منوعات

دياب يرفض المثول وصوان أمام مأزق ثلاثي الأبعاد

لم يستطع قرار المحقق العدلي القاضي فادي صوّان الادعاء على كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، ووزير المال السابق علي حسن خليل، ووزيري الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، في قضية انفجار مرفأ بيروت، بجرم الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، الصمود أمام السدّ الطائفي والسياسي. وتحوّل زلزال بيروت إلى زوبعة في فنجان “التطييف” و”التسييس”، مخلّفاً جُملة من الاعتراضات على الاستنسابية في القرارات القانونية وتجاوز النصوص الدستورية. وبناءً عليه قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، مصحوباً بدعم من مراجع طائفته السياسية والدينية عدم الخضوع للتحقيق ولا استقبال المحقق العدلي.

في الشكل والمضمون بات أكيداً أن قرار المحقق العدلي يتجاوز الأصول القانونية والدستورية، وتسبّب في سيل من الانفعالات الرافضة للقرار. ومن المؤكد أن استماع المحقق العدلي لرئيس الحكومة المستقيلة في السرايا الحكومية بصفته مدّعى عليه لا يركن إلى القانون والدستور. 

وبناءً على الاستشارات اتخذ دياب قراره بعدم استقبال القاضي فادي صوان لرفضه المسَّ بموقعِ الرئاسة الثالثة. والسراي الحكومي أبلغ المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي فادي صوان عدم جواز أن يستمع الى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كمدعى عليه. وكان دياب غادر الإقامة المنزلية داخل السرايا الحكومية وانتقل إلى السكن في بيته منذ أيام ولا يتنقل من وإلى السرايا إلا في حالات الضرورةِ القصوى كالزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وفيما تحدثت معلومات عن تحذيرات أمنية لدياب تؤكد مصادر قريبة منه أن الفريق المحيط برئيس حكومة تصريف الأعمال ارتأى أخذ الحيطة وسط التخبط السياسي الذي تعاني منه البلاد.

حفاظاً على الدستور، تعتبر خطوة دياب قانونية ولا يمكن لرئيس حكومة استقبال المحقق العدلي بصفته مدّعى عليه. وتعتبر جهات قانونية أن صفة “الخطأ الجسيم” تنطبق على ادعاء المحقق العدلي دون الحاجة إلى مراجعة الدستور وحتماً، المحقق العدلي اللبناني لا يحق له استدعاء رئيس حكومة ولا رئيس جمهورية إلّا من خلال مجلس النواب عبر المحكمة الخاصة للرؤساء وفق المادة 70 من الدستور.  

ماذا بعد عدم مثول دياب؟ إن الامتناع عن الاستجابة للمحقق العدلي، رغم التبليغ الرسمي، توجب على القاضي تكرار الدعوة للاستجواب في موعد آخر، وإلا أن يلجأ إلى إصدار مذكرة إحضار بحق المدعى عليه الممتنع عن المثول أمامه، أي إحضاره بالقوة وفق القانون الجنائي العادي، ويتعذر ذلك في التعامل مع رئيس حكومة ووزراء سابقين.

يجد وزير العدل السابق ابراهيم نجار إن انتقاء أشخاص محددين للادعاء فتح الباب أمام البعض لطرح مسألة النيل من موقع رئاسة الوزراء، ودفع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وغيره من الرؤساء السابقين للتضامن مع دياب. واستجلب الأمر مزيداً من الأسئلة القانونيّة، حول انتقائيّة وكيفيّة اختيار أحد رؤساء الحكومات و3 وزراء فقط للادعاء عليهم، بعدما كان الكلام عن رؤساء حكومات ووزراء عدّة منذ عام 2013″.

وفيما غرق ملف تفجير المرفأ في أتون السياسة وبين أيدي ملوك الطوائف، لا تزال القضية بعيدة عن مقاربة العنصر الرئيسي في ملفّ الانفجار، الذي يحدّد منذ البداية هوية الطرف الذي كانت له ملكية 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، كما يحدّد اتجاه الطرق التي سلكتها كميات كبيرة حيث لم يبقَ سوى 1500 طن فقط من هذه المادة تسبّبت بالانفجار. 

ورأى نجار أنّ “القضيّة انتقلت من الناحية القضائيّة إلى الناحية السياسيّة، وأوّل نتائجها عرقلة ملف تأليف الحكومة، وعاد التضامن السنّي إلى لفيف رؤساء الوزراء السابقين مع رئيس حكومة تصريف الأعمال. واعتبر “أنّنا اليوم في معمعة سياسيّة، والناس تنتظر لترى إذا كان المحقّق العدلي في قضيّة انفجار المرفأ القاضي فادي صوان سيذهب إلى أبعد ممّا قام به”.

وفيما عُلِم أن كل من الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر لن يمثُلا أمام المحقق العدلي ولن يوفدا محاميين يمثلاهما، بانتظار تحرك المجلس النيابي لإعطاء إذن الملاحقة ورفع الحصانة إذا حصل!. فإن الإجراءات اللاحقة تكون بتكرار دعوتهما من المحقق العدلي وفي حال عدم التجاوب يتم التبليغ الغيابي وإصدار مذكرة توقيف غيابية، وعدا ذلك يكتفي المحقق العدلي بذكر عدم تجاوب “المدعى عليهم” في القرار الاتهامي الذي سيصدره لاحقاً لإحالته على المجلس العدلي كهيئة حاكمة وتعليله. يبقى موقف الوزير السابق يوسف فنيانوس غير واضح لجهة مثوله أمام المحقق العدلي وما سيتبع الاستجواب إذا حصل؟.

إذا عرقلت الطبقة السياسية التحقيقات في انفجار المرفأ وأدّت ضغوط “ملوك الطوائف” الى تنحي المحقق العدلي القاضي صوان، تتجه بعض عائلات القتلى والجرحى والمتضررين رفع دعاوى لدى محكمة الجنائيات الدولية وشكاوى الى الأمم المتحدة، وإذا كانت بعض جماعات المجتمع المدني تحرّض على مثل هذه الدعاوى فإن القوات اللبنانية وعبر رئيسها سمير جعجع لوّحت لمثل اللجوء إلى هذا الخيار.

أما وقد تصدى الجميع لقراره فما هي الخطوة التالية التي سيلجأ إليها صوان؟ وما هي الخطوات التي سيلجأ إليها للخروج من هذا المأزق الثلاثي الأبعاد قانونياً ودستورياً وسياسياً؟

القاضي صوان يقول لسائليه إنه لن يتنحى، ما لم يتعرقل سير العدالة عبر الضغوط السياسية، وهو ما لن يقبل بحدوثه حتى هذه اللحظة. وفي وقت أن مطلع الأسبوع سيفتح جدلاً لا ينتهي حول الاستدعاءات وعدم المثول لها فإنَّ الملفّ حالياً أمام مُفترق طرق حسّاس، فإمّا يُعيد القاضي فادي صوّان الاعتبار للتحقيقات مُبعداً عنها صفة الاستنسابية من خلال توسيع مروحة المُدّعى عليهم، ويدخل من ألف الجريمة ومسبباتها إلى يائها، أم يُبقي على إجراءات منقوصة تمنع الوصول إلى حقيقة ما جرى وإلى هويات من تسببوا بجريمة 4 آب التي خلّفت مئات الضحايا وآلاف الجرحى ودمرت نصف بيروت.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى