مجتمع

مصابو كورونا ورهاب جهاز التنفس الصّناعي حتّى الموت: عائلة عقل تروي مأساتها

 هشام عقل لـ"أحوال": "كورونا" خطف والديّ ونجت شقيقتي بأعجوبة

 “قبل أن تكون طبيباً،  كن إنسانا…”. يستهل هشام عقل حديثه بهذه العبارة قبل أن يصبّ جام غضبه على بعض الأطباء الذين يعتبر أنّهم تسبّبوا بوفاة والديه  مختار قرية العقبة في راشيا أحمد عقل وزوجته زهية، بعد إصابتهما بفيروس كورونا.

يحمّل هشام الأطباء مسؤوليّة وفاة والديه، معتبراً أنّه منذ  وضع والديه على جهاز التنفّس الصّناعي، ساءت حالتهما وفارقا الحياة.  ويُذكر أنّ هذه الحالة تكرّرت مع العديد من المصابين بفيروس كورونا، حيث رجّحت عدّة مصادر طبيّة أن يتوفّى المريض نتيجة رهابه من الجهاز وانخفاض مناعته.

يحتفظ هشام بصورة لوالديه وهما أمام نافذة الغرفة التي مكثا  فيها للعلاج في مستشفى مشغرة  الحكومي في البقاع. حينها قرّر هشام أن يلتقط لهما صورة من ساحة المستشفى وهما بصحة جيدة، ولم يعلم انها كان الصورة الأخيرة لهما.

يروي هشام لـ” أحوال” ما حصل مع والديه وشقيقته ندى ( مواليد 1972)، التي كانت اول المصابات بالفيروس في العائلة.

بدأت القصة في شهر تشرين الأوّل الماضي. يومها ذهبت العائلة لحضور زفاف ابن  شقيق المختار عقل. حصل تخالط مع الحاضرين ، ,بعدها بأيام ظهرت العوارض على الابنة ندى ومن ثم الوالدين معاً.

 

“انا بعرف شغلي ما حدا يتدخّل”

منذ اللحظة الاولى لإصابة المختار وزوجته، قرّر  ابنهما هشام نقلهما الى مستشفى مشغرة الحكومي لإجراء الفحوصات اللازمة . “هناك  أشرف أحد الاطباء  عليهما وطلب بنقلهما فوراً الى قسم الكورونا قبل إجراء  فحص الـPCR  والتأكد من الإصابة “، بحسب تعبيره.

يدرك هشام أن  ” لا علاج للفيروس حتى الساعة،  إلا أنّ العامل النفسي والأخلاقي قد يكون أقوى علاج،  وهذا ما يفتقده الطبيبان اللذان  قدّما  العلاج الخاطىء لوالديً”.

يعاني الوالد من سكّر الدم والضغط، كذلك تعاني الوالدة  من الضّغط وضعف في عضلة القلب، ورغم معرفة الطبيب بذلك باشر الأخير  في  العلاج المخصّص لمصابي كورونا من دون اجراءات الفحوصات الطبية للوالدين، مكتفيا ًبعبارة ” انا بعرف شغلي ما حدا يتدخل”.

بعد ثلاثة أيام من نقل الوالدين الى  المستشفى بدأت صحتهما تسوء أكثر . ويتابع هشام : “اشتكت امي للطبيب المعالج بأنّها تشعر بالتعب وبضغط كبير على صدرها ، إضافة  الى  نوبات من السعال الحاد، ليردّ الطبيب المذكور “وقفوا نقّ ما بكن شي”. كانت الوالدة تنقل  إجابات الطبيب “المستفزة “لاولادها عبر تسجيلات صوتية أرسلتها على ” الواتساب”، وطلب  الطبيب بعدها من الأبناء أن يؤمّنوا طبيب قلب للوالد الذي تدهورت حالته الصحية، ليتفاجىء الأبناء كيف تستقبل مستشفى غير مجهزة مسنين رغم معرفتها بحالتهما الصحية.

توفي الوالدان ونجت ندى بأعجوبة

ووفق رواية هشام  ” بعد معاناة طويلة  أحضرنا طبيب قلب وكان والدي يحتاج نقله  الى العناية المركزة، وعندما  طلبنا من  الطبيب المشرف رفع تقرير طبّي بوضعه الصحّي  لنقله الى  مشفى آخر،  رد ّ الأخير “عندي جولة عالمرضى شي ساعة ونص بس خلّص بكتب التقرير”.

عاش هشام كابوساً قبل أن يفارق والداه الحياة. جاء تقرير الطبي مخيباً للأمل وفيه أنّ “وضع   الوالدين مستقراً وحرارتهما 36″،  فرفضت المستشفيات استقبالهما، مع العلم أن حالتهما الصحية كانت صعبة جداً.

وبمحاولة منه لإنقاذ  حياتهما،  قام هشام بنقلهما الى مستشفى ” العبد الله” في رياق.  اجتمع الوالدان في غرفة واحدة. لم يكن الوضع مريحاً بالنسبة لهشام ، الذي أكدّ أن الطبيبة التي أشرفت على حالتهما كانت ” تؤكد باستمرار أنّ حالتهما بتحسّن”.

بعد مرور  48 ساعة ، فارقت الأم الحياة  وهي على جهاز التنفس الاصطناعي. توفّيت  في نفس الغرفة التي يمكث فيها زوجها، دون إدراك الأخير بوفاتها، في الوقت الذي كان هو يصارع الموت .

يعرب هشام عن أسفه تجاه “سيناريو التنفس الاصطناعي  الذي يتكرّر دائما ً في المستشفيات”. برأيه ” تستاء حالة المصاب بكورونا بسبب هذا الجهاز وعدم معرفة  استعماله”.

وبعد أيام على رحيل زوجته، كان المختار عقل يسأل أبناءه عنها . رفض هؤلاء  إخباره الحقيقة.

ما هي الا أيام قليلة، وتمّ وضعه هو الآخر على الجهاز، ليُصاب برهابه ويصيبه نزيفاً تسبّب بالتهابات حادّة، ما استدعى  نقله الى مستشفى “عين وزين”، حيث ظلّ يصارع الموت حتى الرّمق الأخير.

اليوم، وحدها الإبنة ندى حاربت  الفيروس وتحدّته، رغم صعوبات كثيرة واجهتها أيضا خلال تلقّيها العلاج في المسشتفى. نجت ندى بأعجوبة، كما يقول شقيقها هشام، واضعاً ما حصل مع والديه في رسم وزير الصحّة الدكتور حمد حسن، مؤكدا ً استعداده لتقديم الوثائق التي تدين  الأخطاء الطبيّة.

قبل أيّام قليلة من إصابة أفراد العائلة بكورونا. كانت الحياة مختلفة. المختار مشغول بنشاطاته اليوميّة. كانت الكمامة ترافقه  دائماً، وكان يعتمد الوقاية اللازمة. كذلك زوجته، كانت مشغولة في تحضير الم}نة، وقضاء وقت ممتع مع  أولادها وأحفادها. دمّر الفيروس أحلام العائلة ، وحرم الأبناء  حضن  الوالدين. ففي نهاية كل أسبوع لن يجتمعوا في منزل العائلة لتناول الغداء. سيختارون باقات الأزهار الجميلة ويزورون ضريح الوالدين  في مثواهما الأخير.

 

 

 

 

 

زينة برجاوي

صحافية لبنانية تعمل في مجال الصحافة المكتوبة وإعداد البرامج. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية الأميركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى