منوعات

الاقتصاد المدولر سبب للأزمة فهل يكون الحل بسيطرة الليرة؟

ينتهج لبنان سياسية نقدية قلّ نظيرها لناحية استخدام الدولار كعملة أساسية إلى حدٍ يستطيع من خلاله المواطن اعتماد الدولار بدلاً عن العملة المحلية في كل تعاملاته، من شراء السلع إلى دفع الفواتير أو الصرف على الخدمات وغيرها؛  اللافت أنّ دولرة الاقتصاد لا تطال المواطن فقطـ، بل وصل الأمر ببعض القطاعات الرسمية إلى إصدار فواتيرها بالدولار كقطاع الاتصالات مثلاً.

“تليير” الاقتصاد برأي الاختصاصيين

انتقد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال آخر جلسة تشريعية يوم الثلاثاء سياسة الدولرة في لبنان، معرباً عن استيائه من اتباعها، “لم أسمع ببلدٍ في العالم عملته مدولرة كما لبنان”. فهل يكون “تليير” الاقتصاد هو أحد الحلول المرتقبة للخروج من الأزمة الاقتصادية؟

الخبير الاقتصادي د. عماد عكوش يؤكد في حديثٍ لـ “أحوال” أنّه لا يوجد دولة في العالم تفوتر بعملة غير عملتها المحلية، ولذلك المطلوب اليوم التحوّل نحو الليرة، بحيث يتم إصدار كل الفواتير بالليرة اللبنانية إن كانت سلعاً أو خدمات.

بالمقابل، يتخوّف المتابع للشأن الاقتصادي حسين نور الدين من مغبة “التليير” وأن يتحوّل إلى أداة جرمية لناحية التعامل بالدولار، يُعاقب من خلالها كل من يحمل العملة الصعبة أو تُصادر منه، بحيث يترتب على كل من يملك دولاراً أن يصرّفه عند مراكز يحددها مصرف لبنان؛ لافتاً أنّه يمكن لهذه الخطوة أن تُحسّن سعر الصرف لمصلحة الليرة ولكن يبقى تحسناً وهمياً، حيث سيتم تمويل الاستيراد من جيبة المواطن الذي يدخر دولاراً في منزله أو من تحويلات المغتربين، وهذا يعني أننا نتجه إلى اقتصاد اشتراكي موجّه. ويحذّر نورالدين_ الذي يشكّك بالأرقام التي يعلنها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، من انعكاسات هذه الخطوة حيث ستزداد قلّة الثقة بالقطاع المالي والمصرفي وسيشعر المواطن اللبناني أنّه معرض للابتزاز يومياً؛ معتبراً أنّ أركان السلطة إن أقدموا على هذه الخطوة فلهدف شراء الوقت لتحصيل بعض الدولارات، “لأنّ مصرف لبنان لم يعد يملك الاحتياطات”؛

أما عكوش، فيرى أنَّ هذه الخطوة مستحيلة في اقتصادنا الحر، ولن يجرؤ أحد على القيام بها لأنّها تعني التأميم الاقتصادي وربما الدكتاتورية، لافتاً أنَّ مصرف لبنان أصدر تعميماً سابقاً عن تسليم التحويلات من الخارج بالليرة إلا أنّه تراجع عنه كونه  خطأ كبيراً، مؤكداً أنه لا يمكن لأحد مصادرة الدولار من الناس ولا تسليم ليرة من التحويلات الخارجية المصرفية أو عبر شركات التحويل، مضيفاً أنَّ الفوترة بالليرة ستحكم أن يتم تصريف الدولار عند الصرافين ليتم دفع هذه الفواتير.

الخطوات المطلوبة للخروج من الأزمة

إزاء تكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة في ظل الأزمة الخانقة، ما هي الخطوات المطلوبة من الحكومة الجديدة؟ يؤكد نور الدين أنَّ الأزمة مركّبة وتنقسم إلى ثلاثة جوانب:

– اقتصادية، أي عدم سلامة القطاعات الإنتاجية في الدولة، حيث أننا فعلياً بالكاد ننتج أي شيئ.

– مالية، ونعني هنا سياسة الدولة الضرائبية التي تسيئ للاقتصاد العام بسبب عدم تصاعدية الضرائب.

– نقدية، أي سعر الصرف؛ وهناك تخوفٌ من اندثار الليرة بسبب عدم الثقة بالنظام الاقتصادي، وهذا ما حصل في دولة الموزمبيق التي خسرت عملتها المحلية لفترة زمنية، لافتاً أنَّ عدم حصول ذلك في لبنان ربما يعود إلى استمرار العديد من القطاعات بقبض رواتبها بالليرة.

ويردف نور الدين أنَّ الاقتصاد اللبناني بحاجة إلى عملية إصلاح شاملة تُعيد الثقة فيه، وذلك يتم عبر تطبيق القوانين واستعادة الأموال المنهوبة واعتقال بعض المرتكبين.

في إطار موازٍ، يعتبر عكوش أنّه لا يمكن انطلاق الاقتصاد اللبناني من جديد دون إعادة إحياء القطاع المصرفي وهو أمرٌ لفت إليه البنك الدولي أيضاً، ويلفت إلى أنّ  القطاع اليوم في حالة انهيارٍ كامل وشبه غير موجود، والعلاقة بينه وبين المودعين والتجار مقطوعة”، لافتاً إلى عدة خطوات تستطيع إعادة إحيائه:

– قوانين تشريعية جديدة يقرّها مجلس النواب لضمان الودائع الجديدة، حيث تضمن للمودع عودة وديعته عندما يحتاجها أو انتهاء استثماره لها بالمصارف.

– تعاميم جديدة من المصرف المركزي تشجع أصحاب الرساميل على الإيداع بالمصارف عبر رفع الفوائد على الودائع الجديدة، شرط أن يرافق ذلك خفض الفوائد على استثمارات المصارف الموجودة لديه كونها لا تعطي مودعيها فوائد اليوم.

– تحرير جزء من الودائع القديمة يعادل وديعة جديدة “fresh money” (على سبيل المثال، يودع أحدهم 10 ألاف دولار كاش بالمصرف فيقوم المصرف المركزي بتحرير وديعة قديمة لنفس المودع ووضعها بنفس الحساب، مع تجميدها لفترة معينة أقلها 6 أشهر لضمان عدم سحبها وتخزينها في المنازل.)

ويشير عكوش أنّ للفوترة بالليرة مردوداً إيجابياً جداً على واردات الدولة، حيث أنّ معظم التجار اليوم  يفوترون بالدولار، ويدفعون ال TVA على قيمة 1500، بينما الفوترة بالليرة ستحكم دفع الضريبة بالكامل، وبالتالي هذا يزيد الإيرادات بشكل كبير، خاصةً اذا ترافقت مع رفع الدولار الجمركي.

ويتابع عكوش، لا يمكن الإقدام على هذه الخطوات قبل تحديد كيفية الدعم، متسائلاً: هل سيستمر مصرف لبنان بدعم السلع أم أنّه سيتجه لدعم العائلات مباشرةً؟ مشيراً إلى أنَّ دعم السلع أدى إلى الفوضى والسرقة والإحتكار والتهريب، ولم يعد بالنفع على العائلات، كدعم الكهرباء  الذي يكّلف الدولة ما يقارب المليون ومئة وخمسون ألفاً عن كل عائلة؛ نفس الاستراتيجية تُطبق في دعم السلع الأساسية من الطحين والدواء وغيره، حيث تبلغ قيمة الهدر من عملية الدعم ما يقارب 4 مليون ليرة عن كل عائلة لبنانية؛ من هنا يقترح عكوش رفع الدعم الذي يذهب بمعظمه للتجار وإعطاء العوائل الكاش مباشرةً.

 

الاقتصاد اللبناني بشكله المدولر أعاد بالنفع على البلد بمرحلةٍ سابقة بعيدة، ولكن جمود السلطة السياسي والاقتصادي عند تلك المرحلة هو سبب الأزمة اليوم، لأنّ كل نظامٍ يجب أن يتطوّر ويواكب العصر والمتغيرات المحلية والإقليمية، ولذلك يجب أن يتولى الشأن الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان متخصصون تقدميون كي ينهضوا بالوطن، وإيقاف السياسات المتحجرة السابقة.

 

 

 

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى