يشير الدكتور إيلي الياس، إلى أنّ كبريات الحركات اليمينية قد اهتمت بتجارة السلاح، ووطّدت علاقات مع جهات مسلحة خلال الحرب الأهلية اللبنانية. من هنا، لتلك الحركات اليمينية المتطرفة اهتمامًا بالعمليات المعقدة بالشرق الأوسط. ومن المعلوم أنّ لكل عملية لها آمر ومنفّذ ومخطط وفريق إستشاري أو أكثر، وقد لا يعرف المنفّذ هوية الآمر أو هوية الفريق الاستشاري، والعكس صحيح. لهذا السبب يصبح تعقّب هكذا عمليات أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه المعلومات والحقائق، هل لليمين المتطرف اليد الطولى للتدخّل على الصعيد التنفيذي أو الإستشاري في بعض العمليات المدمّرة والمؤسفة التي حصلت في لبنان؟ فقد شهد لبنان على سلسلة عمليات إجرامية وإغتيالات، لعلّ أكثرها غموضًا كان في العام ٢٠٠٥، في عملية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وآخرها كان تفجير نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠.

يرى الدكتور إيلي الياس، أنّه وبحال استندنا إلى العمليات والتفجيرات التي حصلت بسبب نترات الأمونيوم في فرنسا وفي أوروبا، لأدركنا أنّ إحتمال تورّط حركات ومنظمات يمينية متطرفة سرية وارد، في عملية إنفجار مرفأ بيروت. وعسى أن تكون بعض التقارير التي وردت دليل على ذلك، بخاصة التي تظهر علاقة محتملة بين شركات وهميّة في بريطانيا والسفينة التي نقلت نترات الأمونيوم الى مرفأ بيروت.

 

ناريمان شلالا

 

 

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى