أبعد من مخزومي بكثير
في غياب الكوميديا المسرحية والتلفزيونية، يبدو واضحاً أنّه ما من منافس اليوم لفؤاد غيفارا المخزومي. إذ يُقدّم خليفة النائب سيرج طورسركيسيان في التشريع والإنماء، في بعض الصالونات كمرشّح محتمل إلى رئاسة الحكومة، ويُستقبل على هذا الأساس في البرامج الإعلانية السياسية.
لكن، وبمعزل عن كاريكاتورية هذا الاحتمال، يفيد الانطلاق من إعلان مخزومي التلفزيوني الأخير لتكوين فكرة عن حجم التخبط الذي يعانيه بعض الأفرقاء السياسيين. فأمام كل ما يواجه البلد وناسه من حرب كاملة، معلنة وضروسة؛ هناك من ما يزال معتقداً أن بوسعه تدوير الزوايا.
وإذا كان هذا المقال ينطلق من تصريحات فؤاد مخزومي، فإنّ الأمر لا يتعلق أبداً بمخزومي وحده، لأنّ مخزومي يمثل في تصريحاته طبقة سياسية مأزومة، ما تزال تبحث عن مخارج تقليدية، فيما المطلوب واحد من اثنين:
- الاستسلام للولايات المتحدة، ورفع الرايات البيضاء؛ سواء في ترسيم الحدود أو في إعلان ربط النزاع، إلى تسليم سلاح حزب الله النوعي تمهيداً للالتحاق بركب المطبعين.
- مواجهة هذه الحرب بطريقة جدية عبر تأمين بدائل اقتصادية جدية، تتجاوز المساعدات الغذائية الإيرانية التي كان يُفترض أن ترسو في مرفأ بيروت قبل انفجاره بنحو شهرين لكنها لم تصل بعد، فيما الحال مع المبادرات العراقية شبه الفردية ليس بأفضل حال.
ففي العودة إلى مقابلة مخزومي الأخيرة، كان واضحاً التزامه بتوصيات مستشاريه على ثلاثة مستويات:
أولاً، انتقد كل الطبقة السياسية دون تسمية أحد محدد.
ثانياً، حرص على تكثيف انتقاداته لحزب الله.
ثالثاً، سيختار الامارات والسعودية حتماً إذا ما خُيّر بين هاتين الدولتين من جهة وإيران من جهة أخرى.
المضحك هنا يبكي: تذاكي يصل حد الاستهبال. فعملياً، تؤكد تجربة الرئيس حسان دياب أنّ الكلام بشكل عام عن الفساد دون تسمية الفاسدين بأسمائهم، لا يلقى أي اهتمام شعبي. وإذا كان يُفترض توفير احتضان شعبي أو ثوري لرئيس الحكومة، فلا بدّ من تأمين الملفات القضائية التي تدين الفاسدين أولاً، وتحديد مسارات المحاسبة ثانياً، وفتح أبواب السجون قبل “تخبير الناس خبريات” عن “الطبقة السياسية”؛ لأن الناس لا يبحثون عمن يزايد عليهم في “النق”، خصوصاً من الأفرقاء السياسيين وإعلاميي “المصاري”، إنّما من يُريهم الفاسدين في السجون.
أما انتقاد حزب الله و”الهد والقد”، وتأكيد مخزومي على طريقة أبو الجماجم، أنّه لن يسمح بتكرار حصول أحداث 7 أيار في بيروت، فلا يشدّ عصب بيروتي ولا يدغدغ مشاعر الخليجيين، ولا يُفيد بشيء من قريب أو بعيد.
وهذا يقود مباشرة إلى المسار الثالث الذي ترجمه مخزومي بتأكيد تفضيله السعودية والامارات على إيران، وتساؤله المتكرر “من أنا أو أنت لنتحدى المجتمع الدولي؟” هذا لا يّرضي السعودية والامارات ومن يقف خلفهما، ولا يغيّر في توجهاتهما. فقد سمعت هذه الدول أطنان الأشعار الجنبلاطية والريفية والمشنوقية والحريرية والجعجعية، ولم يعد يمكن الضحك عليها بمزيد من الكلمات.
حال هذا الإنشاء من حال مغازلة الخليج وذم تركيا: كلام بكلام لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا ينفع لتدوير الزوايا، ولا يخفف من شدة الحرب على لبنان. فالمطلوب هنا استسلام كامل، لا شعر ومراجل تلفزيونية: إمّا الاستسلام كما ورد في النقطة الأولى أعلاه، أو المواجهة كما ورد في النقطة الثانية أعلاه أيضاً. فتدوير الزوايا غير ممكن؛ هذا سعد الحريري، قبل بكل شروطهم باستثناء الانخراط في حرب أهلية، فتم نبذه.
وعليه، يمكن تحويل مخزومي – الذي قال خلال مقابلته التلفزيونية إنّ عقل أنصار الأحزاب محدود – إلى حكواتي سياسي إضافي؛ لكن لا يفترض الاعتقاد ولو للحظة أنّ طروحات كهذه الطروحات يمكن أن تشكّل نواة مشروع سياسي. الولايات المتحدة تبحث عن فؤاد سنيورة جديد، فلا يمكن الضحك عليها بـ “نيو” فؤاد مخزومي. تماماً كما أنّ الناس يبحثون عن حلول تنقذهم من جهة، وجرأة وشجاعة في المحاسبة من جهة آخرى ؛ولا يمكن الضحك عليهم بمزيد من النثر الثوريّ.
اليوم، ما من حلول وسط: إمّا التسليم بالشروط الأميركية – الإسرائيلية – الخليجية، أو المواجهة على جميع المستويات السياسية والمالية. الخيار الأول غير وارد طبعاً، لكن المراوحة والانتظار اللتين يعتمدهما حزب الله وحلفاؤه تعزّز شعبياً ذلك الخيار. أما الخيار الثاني، فيحتاج إلى شخصية وموقف ومشروع وآفاق اقتصادية، أكثر جدية بكثير من المخزومي وما يطرحه.
غسان سعود